المنامة تتحدى طهران بالانخراط في جهود استعادة العراق إلى الصف العربي

المنامة تتحدى طهران بالانخراط في جهود استعادة العراق إلى الصف العربي

بغداد – أكّدت زيارة قام بها، الأحد، وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة إلى بغداد، تحوّل جهود استعادة العراق ضمن الحاضنة العربية إلى تيار قويّ بدأ يتجاوز قدرات طهران على كبح ذلك التوجّه المدعوم بإرادة عدد من العواصم العربية، وبقناعة عراقية متنامية باستحالة التمادي في الوضع الشاذ الذي أخضع العراق بالكامل لدائرة التأثير الإيراني وحرمه في المقابل من علاقات بمحيطه العربي كانت ستكون مفيدة له على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية.

واستُقبل الوزير البحريني، الأحد في بغداد، من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي دعا بالمناسبة إلى “التكامل الإقليمي وتعزيز مصالح شعوب المنطقة”، وإلى “الوقوف بوجه الاستقطاب الطائفي الذي يخدم الإرهاب”.

وفي لقاء مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري، قال الشيخ خالد إنّ “العلاقات الثنائيّة بين العراق والبحرين علاقات أخويّة تستند إلى روابط تاريخيّة وعائليّة وتجاريّة”، معبّرا عن يقينه بأنّ “العراق حريص على تعزيز علاقاته مع البحرين كما أن البحرين حريصة على تعزيز تلك العلاقات وتقويتها”، واعدا بالعودة قريبا إلى بغداد لعقد اجتماع اللجنة المُشتركة بين البلدين.

كما جدّد الشيخ خالد دعم بلاده للعراق في حربه ضدّ تنظيم داعش مؤكّدا أن في ذلك مصلحة مشتركة لدول المنطقة.

كذلك استُقبل وزير الخارجية البحريني من قبل الرئيس العراقي فؤاد معصوم وأكّد خلال اللّقاء أن زيارته إلى العراق ستفتح آفاقا جديدة للتواصل والعمل المشترك بين بغداد والمنامة.

ولم تنفصل زيارة الشيخ خالد بن أحمد إلى بغداد عن حركة التواصل التي تكثّفت بشكل لافت بين العراق والخليج وتجلّت خصوصا في استقبال المملكة العربية السعودية بين أواسط يونيو وأواخر يوليو الماضيين، كلّا من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ووزير الداخلية قاسم الأعرجي، وزعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر.

وينتمى هؤلاء جميعا للعائلة السياسية الشيعية، ما جعل استقبالهم في المملكة ينطوي على رسالة واضحة من الرياض بشأن عدم أهمية الاعتبارات الطائفية في التعامل مع العراق، فيما تبيّن في المقابل وجود رغبة لدى قيادات عراقية من المحسوبين تقليديا على المعسكر المساند لطهران لإحداث توازن في علاقات البلد بمحيطه الإقليمي، والتخفيف من حدّة التبعية لطهران بعدما تبيّن عمليا عدم وجود فائدة ملموسة لذلك.

ووصف نائب شيعي في البرلمان العراقي طلب عدم ذكر اسمه في تصريح مقتضب لـ”العرب” تعليقا على زيارة وزير الخارجية البحريني لبغداد، ما يجري داخل العائلة السياسية الشيعية العراقية بـ”ظهور تيار سيادي داخل تلك العائلة تقوم نظريته الأساسية على تعديل علاقة بغداد بطهران من التبعية إلى الشراكة”.

وشرح أن ذلك التيار يستمد قوة استثنائية من دعم الشارع له والذي تجلّى في أكثر من مناسبة من خلال شعارات رفعت بتلقائية خلال مظاهرات شعبية من قبيل “بغداد حرة وإيران على برة”.

وكانت بغداد قد استقبلت في شهر فبراير الماضي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في أول زيارة من مسؤول سعودي رفيع المستوى إلى السعودية منذ 14 سنة.

واعتبرت مراجع سياسية عربية أنّ زيارة الوزير البحريني تستمدّ أهمية استثنائية من كون مملكة البحرين بالذات، كانت في قلب الدعاية الإيرانية وجزءا أساسيا من منظومة التهييج الطائفي، وشكّلت على مدار السنوات الماضية موضع استهداف استثنائي من قبل إيران التي رأت في تركيبة مجتمعها من سنّة وشيعة مدخلا لإضعافها بتفجير صراع طائفي داخلها، واتخاذها من ثمّ، بوابة لاختراق منطقة الخليج، قبل أن تفاجأ بحجم الدعم والمساندة الخليجية للمنامة وحزم أغلب بلدان مجلس التعاون في التصدّي للتحرّش الإيراني بالبحرين.

وحاولت إيران أن تجعل من العراق منصّة مباشرة لتهديد أمن البحرين وضرب استقرارها، وذلك باستخدام ميليشيات شيعية في تدريب عناصر إرهابية لتشكيل خلايا في الداخل البحريني، وتزويدها بالسلاح، وهو ما تمّ الكشف عنه من قبل الجهات الأمنية البحرينية وعرضه على الإعلام.

وتبدو الصورة من خلال زيارة وزير الخارجية البحريني إلى بغداد منقلبة تماما، حيث تظهر المنامة بصدد الانتقال من تلقي الضغط الإيراني، إلى المشاركة في هجوم دبلوماسي خليجي عربي لاستعادة بغداد إلى الصفّ العربي ونقلها من وضع “الأداة” المستخدمة في تهديد استقرار المنطقة إلى عامل دفاع عنه وحفاظ عليه.

وتثير حركة التواصل المتنامية بين العراق والدول العربية، لا سيما بلدان الخليج، قلق طهران التي وضعت ضمن استراتيجيتها الإقليمية، ضرب العلاقة بين البلدان العربية واستمالة بلدان مهمّة إلى صفّها في مقدّمتها العراق.

ويبدو أنّ بلدانا رئيسية في المنطقة بصدد تفكيك تلك الاستراتيجية مستغلّة مزاجا جديدا لدى قوى وشخصيات عراقية باتجاه الفكاك من الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي وإحداث التوازن في علاقة البلد بمحيطه.

وليس هذا المزاج الجديد سوى جزء من حزمة تغييرات بدأت تُلمس بوضوح في الواقع العراقي بالتزامن مع خروج البلد من الحرب المرهقة على تنظيم داعش وما كشفته من ضعف منظومة الحكم العراقية القائمة حاليا بقيادة أحزاب شيعية موالية لإيران.

وبدأ سياسيون وقادة رأي عراقيون شيعة يجاهرون باستحالة مواصلة قيادة العراق خلال الفترة القادمة بنفس المنظومة وبذات العقلية.

ولا يتردّد أكثر هؤلاء الساسة والقادة واقعية في التعبير عن حاجة العراق المأزوم اقتصاديا لمساندة البلدان العربية وخصوصا بلدان الخليج الغنية في جهود إعادة إعمار المناطق التي طالها دمار كبير جرّاء الحرب، وهو أمر أساسي لتجاوز حالة عدم الاستقرار التي طال أمدها في العراق.

ويلفت كثيرون في المقابل إلى أنّه لن يكون بمقدور إيران التي تعاني بدورها مصاعب مالية واقتصادية تقديم شيء يذكر للعراق في مجال إعادة الإعمار.