لماذا يكره الشرق الأوسط أوباما ولماذا يحب ترامب

لماذا يكره الشرق الأوسط أوباما ولماذا يحب ترامب

كسبت روسيا في سورية بفضل تقاعس الرئيس باراك أوباما عن العمل. ويعود تفكك وانحلال الشرق الأوسط في جزء مهم منه إلى عدم استماع أميركا إلى حلفائها في المنطقة. وبغض النظر عن خطاب الرئيس دونالد ترامب المناهض للمسلمين، فإنه قد يكون شريكاً أفضل.
لأشهر، أبرق قادة الدول العربية الحليفة لأميركا في الشرق الأوسط وجهة النظر هذه إلى العالم، وهو ما يشرح السبب في أن القصور الذهبية للمنطقة التي تعاني من المشاكل وتمزقها الحرب، هي من الأماكن القليلة على الكوكب -ما عدا روسيا- التي يتمتع فيها ترامب بشعبية أكثر من الرئيس الذي سبقه.
هذا هو الوضع الذي أوضحه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في مقابلة حصرية مع “مجلة بوليتكو” في نهاية زيارة قام بها إلى واشنطن مؤخراً واستمرت أسبوعاً. وكانت لهجته محسوبة، لكن تعليقاته ترقى عند أخذها بمجملها إلى حد توجيه اتهام مدهش وصارخ لأوباما وللكثير من تفاصيل السياسة الأميركية الأخيرة في الشرق الأوسط. ويقول الحريري: “تجسد التداعي المؤسف للتقاعس عن العمل في عودة روسيا كلاعب من الوزن الثقيل في الإقليم، وانبعاث نظام الأسد الدموي في سورية، والفشل في إنتاخ صفقة سلام إسرائيلي-فلسطيني”.
ويقول رئيس الوزراء اللبناني إن “الوضوح” والأمل بانتهاج سياسة أكثر حسماً كانا السبب وراء تفضيله هو وقادة عرب آخرون لترامب، علىالرغم من الحديث الطنان وعدم اليقين اللذين كشفت عنهما الأشهر الستة الأولى من رئاسته. وثمة شيء غير معلن رسمياً -لكنه مهم بالمقدار نفسه وفق كل المعايير- هو توقع أن ترامب سوف يتبنى موقفاً أكثر صقرية تجاه داعمي سورية في إيران، وقد استحضر الحريري التنازلات التي قدمها أوباما لطهران من أجل التوصل إلى صفقته النووية كمثال على الكيفية التي ضلت بها الولايات المتحدة طريقها في المنطقة.
على ضوء الحرب الدموية التي مضى عليها ستة أعوام في الجارة سورية، والتي اقتربت من إرباك لبنان الصغير مرسلة طوفاناً من 1.5 مليون لاجئ إلى دولة ضعيفة قوامها 4.5 ملايين نسمة فقط، وواضعة “داعش” الإرهابي مباشرة على حدوده، فإنها تصبح قضصية جديدة بالاستماع إليها -حتى اعتقد المرء بأنها تعفي العالم العربي من المسؤولية عن أفعاله الخاصة.
الكثير من انتقاد الحريري لأوباما يتطرق إلى السذاجة -والفجوة الكبيرة بين خطاب أميركا الملهم وبين أفعالها.
بخصوص سورية، على سبيل المثال، يقول الحريري إن الأسد والروس خدعوا أوباما عندما عقد صفقة معهما في العام 2013 لإزالة الأسلحة الكيميائية  وكان يجب على أوباما قصف الأسد عندما تجاوز الدكتاتور السوري “خطه الأحمر” واستخدم غاز السارين ضد شعبه.
ويضيف الحريري: “إننا نعرف أفعالهم. ونحن نعرف أكاذيبهم. إننا نعرف ماذا يفعلون مع الشعب. نحن نعرف كيف يتصرفون مع الشعب. ولذلك، عندما يقول بشار الأسد إنه سوف يتخلص من الأسلحة الكيميائية، فإنه لن يفعل”. ويضيف الحريري: “إذا صدقه المرء فهو خطأ المرء الذي يصدقه. ذلك هو السبب في أنه عندما وضع الخط الأحمر، كان يمكن الوصول إلى الصفقة نفسها بعد العمل. لكن تلك الرسالة كان يمكن أن تذهب في طريق أفضل بكثير في المنطقة، ولكان النظام قد فهم أن أميركا تعني ما تقول وتريد العمل”.
والآن، كما يقول الحريري، فإن ترامب لا يملك أي خيار سوى التعامل مع موسكو. ويقول الحريري: “إن القوة الرئيسية في سورية الآن هي روسيا. وإذا كنت تريد حل موضوع سورية، فعليك أن تتحدث مع الروس. كان هذه هي النتيجة المؤسفة للتقاعس عن العمل. الآن، بما أنهم هناك. على أحد ما أن يتحدث معهم”.
يحمل الحريري المسؤولية لأوباما أيضاً عن الفجوة الكبيرة بين الكلمات “الملهمة” في خطابه في القاهرة في العام 2009، حين اقترح نهجاً أميركياً جديداً تجاه المنطقة، وبين “اللا شيء” الذي نتج عن جهود أوباما للتوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويشير إلى أنه بينما عارض قادة عرب غزو الرئيس جورج بوش للعراق في العام 2003، فإنهم وقفوا بقوة ضد الانسحاب الأميركي من العراق خلال رئاسة أوباما، وهو انسحاب يعتقد الكثيرون في المنطقة بأنه ترك فراغاً خطيراً شغله في نهاية المطاف صعود تنظيم “داعش” في العراق وسورية.
قال لي الحريري: “عندما اندلعت الحرب في العراق، قال لكم كل حلفائكم في المنطقة أن لا تذهبوا هناك. وعندما انسحبتم قال لكم كل حلفائكم أن لا تنسحبوا. طلب منكم كل حلفائكم في المنطقة عمل شيء ما بخصوص سورية، لكنكم لم تفعلوا. ولذلك، أعتقد بأن عليكم أن تتحدثوا مع حلفائكم، فهم موجودون هناك. وهم يعرفون أكثر”.
*   *   *
بطبيعة الحال، سيكون انتقاد الولايات المتحدة بسبب تخبطها في الشرق الأوسط أسهل كثيراً من شرح السياسة المعقدة في لبنان اليوم، بعد جيل من الحرب الأهلية الكارثية التي أسفرت عن مقتل ربع مليون إنسان تقريباً، وأصبحت تُعرِّف الطرفين الدمويين للصراع الطائفي في البلد.
ولنأخذ وضع الحريري الخاص. إنه بعمر 47 عاماً، رئيس وزراء بمحض الصدفة، سياسي لم يتوقع أبداً أن يكون رئيساً للوزراء كنتيجة مباشرة لاغتيال والده، رئيس الوزراء رفيق الحريري، في انفجار ضخم في بيروت قبل 12 عاماً. وما تزال القضية قيد النظر لدى محكمة دولية، لكن ثمة اعتقاداً واسع النطاق بأن القتلة كانوا على صلة بمليشيا حزب الله المدعوم من إيران وحليفه نظام الأسد في سورية، كما يذكرني الحريري في سياق حوارنا.
ما يجعل الأمر أكثر إدهاشاً أن الحريري، وهو سُنّي يتمتع بروابط قوية مع العائلة المالكة السعودية، هو اليوم رئيس وزراء حكومة في لبنان تضم حزب الله -في ائتلاف حاكم تم تجميعه في كانون الأول (ديسمبر) 2016 بعد ثلاثة أعوام من الجمود، حيث اختير الزعيم المسيحي ميشال عون المرتبط بحزب الله رئيساً والحريري رئيساً للوزراء. ويشكل حزب الله ببساطة أقوى قوة مسلحة في لبنان، ولم يكن من الممكن التوصل إلى أي صفقة من دونه، مما يعني أن على الحريري الرقص كل يوم وسط وضع سياسي معقد إلى حد مؤلم -أو المخاطرة بتمزيق حكومته إرباً.
عندما سألت سياسيين شرق أوسطيين أذكياء قبل هذه المقابلة عن ماذا يجب علي أن أسأل الحريري، أجاب أحدهم بالقول: “حزب الله حزب الله حزب الله”، على الرغم من أن آخر أشار إلى أنه من الصعب أن يكون الحريري صريحاً حول هذا الموضوع. وقال هذا الخبير: “إنه لا يستطيع البوح بما يفكر فيه في سريرته عن حزب الله؛ وإلا فلن تكون هناك حكومة. إنه رهينة؛ البلد كله رهينة”.
كان هذا الارتباك قيد العرض التام خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الحريري مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحديقة الوردية في البيت الأبيض بعد اجتماعهما. وعلى الرغم من أن العناوين الرئيسية انصبت على الانتقاد اللاذع الذي وجهه ترامب للمدعي العام الأميركي، جيف سيشنز، فإن خبراء الشرق الأوسط كانوا سريعين إلى التقاط زلة لسان لترامب عندما تبجح الرئيس في حديثه عن لبنان وقال إنه يقف “على الخطوط الأمامية” ويقاتل حزب الله -وبدا أنه لا يعرف حقيقة أن حزب الله يشكل في الحقيقة جزءاً من حكومة الرجل الذي يقف إلى جانبه.
كانت تلك مصيدة قاسية بالنسبة للحريري: إذا اعترف بالخطأ فسيغضب ترامب في لحظة هددت فيها الإدارة الأميركية بقطع المساعدات الخارجية التي تمس حاجة لبنان إليها، أم الموافقة مع الرئيس الأميركي على الحاجة إلى قتال حزب الله والمخاطرة بنسف حكومته الخاصة.
في النهاية تعامل الحريري ببراعة، متجاهلاً غلطة ترامب؛ حيث قال للمراسلين في وقت لاحق إنه كان متأكداً من اجتماعهما الخاص من أن الرئيس يفهم الوضع بالشكل الصحيح. وقد غادر الحريري واشنطن بدون المساس بالمساعدة الخارجية التي يتلقاها بلده، لكن ثمة تعهداً من وزارة الخارجية الأميركية بتقديم 140 مليون دولار إضافي للبنان للمساعدة في أزمة اللاجئين السوريين.
في المقابلة، ظل الحريري حازماً وبراغماتياً كلما أثير موضوع حزب الله. وهو واضح جداً إزاء حقيقة أن الخيار كان من الناحية الفعلية بين الالتقاء مع المجموعة المرتبطة بقتل والده، أو المجازفة بحرب أهلية أخرى. وبعد ثلاثة أعوام من عدم وجود رئيس في لبنان بسبب الجمود الداخلي، يتساءل: ما الخيار الحقيقي الذي كان متاحاً للبنان؟
يشرح الحريري الوضع بقوله: “لقد رأينا أننا إذا واصلنا هذا الوضع، فسينتهي الحال بنا مثل سورية، أو أنه سينتهي بنا مثل العراق”.
لكن كل يوم يشكل تحدياً. فبينما كان الحريري في واشنطن، هاجم حزب الله حدود لبنان مع سورية لاستعادة أراض كانت قد استولت عليها جبهة النصرة و”داعش” في سورية، وهو قرار يقول الحريري إنه لا صلة للقوات المسلحة اللبنانية به. ويقول: “لقد قرر حزب الله من جانب واحد أن يذهب إلى سورية من دون أخذ مشورة الحكومة”. (حزب الله، بطبيعة الحال، موجود في سورية أصلاً بشكل كبير -يقاتل مجموعات الثوار السنة نيابة عن نظام الأسد وإيران).
فيما يتعلق بمطالب واشنطن بفرض المزيد من العقوبات على حزب الله ونفاد الصبر المتنامي لدى الصقور في إدارة ترامب إزاء إيران، يطرح الحريري مسألة أن من الأفضل للولايات المتحدة عدم التركيز على وكلاء إيران في حكومته -وإنما على إيران نفسها.
وبالإضافة إلى ذلك، كما يعترف، فتلك مسألة على أحد آخر غير لبنان الصغير التعامل معها. وقال: “كما تعرفون، فإن تفكيرنا هو أن حزب الله موضوع إقليمي. لم يعد موضوعاً لبنانياً فقط. حزب الله موجود في سورية والعراق واليمن. ولذلك يجب على الناس عدم التركيز على حزب الله من باب أنه كيان لبناني وحسب لأنه إقليمي. وحتى يتم حل هذا الموضوع، أو حتى الالتفاف حوله، يجب أن يكون هناك تفاهم إقليمي. ولذلك، أنا رئيس الوزراء في لبنان. لن أدخل في صراع إقليمي. وكل ما أريده… هوحماية بلدي لأننا عشنا حرباً أهلية. لقد شهدناها. ودفعنا ثمناً لها 200.000 إنسان قتلوا في الحرب الأهلية”.
وكما يذكرني الحريري طوال المقابلة، فإن لبنان بلد صغير في جوار قاس. وهو في واشنطن ليس ليُبشر، وإنما ليطلب، ولا تكمن مهمته في أن يقول للقوى العظمى ماذا تفعل بخصوص سورية أو حزب الله أو إيران.
ويقول: “إن لبنان بلد صغير، ولدينا مثل يقول: ‘طالما أنك تعرف حجمك حاول حماية ما عندك’”، ويختم بالقول: “أعتقد أن هذا ما نحاول عمله. وأعتقد أن هذه السياسة أنقذت لبنان حتى الآن”.

سوزان غلاسير

صحيفة الغد