التاريخ الغريب للماسونيين في أميركا

التاريخ الغريب للماسونيين في أميركا

استخرج ورقة الدولار الأميركي. أنظر إلى الخلف، وسترى في اليسار، في مساحة كبيرة تماثل المساحة المخصصة لرمز النسر الأميركي إلى اليمين، صورة لعين وهرم، موضوعة هناك لا لسبب ظاهر. ولكن العين والهرم، بالنسبة للذين يعرفون، هي رمز ماسوني، أنتجته جمعية سرية أثرت في التاريخ الأميركي منذ بداياته. وفي عُرف الماسونية، يُعرَف رمز الهرم كإشارة إلى عين الله التي تراقب الإنسانية.
لقي الماسونيون الانتقاد والإشادة على حد سواء على دورهم المؤثر في التاريخ الأميركي. وقد وصل جورج واشنطن المستوى الأعلى من مراتب الماسونية في 4 آب (أغسطس) 1753، بتأمينه القيادة النافذة والمؤثرة لمحفل الاسكندرية في فيرجينيا. ولم يكن واشنطن وحيدا بين المؤسسين الأوائل؛ كان هناك 21 من الموقِّعين على إعلان الاستقلال من الماسونيين. ويلاحظ العديد من المؤرخين أن الدستور وقانون الحقوق يبدوان متأثرين بكثافة بـ”الدين المدني” الماسوني الذي يركز على الحرية، والمؤسسات الحرة، ومحدودية دور الدولة.
في أوروبا، كان الماسونيون معروفين بالتآمر ضد الحكومات الملَكية. وفي أميركا، أصبحوا معروفين بالدعوة إلى الفضائل الجمهورية للحكم الذاتي.  وقد أثر الماسونيون في التاريخ الأميركي: كان الماسونيون معارضين لمطالبات الملَكيين -وهو ما كان له تأثير قوي على تطور الثورة الأميركية ضد بريطانيا، والتي بلغت ذروتها في الحرب الثورية. كما كانوا معروفين أيضاً بمعارضتهم للكنيسة الكاثوليكية، وهي منظمة دولية أخرى تنافست على كسب الولاء.
اليوم، تتمتع المحافل الماسونية في الولايات المتحدة بسمعة حميدة إلى حد كبير، حيث يُنظر إليها على أنها مكان لالتقاء رجال الأعمال في البلدات الصغيرة (النظام مقتصر على الرجال) حيث ينخرطون في التجمعات الاجتماعية، والتواصل، وتوفير الفرص لعمل للجمعيات والأعمال الخيرية. لكن المجموعة، برموزها ومصافحاتها السرية، لم تكن دائماً غير ضارة كثيراً على هذا النحو.
تأسست جمعية الماسونيين في الولايات المتحدة، (المعروفة أيضاً بجمعية البنائين الأحرار) في إنجلترا وأصبحت جمعية تحظى بالشعبية لكبار الاستعماريين بعد تأسيس أول محفل أميركي في نيويورك في نيوجيرسي في العام 1730. وتعهد إخوة الماسونية بدعم بعضهم بعضاً وتوفير الملجأ لإخوانهم إذا دعت الحاجة. وقد جسدت الأخوية المثل العليا للتنوير الأوروبي، مثل الحرية، والاستقلال، والله كما تصوره الفلاسفة الربوبيون باعتباره خالقاً ترك الإنسانية لشأنها إلى حد كبير.
هذه النظرات الثيولوجية خلقت احتكاكاً مع الكنائس، وخاصة الكاثوليكية واللوثرية. وفي حين حصل الماسونيون على ولاء الكثير من نخب الجمهورية المبكرين، فقد وقعت المجموعة تحت شكوك واسعة النطاق. وهددت قضية ويليام مورغان في العام 1826 -عندما انشق الماسوني القديم عن المجموعة ووعد بكشف أسرارها- وجود الجمعية. فقد تم اختطاف مورغان -ويفترض أنه قُتِل- على يد الماسونيين، وشكلت الفضيحة نقطة منخفضة في الصورة العامة للنظام الأخوي للمجموعة.
بعد ذلك، تصاعد رد الفعل المضاد ضد الماسونيين. وهاجم الإلغائيون، من أمثال جون براون، الماسونيين المؤيدين غالباً للعبودية. وانضمت شخصيات بارزة، بمن فيها جون كوينسي آدامز، الرئيس السابق والماسوني السابق، والناشر هوراس غريلي، إلى الحملة التحريضية واسعة النطاق ضد المجموعة. ووصف ميلارد فيلمور، الذي أصبح رئيساً لاحقاً، الترتيبات الماسونية بأنها لا تعدو كونها “خيانة منظمة”. وفي العام 1832، رشح حزب مناهض للماسونية مرشحاً واحداً للرئاسة. وتمكن من الحصول على الأصوات الانتخابية في فيرمونت.
لم يكن الماسونيون الأميركيون فوق مستوى الانخراط في المغامرات الخارجية المثيرة للجدل. ففي العام 1850، قام فصيل من الماسونيين الأميركيين بالاشتراك مع متقاعدي الحرب المكسيكية بغزو كوبا من أجل إشعال ثورة ضد التاج الإسباني. وقد فشلت المجموعة في كسب موطئ قدم لها هناك وانسحبت بعد تعرضها لخسائر فادحة. ثم حُوكِم قادتها في وقت لاحق في نيو أورليانز بسبب انتهاكهم قوانين الحياد الأميركية.
عملت الأخوية والسرية طويلة الأمد للمجموعة تقليدياً كوسيلة للإقصاء، وليس الضم. واليوم، تتلقى سمعتها الدعم بسبب اقترانها مع “شراينرز”، وهي مجموعة أخوية متصلة معروفة بأعمالها الخيرية والصحية. والآن، يعمل ماضي الماسونيين الثوري والعنيف أحياناً كنوع من الحاشية التاريخية؛ حيث أسس النظام نفسه كمشارك هادئ في النسيج الاجتماعي الأميركي. وحتى مع ماضيها المثير للجدل، فإنه يصعب أن نتصور النظام الماسوني كبؤرة معاصرة للتمرد العنيف.

بيتر فيورهيرد

صحيفة الغد