همسٌ عن ثورة ثقافية ثانية

همسٌ عن ثورة ثقافية ثانية

في الثاني من آب/أغسطس، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ج. ترامب مشروع قانون يستهدف أنشطة «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني المرتبطة بالصواريخ والإرهاب بالإضافةً إلى آثامه على الصعيد المحلي، من بينها التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان وتقييد حرية التعبير.

وإلى جانب كون «الحرس الثوري»، قوةً عسكرية تستخدم تكتيكات تقليدية وغير تقليدية على حد سواء – فضلاً عن كونه تكتل اقتصادي – يتولى «الحرس» أيضاً المهمة الأوسع نطاقاً المتمثلة بحماية ما يسمى بالثورة الإسلامية وإنجازاتها بكافة الوسائل الضرورية. ويشمل ذلك كل شيء بدءاً من دعم الشرطة في مواجهة الاضطرابات المحلية وصولاً إلى تطبيق الامتثال الثقافي والتعليمي مع الشريعة الإسلامية.

جهاز القمع

خلال الانتفاضات الشعبية في تموز/يوليو 1999 وحزيران/يونيو 2009، شارك «الحرس الثوري» بنشاط في تعزيز جهود الشرطة الإيرانية ودعمها. غير أن الانتفاضة الأخيرة من بين الإثنتين هزّت الجمهورية الإسلامية بقوة كبيرة اضطرتها إلى إعادة هيكلة نظامها الأمني المحلي بأكمله تقريباً ومحورته حول «الحرس الثوري».

وفي طهران وحولها، تبقى قوات الشرطة الوطنية (ناجا) –  بألويتها الأربعة من الوحدات الخاصة المحلية – ووزارة الاستخبارات مسؤولة عن الأمن. ولكن بعد عام 2009، اضطلع «الحرس الثوري» بدور مساند رسمي، إذ تلقت كتيبتان تابعتان له تدريباً متخصصاً وتمّ تزويدهما بالعتاد الضروري لتولي هذه المهمة.

أما من الناحية البيروقراطية، فتنقسم طهران إلى ثلاث وعشرين دائرة بلدية، تتمتع كل منها بهيكلية “مقاطعة مقاومة الباسيج” (BRD). وضمن كل دائرة، يمكن إيجاد معدل أحد عشر “دائرة مقاومة الباسيج” (BRP)، ولكل واحدة منها 12 “قاعدة مقاومة الباسيج”(BRB) منتشرة حول الأحياء في المساجد والوزارات والمدارس والمواقع الأخرى. وضمن كل “قاعدة مقاومة الباسيج”، تتولى كتيبتا “عاشوراء” المؤلفة من الرجال وكتيبة “الزهراء” المؤلفة من النساء، العمليات “الثقافية” وخدمات الإنترنت وعمليات الدفاع المدني والبحث والإنقاذ/الإغاثة. فضلاً عن ذلك، وعلى مستوى الدوائر، تعمل كتيبتا “الرد السريع” وهما “بيت المقدس” التي تضمّ رجالاً فحسب و”كوسار” النسائية بالكامل، بهيكلية ومهام مماثلة، غير أنهما تتألفان من عناصر أصغر سناً يتم تدريبها ونشرها على نحو أكثر فعالية. وعند قيام هاتان الكتيبتان بتنفيذ مهمة ما، تتلقيان الأوامر مباشرةً من فيلق المقاطعة.

غير أن الأبرز بينها هي “كتائب الإمام علي الأمنية”، التي يتمّ تخصيص واحدة منها لكل “مقاطعة مقاومة الباسيج”. وهذه القوات المتطوعة مدربة خصيصاً ومجهزة بكامل معدات مكافحة الشغب، والدراجات النارية الثقيلة، وشاحنات صغيرة من نوع “تويوتا” التي هي بمثابة “قفص متحرك” من أجل قمع احتجاجات الشوارع والقيام باعتقالات بسرعة ودون رحمة. وهي تعمل تحت قيادة أربع وحدات أمنية تابعة لـ «الحرس الثوري» في المدينة (“ولي عصر” و”حضرت مجتبى” و”الإمام هادي” و”الإمام رضا”)، التي بدورها تخضع لإدارة كتيبتي الرد السريع الأمنيتين “حضرت زهرا” و”آل محمد” التابعتين لـ”فيلق محمد رسول الله” في طهران، ومقرها في قلب العاصمة. ويخضع “فيلق محمد رسول الله” و”فيلق سيد الشهداء” المستقل في محافظة طهران – الذي مقره في منطقة “رى” في جنوب طهران – لسلطة المقر الرئيسي لقوات “ثار الله” الأمنية.

وإلى جانب “مقاطعات مقاومة الباسيج” والوحدات التي تركز على الأمن والتهديدات الثقافية المفترضة، يؤدي “فيلق محمد رسول الله” مهام عسكرية أكثر تقليدية من خلال “فرقة المشاة الممكنة القتالية  27” التي تم تقليص حجمها، حيث تضم أربع كتائب فقط، في حين يقود “فيلق سيد الشهداء” الفرقتان العاشرة والثالثة والعشرين. ومن أجل تنفيذ العمليات القتالية، تمّ تدعيم هذه القوات بأربع وعشرين كتيبة من “باسيج الإمام حسين” وأربع وحدات للرد السريع من “الصابرين”. وكثيراً ما يُرسل أفراد هذه الوحدات إلى سوريا حيث تكبدوا عدد كبير من الضحايا.

وتعمل كتائب “الإمام حسين”، على وجه الخصوص، كوحدات الاحتياط الحيوية لـ «الحرس الثوري». ويشرف على هذه الوحدات مقر مركزي منفصل لـ”الإمام حسين” ضمن «الحرس الثوري»، ويتألف من أفضل كوادر “الباسيج” التي تتلقى أجراً. وبالتالي فإن المقاتلين مدربين تدريباً جيداً ومجهزين للاضطلاع بعمليات إلى جانب وحدات «الحرس الثوري» العادية، وللحفاظ على مهاراتهم، ويشاركون في التدريبات الأسبوعية والشهرية. وهذه الترتيبات غير العادية تسمح للوحدات العسكرية والأمنية بتبادل الأدوار ومساعدة بعضها البعض عند الضرورة.

دائرة عملية صنع القرار

على الرغم من أن المنظمات الرئيسية المسؤولة عن أمن طهران هي “ناجا” ووزارة الاستخبارات، يسعى “المجلس الأعلى للأمن القومي” في الحالات المستعصية الخاصة على الفور إلى طلب إذن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من أجل إشراك مقر “ثار الله” الذي بدوره يفعّل “فيلق محمد رسول الله”، وكذلك “فيلق سيد الشهداء” من محافظة طهران في الضواحي. وعندئذ، يصبح بإمكان هذين الفيلقين حشد وحدات “الإمام علي” للرد السريع التابعة لهما والتي تتمتع بقدرة عالية على التنقل وتكليفها بالمهمة.

وفي مثل أوقات الأزمات هذه، يعمل مقر “ثار الله” بفعالية كحاكم عسكري لطهران. ورغم أنه يخضع بالاسم لقائد «الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري، يتولى قيادته فعلياً القائم بأعماله العميد اسماعيل “محمد” كوثري، العضو السابق في البرلمان وأحد القادة الكبار في قمع احتجاجات عام 2009. وإلى جانب مقر “عمار الاستراتيجي” الذي يرأسه رجل الدين مهدي طائب، يتولى “ثار الله” مسؤولية الإشراف على الأنشطة الاجتماعية-الثقافية والتواصل الاجتماعي والتلاعب بها في العاصمة، إذا لزم الأمر، فيما يُعرف عموماً باسم “الهندسة الثقافية”. كما تشرف “كتائب العمليات الثقافية الإلكترونية” – التي تضم على ما يبدو آلاف العناصر – التابعة لـ”فيلق محمد رسول الله” على الجانب الثقافي في طهران.

دعوات لـ “الأصلوية الجديدة”

في أيلول/سبتمبر 2011، حدّد المرشد الأعلى خامنئي الأهداف الخمسة للثورة الإسلامية، حيث سبق أن تحقّق اثنان منهما – الثورة نفسها وإنشاء مؤسسة إسلامية. أما الثلاثة المتبقية فتشمل تشكيل حكومة إسلامية، ودولة إسلامية، وحضارة إسلامية عالمية، أو أمة، في نهاية المطاف. وفي أيار/مايو 2015، عبّر اللواء جعفري، قائد «الحرس الثوري»، عن خيبته من عجز البلاد عن إحراز تقدّم في هذين المجالين، وهو تأخير يهدّد، في رأيه، جذور الثورة الإسلامية ويخاطر بعكس “الإنجازات ” الثورية القائمة. وإذا ما وضعنا جانباً طموحاتهم الثورية الخاصة، وأنشطتهم الإقليمية، وسعيهم وراء الصواريخ البالستية، يلقي كبار ضباط «الحرس الثوري» اللوم على قيام هذا الركود إلى الحالة الثقافية والأخلاقية “المقلقة للغاية” في المجتمع الإيراني، وبالتالي يدعون إلى إحداث تغييرات جذرية، بدءاً بالجامعات.

وغالباً ما تلقى هذه الآراء تعاطف من المرشد الأعلى، الذي أوضح في 8 حزيران/يونيو على النحو التالي لطلاب جامعات زائرين: “لطالما طلبتُ من [أمرتُ] العقول الجهادية المثقفة والعلمية والمتعلمة (وليس فقط الطلاب) في جميع أنحاء البلاد … أن تبذل كل ما تراه مناسباً عند حاجتها، كما لو أُمِرَتْ بـ “إطلاق النار كما تشاء” في ساحة المعركة. ومن الواضح، أنه لدينا قيادة مركزية في ساحة المعركة تصدر الأوامر، لكن في حال انفصالها [عن الخطوط الأمامية] أو حين لا تقوم بواجباتها بشكل صحيح، يأمر القائد بإطلاق النار عندما تراه مناسباً. هناك، يجب أن تتخذ قراراتك بنفسك. يجب أن تفكر وتجد الوسيلة وتتحرك وتتصرف…”.

وفي حين يمكن اعتبار هذا التصريح مجرد عِظَة – كما أشار إلى ذلك على ما يبدو خامنئي نفسه في وقت لاحق – يمكن أن تبشّر مثل هذه الملاحظات بدور أكثر فعالية لـ «الحرس الثوري» في الثقافة والتعليم الإيراني. فقد سبق أن شجع المرشد الأعلى هذا النوع من التحوّل، كما حين كلّف «الحرس الثوري» بإعادة تحديد مفهوم “الجهاد الأكبر” باعتباره “جهاداً أصغر” ضد  التهديدات “الثقافية” غير الحركية. وبدورهم، ردّد متشددون آخرون، مثل عمدة طهران المنتهية ولايته وقائد «الحرس الثوري» وقائد “ناجا” السابق محمد باقر قاليباف، هذه الآراء استناداً إلى شعورهم بابتعاد شعبي عام عن المبادئ الإسلامية. وفي 12 تموز/يوليو، دعا قاليباف إلى أصولية جديدة إيرانية استباقية من أجل التصدي لهذه المشكلة.

وقد امتدت الدعوات لاعتماد خط أكثر تشدداً لتطال السياسة الخارجية. ففي 27 تموز/يوليو، أعلن العميد كوثري أن الحل الوسط والتفاوض مع العدو غير المرن، أي الولايات المتحدة، لن تسمحا لقادة إيران بالسير على خطى الشهداء. وأسهب بالقول “يجب علينا بدلاً من ذلك أن نكون حازمين وثابتين في مهاجمة العدو، بينما لا ننسى أن البلاد تدين بوجودها إلى «الحرس الثوري»”.

احتمالات اتخاذ إجراءات صارمة

من شأن استهداف «الحرس الثوري» مؤخراً للجامعات بما يسمى بأجندة العلوم الإنسانية الغرببة التي تعتمدها … وبـ “ثقافتها التحررية” المستمدة من الخارج أن يُحرّض نحو ثورة ثقافية ثانية في إيران. ويثير هذا الاحتمال لأسباب مفهومة قلق المثقفين في البلاد، إلى جانب العديد من المواطنين العاديين.

وكانت الثورة الثقافية الأولى، التي وجهها مجلس خاص مدعوم بشكل كامل من آية الله روح الله الخميني بين نيسان/أبريل 1980 وكانون الأول/ديسمبر 1982، قد تسبّبت بإغلاق الجامعات لمدة عامين، وفصل الطلاب، وإعفاء الاساتذة من مناصبهم، ومراجعة وتنقيح جميع الكتب المدرسية، واستبدال جميع علامات “الليبرالية” في المجتمع مع تلك الإسلامية، وفرض ارتداء حجاب إسلامي صارم. ولكنها شملت أيضاً اتخاذ إجراءات أمنية صارمة واسعة النطاق وعديمة الرحمة.

وعليه، قد تعود ثورة ثقافية ثانية بالفائدة على «الحرس الثوري» من خلال كونها انقلاباً وهمياً زاحفاً ضد الرئيس حسن روحاني وحكومته الجديدة إذا واصلا السياسات المعتمدة خلال السنوات الأربع الماضية أو عملا على إصلاح العلاقات مع الغرب. ويثير «الحرس الثوري» شكوكاً متزايدة تجاه “البراغماتيين المتباعدين” و”التحوّليين” الذين يسعون إلى إقامة علاقات أفضل مع الغرب “على حساب المصالح الثورية والوطنية الإيرانية”، ويملك كافة الأدوات الضرورية لمراقبة هذه الاتجاهات وإعاقتها ووضع حد لها في النهاية. وقد تنطوي مثل هذه التحركات، إذا حدثت، على تداعيات على السياسات الأمريكية، مما يضيف من دون شك من عدم اليقين وعدم الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط المزعزعة والغير مستقرة أساساً.

فرزين نديمي

معهد واشنطن