تراجع الحوثيين يؤجل الانفجار في صنعاء

تراجع الحوثيين يؤجل الانفجار في صنعاء


صنعاء – تراجعت احتمالات حصول انفجار كبير في صنعاء اليوم بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين (أنصار الله) وذلك بعدما هدأ هؤلاء من تصعيدهم في مواجهة التظاهرة التي ينوي حزب صالح تنظيمها في الذكرى الـ35 لتأسيسه.

واغتنم الرئيس السابق حملة التصعيد الحوثية عليه خلال الأيام القليلة الماضية ليطرح مجددا حوارا مع المملكة العربية السعودية على قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، وهي قاعدة أسست للعلاقات بين اليمن والمملكة منذ العام 1970. ولخصت مصادر سياسية يمنية رفيعة المستوى الوضع القائم، في ضوء تراجع الحوثيين عن لغة التهديد المباشر، بأن “الانفجار في صنعاء تأجّل لكن احتمالاته لا تزال موجودة في الأيام والأسابيع المقبلة”، خصوصا أن أسس الخلاف العميق بين الجانبين لم يطرأ عليها أي تغيير.

وقلب صالح موازين تحالفه مع ميليشيا الحوثيين في اليمن، عندما قال في خطاب الأربعاء إنه مستعد للدخول في حوار مباشر مع السعودية، والقبول بتشكيل لجنة تبحث أمن منطقة الخليج، بإشراف من مجلس الأمن.

وكان الرئيس اليمني السابق يدافع عن إقامة مهرجان حاشد اليوم الخميس في صنعاء احتفالا بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي حاول الحوثيون عرقلة انعقاده، لكن دون جدوى.

وقال صالح، خلال اجتماع باللجنة العامة لحزب “المؤتمر الشعبي العام” الذي يتزعمه، إنه “على استعداد للحوار على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ومستعدون أن نتفاهم مع الأشقاء في السعودية كما حدث في العام 1970″.

وكان صالح يشير إلى مفاوضات إنهاء الحرب بين أنصار الإمام المدعوم من السعودية، والعسكريين من الجمهوريين الذين كانت تدعمهم مصر.

لكنه اشترط إلغاء قرار مجلس الأمن الدولي 2216 باعتباره قرار حرب، حسب وصفه، بالإضافة إلى رفع اليمن من البند السابع.

وظهر الرئيس اليمني السابق في خطابه بمظهر من يطمح لتقديم نفسه كعنصر سلام رئيسي في اليمن، وبدا أن هدفه استدراج السعودية إلى طاولة المفاوضات، بما يعيد إليه شرعية يفتقدها منذ تحالفه مع الحوثيين المدعومين من إيران.

ونفى صالح ارتباط حزبه بإيران أو أي دولة أخرى، وقال إنه “لو لم يدمر الجيش اليمني ويفكك”، في إشارة إلى قرار بإعادة الهيكلة الذي أصدره الرئيس اليمني الانتقالي عبدربه منصور هادي، “لكانت المعادلة اليوم مختلفة في اليمن”.

فهد الشرفي: الفعالية ستكون حاشدة، حيث سيدفع المؤتمر بكل قواه
في موازاة ذلك بدا الحوثيون كأنهم استنفدوا كل وسائل الضغط على صالح من أجل عدم إقامة التظاهرة الكبيرة، قبل أن يتراجعوا خطوة إلى الوراء أمام إصراره على المضي قدما في التصعيد، الذي بات ينذر بدخول الانقلابيين في صراع داخلي حاد.

وأصدر رئيس “اللجنة الثورية العليا” محمد علي الحوثي، الذي يتهم بقيادة حملة التحريض على الرئيس السابق، بيانا غلب عليه طابع التهدئة، في محاولة للتخفيف من حدة بيان سبقه بساعات صادر عن “اللجان الشعبية” التابعة للحوثيين وصف الرئيس السابق بـ”المخلوع″.

وفي وقت سابق اتهم بيان الحوثيين شديد اللهجة صالح بـ”الغدر”، وأنه تجاوز الخطوط الحمراء بوصفه “اللجان الشعبية” بالميليشيا، وحمل البيان تهديدا غير معهود لصالح، وقال إن” عليه أن يتحمل ما قال، والبادئ أظلم”.

وجاء بيان محمد علي الحوثي، الذي دعا فيه صالح إلى الاعتذار مقابل التهدئة، لنزع فتيل التوتر الذي تجاوز مرحلة المناوشات الإعلامية إلى مرحلة التهديد المباشر لصالح وحزبه.

وقال صالح مخاطبا الحوثيين “امسكوا مجانينكم أو عقلوهم”، وأضاف “لا تصبوا الزيت على النار البلاد مكهربة”.

ورغم موجة غضب عارمة في صفوف الحوثيين، رددوا خلالها شعارات “التصعيد مقابل التصعيد” و”اقتحامات لا انتخابات”، بدا الأربعاء أنهم يتراجعون عن خططهم لعرقلة فعالية حزب المؤتمر، إذ حذر البيان الأخير من أن “تنزلق البلاد –في ظل هذه الظروف– إلى أتون صراعات داخلية”.

وتقول مصادر إن صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى، نجح في التوصل إلى اتفاق مع حزب المؤتمر حول مهرجان اليوم، بعد أن صدرت تعليمات من زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي بكبح جماح بعض القيادات الحوثية الميدانية التي كانت تميل لتفجير الوضع عسكريا.

وقال عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبيعادل الشجاع لـ”العرب” إن “الحوثيين تحركهم الحماقة والمؤتمر تحركه الثوابت الوطنية، وما كان للثوابت أن تتراجع يوما ما. المؤتمر يمضي منذ 2011 إلى الأمام متمسكا بمرجعياته الشعبية والوطنية، وقد سقطت أمامه كل المشاريع الصغيرة وغادرت المشهد غير مأسوف عليها”.

وكشفت مصادر خاصة لـ”العرب” عن اتباع الحوثيين لسياسة مختلفة في مواجهة الرئيس السابق وحزبه، إذ باتوا يعملون على تحجيم الفعالية من خلال وضع العوائق أمام أنصار صالح والحيلولة دون وصولهم، إضافة إلى إطلاق حملة اعتقالات في صفوف قيادات المؤتمر في المحافظات التي تتولى عملية الحشد.

فارس البيل: قد يمر اليوم بحذر شديد، لخوف الطرفين من تبعات ما سيحدث
ويقول مراقبون في صنعاء إن الحوثيين سيعملون في الفترة المقبلة على إضعاف نفوذ صالح أو ما تبقى منه في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتدشين مرحلة جديدة من العلاقة بين الطرفين تعتمد على سياسة تجزئة الأزمات، وتقاسم الأدوار بين قيادات الجماعة، في شكل فصيل يعمل على التصعيد وآخر يقوم باحتواء الأزمة، في ظل الاستمرار في إضعاف صالح حتى تتاح الفرصة المناسبة للتخلص منه سياسيا.

وقال مستشار وزير الإعلام اليمني والقيادي في حزب المؤتمر (المؤيد للشرعية) فهد الشرفي إن “الفعالية ستكون حاشدة، حيث سيدفع المؤتمر بكل قواه وفي المقابل، سيحاول الحوثيون إظهار الحشد هزيلا وضعيفا”.

وأضاف الشرفي “الاستفزازات التي حصلت من قبل الحوثيين جعلت المؤتمرين يشعرون أن المسألة ليست ذكرى تأسيس بل مسألة: إما أن يكونوا أو لا يكونوا، وسط محاولات الحوثيين للي ذراعهم، وبالتالي هي آخر معركة كسر عظم، وإذا كسر عظم المؤتمر فقد كسر آخر مكون سياسي موجود في صنعاء”.

وعن الطرق التي يمكن أن يلجأ إليها الحوثيون لعرقلة المهرجان يقول الشرفي “الحوثيون سيهددون الناس ولقد هددوا الناس بالفعل وسيحاولون أن ينتقموا، وأتوقع أن تحصل بعض الاحتكاكات في بعض النقاط، ولكنها ستمر، ولن يكون هناك احتراب، لأنه إذا حصل أي توتر أو انفجار صغير في نقطة أو في أي مكان فسيتم احتواؤه بسرعة، فالحوثيون يشعرون بخطورة الانزلاق والمغامرة”.

من جهته يرسم الباحث السياسي اليمني فارس البيل سيناريوهات متعددة لتطورات اليوم في صنعاء قائلا “قد يمر اليوم بحذر شديد، لخوف الطرفين من تبعات ما سيحدث، لكن الصدام سيتأجل لظروف ملائمة لانقضاض طرف على الآخر، فلم يعد بعد هذا الخلاف والتصعيد من عودة إلى حال الهدوء والوفاق أو الاطمئنان بينهما”.

وأضاف البيل لـ”العرب” إن “السيناريو الثاني قد يحدث في صورة صدام، وما الفعالية أصلا إلا وصول لهذا الباب، وعندها ستدخل صنعاء في مرحلة من الجحيم، على أن صالح لن يغامر ما لم يكن قد ضمن النتائج داخليا وخارجيا قبل الإقدام على أي تصعيد، في حين ينطلق الحوثيون من شكوكهم ومخاوفهم دون مكابح”.

أما السيناريو الثالث، بحسب البيل، فهو أن ” يبقى التصعيد في إطاره الخطابي، إذ ربما يعلن المؤتمر انفضاض الشراكة مع الحوثي وبالتالي الدخول في مرحلة المواجهة الطويلة، أو على الأقل يضعون شروطا تعجيزية لبقاء التحالف ولو هشا، لكن في كل الأحوال، فاستعدادات الطرفين على الأرض والتصعيد الإعلامي على أعلى المستويات يوحي بأن هذه الشراكة بين الطرفين قد دخلت مرحلة الطلاق والباقي مجرد إجراءات”.

العرب اللندنية