الناتو ودول الرباعية الأفريقية: شراكة استراتيجية جديدة

الناتو ودول الرباعية الأفريقية: شراكة استراتيجية جديدة

على مدى العقد المقبل ستلوح افريقيا في الأفق، لتؤثر في الحسابات الامنية ​​لحلف الناتو، إذ اضحت ليبيا والجزائر في شمال أفريقيا، ونيجيريا وأنغولا في غرب أفريقيا مرتكزات رئيسة لأمن الطاقة في أوروبا، في وقت تتحرك فيه دول اوربية للحد بشكل كبير من اعتمادها على واردات النفط والغاز الروسية. ولهذا سوف تتجه دول الناتو لحشد موارها تعزيزا للأمن البحري ومواصلة بذل الجهود الكبيرة لمكافحة القرصنة في خليج غينيا، لضمان تدفق النفط والغاز إلى أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك، سيواجه الحلف قرارات صعبة جدا فيما يتعلق بالتدخل العسكري حيث الصراع الداخلي في هذه الدول، بسبب مشكلات عرقية وقبلية ودينية في دول فاشلة مثل ليبيا، او جراء تهددات الاوضاع الهشة كما في الجزائر ونيجيريا. وببساطة، يجب على حلف شمال الأطلسي إعادة تقويم أولوياته وإقامة شراكة جديدة مع الجزائر وليبيا ونيجيريا وأنغولا، بما يعكس الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لهذه الرباعية الأفريقية بالنسبة لدول الحلف.

إعادة هيكلة أمن الطاقة الناتو

ومن وجهة نظر أوروبية؛ تتأثر باعتبارات القرب الجغرافي والعلاقات الودية، واحتياطيات النفط والغاز المتوافرة بكميات كبيرة في هذه الدول، ما يجعلها من منتجي الطاقة، للحلول محل المنتجات الروسية. ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، فان الاحتياطيات النفطية المؤكدة مجتمعة من هذه الدول تصل الى ما مجموعه 106.9 مليار برميل، والتي تزيد عن احتياطيات روسيا بـحدود 80 مليار برميل. وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، فإن الصورة أقل تفاؤلا، حيث تمتلك الدول الرباعية الأفريقية احتياطيات الغاز المؤكدة والتي تصل الى 404.2 ترليون/ قدم مكعب مقارنة مع احتياطيات روسيا الضخمة التي تبلغ 1.868 تريليون/ قدم مكعب. وسيتمثل التحدي الرئيس لمنظمة حلف شمال الأطلسي في صياغة شراكة طويلة المدى، تضمن الأمن الاقتصادي للدول الافريقية الرباعية من جهة، وأمن الطاقة للدول الاعضاء في حلف شمال الأطلسي في أوروبا من جهة اخرى.

مما لا شك فيه، فان أخطر عواقب المواجهة الجارية بين دول الناتو وروسيا، تتعلق بشأن تقرير أوكرانيا للانضمام إلى الحلف (أو على الأقل الحصول على حماية ضمنية من مظلة أمنها) والمراهنة على ان أمن الطاقة لحلف الناتو مقابل الأمن الاقتصادي في روسيا. فاستراتيجية حلف الناتو تستند على استغلال حقيقة أن الأمن الاقتصادي الروسي يعتمد على صادرات الطاقة إلى أوروبا. ففي عام 2012، فان الإيرادات من صادرات الطاقة مولت ما يقرب من نصف ميزانية الحكومة الروسية. وتستورد أوروبا من روسيا نحو 79 % من صادرات نفط الاخيرة و 76 % من صادرات الغاز الروسية.

وعلى الجانب الآخر، ففي عام 2012 وصل الاعتماد الاوربي على روسيا الى 55 % من احتياجاتها النفطية والغازية. ما يكشف عن مزايدة بخصوص الترابط المتبادل بين مصالح الأمن القومي لروسيا والأهداف السياسية لمنظمة حلف شمال الأطلسي.

وبالإضافة إلى ذلك، بلغت واردات النفط الأوروبية بحدود 10.5 مليون برميل يوميا، في حين بلغ إجمالي واردات الغاز 8.4 تريليون قدم/ مكعب في عام 2012. وكانت روسيا قد زودت اوربا بـ 5.8 مليون برميل يوميا من النفط و 4.6 تريليون قدم مكعب من الغاز. ومن خلال فرض عقوبات على صناعة النفط والغاز في روسيا، أشارت منظمة حلف شمال الأطلسي أنها مستعدة لخوض الحرب الاقتصادية، بما في ذلك فرض حظر على واردات أوروبا من النفط والغاز الروسي.

ووفقا لذلك، يتعين على أوروبا الآن إيجاد بديل لروسيا كمصدر لإمدادات الطاقة، ودول الرباعية الأفريقية لمنتجي الطاقة، قد تلعب دورا بهذا الصدد. وفي احدث الإحصاءات التي جمعتها (EIA)، تنتج كلا من الجزائر، ليبيا، نيجيريا وأنغولا نحو 7 ملايين برميل يوميا من النفط، وتصدر نحو 6 ملايين برميل يوميا. ولتغطية خسائر النفط الروسي، فأن على دول الرباعية زيادة انتاجها بنحو 5.8 مليون برميل يوميا (على افتراض عدم إعادة توجيه المبيعات لغير اوربا) – ما يقرب من ضعف إنتاجها من النفط. من الواضح، انه سوف يتطلب برنامج استثمار كبير لعدة سنوات، بتمويل من شركات النفط الأوروبية والأمريكية (والتي تدعمها ضمانات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) لتحقيق هذا الهدف.

وإذا كان بإمكان الرباعية الأفريقية زيادة إنتاجها من النفط بنسبة تصل إلى 15 % سنويا، لتكون قادرة على مضاعفة الانتاج في غضون خمس سنوات، فان مثل هذا الهدف يعد امرا غير معقول، نظرا لحقيقة أن دول الرباعية الأفريقية لا تغطي الا ثلاثة ارباع الحاجة الاوربية، فان الانتاج النفطي الروسي من النفط يبلغ 10.5 مليون برميل يوميا. على ان مضاعفة إنتاج النفط الإفريقي، لابد ان يرافقه دعم من كندا والولايات المتحدة بالتدخل لتغطية أي نقص. ما يعني سحب من الاحتياطي الاستراتيجي، فضلا عن تكثيف الإنتاج القائم على اعتبارات الأمن القومي بدلا من اقتصاد الطاقة.

وفيما يتعلق بالغاز الطبيعي، فان الوضع يبدو أكثر تحديا نظرا لانخفاض قاعدة احتياطيات الدول الرباعية. ففي عام 2012، أنتجت هذه الدول 4.7 تريليون قدم/ مكعب من الغاز، تم تصدير 3 تريليون قدم/ مكعب منه إلى اوروبا. ومن أجل استبدال واردات الغاز الأوروبية من 4.6 تريليون قدم /مكعب تأتي من روسيا، فانه يتحتم على دول الرباعية الأفريقية إنتاج الغاز على نحو مزدوج. ويمكن تحقيق هذا الهدف في غضون خمس سنوات من خلال زيادة الإنتاج بنسبة 15 % سنويا.

بالتعاون مع برنامج النفط، فإن برنامج استثماري لعدة سنوات يجب أن تكون مخصصا للتنقيب عن الغاز والتطوير والإنتاج والنقل. على وجه الخصوص، فان مرافق الغاز الطبيعي المسال(LNG)  يجب أن يتم بنائها في البلدان الأفريقية، ليتم تخزينها، وإعادة تغويز المرافق المقابلة التي يجب أن تقام في أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يتعين على أوروبا إعادة تكوين وبناء خطوط أنابيب نقل الغاز جديدة لاستيعاب التحول من الغاز الروسي إلى الأفريقي.

أمن تدفقات النفط والغاز الأفريقية

التحدي الأكبر للتحول من الامدادات الطاقة الروسية إلى الأفريقية لا يتعلق بالوقت ولا المال، ولكن بالأمن. فعلى ليبيا والجزائر ونيجيريا مواجهة كافة التحديات الأمنية الداخلية، وتعد أنغولا الدولة الوحيدة التي تتمتع باستقرار على مدى العقد الماضي. فبعد الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011 (بمساعدة من الناتو)، فان ليبيا تعيش اليوم في خضم حرب أهلية تنافس فيها ميليشيات للسيطرة على البلاد. كما تم تشهد الجزائر جهدا طويل الأمد للقضاء على الارهاب، يكمله الوضع الصحي المتردي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فضلا عن عدم الاستقرار السياسي، وهو ما يلاحظ حيث يناور منافسيه لخلافته.

وفي نيجيريا التي أجلت انتخاباتها الوطنية لمدة ستة أسابيع من 14 فبراير – 28 مارس، يحارب جيشها المتمردين “بوكو حرام” في الشمال. كما تتفاقم المشاكل الأمنية فيها لجهة سرقة النفط على نطاق واسع من قبل جماعات مسيحية مسلحة تنشط في جنوب البلاد – منطقة دلتا النيجر، حيث توجد الحقول النفطية. ان ضمان أمن حقول النفط والغاز هو في نهاية المطاف من مسؤولية الحكومات الأفريقية المعنية. وفي أحسن الأحوال، يمكن لحلف شمال الأطلسي المساعدة على تجهيز وتدريب القوات الخاصة لحماية البنية التحتية للطاقة.

ومع ذلك، فإن المسؤولية تقع على دول الحلف لضمان حرية الملاحة في المياه الدولية في خليج غينيا، بما يسمح تدفق النفط والغاز الطبيعي المسال من نيجيريا وأنغولا إلى أوروبا، مع تزايد مخاطر القرصنة في المنطقة، حيث تعد الناقلات التي تحمل النفط النيجيري اهدافا مربحة بشكل خاص. ان زيادة الاعتماد الاوربي على واردات الطاقة الأفريقية، يجعل من القرصنة قضية رئيسة بالنسبة لحلف الناتو، في إطار سعيه لحماية أمن الطاقة في القارة. ووفقا لذلك، سيكون على حلف شمال الاطلسي تنظيم قوة بحرية خاصة للتأكد من أن هناك تواجد بحري رادع على المدى الطويل للحد من عمليات القرصنة في خليج غينيا.

 الدافع الإنساني للتدخل العسكري

لقد كان التدخل العسكري الإنساني محورا رئيسا لحلف شمال الاطلسي منذ نهاية الحرب الباردة. كما حدث في البوسنة في عام 1995 وكوسوفو في عام 1999، كما تم التذرع بالاعتبارات الإنسانية لدعم التدخل العسكري في عام 2011، والذي ادى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بمعمر القذافي. ويمكن القول، انه على مستوى الحالات الثلاث كانت هناك على الأقل ثلاثة اعتبارات هامة أخرى تدفع الى تدخل الناتو.

أولا، فان كل من البلقان وشمال أفريقيا، وبحكم التشابه الجغرافي، تقعان ضمن نطاق حلف الناتو من النفوذ. ثانيا، كان هناك خوف من أن العنف المستشري وعدم الاستقرار السياسي يمكن أن يؤدي الى تدفق اللاجئين وهذا، بدوره، سيفرض عبئا كبيرا على البلدان المجاورة لحلف شمال الاطلسي. ثالثا، ونظرا لقوة الحلف، فان التدخل العسكري ينطوي على الحد الأدنى من الخسائر كما في حالة ليبيا، ورابعا – فانها مصدر رئيس لامدادات النفط والغاز لأوروبا.

ومن هنا فان الاهمية المتزايدة لدول الرباعية الأفريقية على مستوى أمن الطاقة الاوربي، تعزز من اسباب التدخل (الإنساني) والعسكري. ما يتطلب مقاومتها والنأي عن الانغماس في الصراعات الداخلية لهذه الدول. وبدلا من ذلك، يجب على الحلف ان يصبح “عاملا من عوامل التغيير”، لجهة صياغة برنامج اقتصادي واجتماعي وقائي للنمو والتنمية لشركائه الأفارقة. ما يتطلب جهدا كبيرا ولسنوات عدة من جانب الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، لتنسيق والتعاون والشراكة مع المؤسسات المتعددة الأطراف مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وصندوق النقد الدولي، لضمان أن الجزائر وليبيا ونيجيريا وأنغولا تتطور إلى ديمقراطيات مزدهرة، نابضة بالحياة ومستقرة. حيث ستكون الشراكة بين حلف شمال الأطلسي واللجنة الرباعية الأفريقية، فصلا جديدا، للارتفاع إلى مستوى التحدي واغتنام هذه الفرصة غير المتوقعة من اجل المنفعة المتبادلة.

سمير تاتا باحث بمعهد الشرق الأوسط، مجلس الأطلسي وجامعة الدفاع الوطني.

http://www.isn.ethz.ch/Digital-Library/Articles/Detail/?lng=en&id=189155

 ترجمة مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية