صواريخ كوريا الشمالية.. طوكيو بلا خيارات للمواجهة

صواريخ كوريا الشمالية.. طوكيو بلا خيارات للمواجهة

أجرت الحكومة اليابانية في السابع عشر من مارس/آذار الماضي أول تدريبات للمدنيين على الاحتماء من صواريخ كوريا الشمالية. واختيرت بلدة أوغا بمحافظة أكيتا لإجراء التدريبات لأنها شهدت قبل عشرة أيام من ذلك التاريخ سقوط صاروخين كوريين شماليين متوسطي المدى في مياه بحر اليابان على بعد عشرين كيلومترا عنها.

ولم يكن عدد البلدات اليابانية التي أبدت رغبتها بالمشاركة في برنامج التدريبات حينها يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لكن بعد صاروخ كوريا الشمالية الأخير الذي عبر فوق جزيرة هوكايدو صباح 29 من أغسطس/آب 2017باتت أكثر من مئتي بلدة وقرية يابانية على قائمة انتظار التدريبات للمدنيين على الاحتماء من الصواريخ.

ذعر من رؤوس نووية
إن حالة الذعر التي يشعر بها اليابانيون الآن من صواريخ كوريا الشمالية تذكِّر بما كان عليه الحال في نهاية أغسطس/آب عام 1998 حين عبر أول صاروخ كوري شمالي الأجواء اليابانية، لكن الاختلاف الكبير بين الحادثتين اللتين يفصل بينهما 19 عاما هو أن لدى كوريا الشمالية الآن برنامجا نوويا. وهي تعمل على تطوير قنابل نووية يمكن تحميلها على تلك الصواريخ.

الجزيرة نت استطلعت آراء مواطنين يابانيين بشأن عبور صاروخ كوري شمالي أجواء بلادهم. وبات الخوف من تمكنبيونغ يانغ من امتلاك تقنية صواريخ نووية الذي كان كابوسا يؤرق توموكو ماتشيدا واقعا، إذ تقول “كوريا الشمالية تهدد بضرب مدننا بشكل علني ولدي طفلان، ولا أستطيع تحمل فكرة أنهما قد يكبران وسط الخوف من سقوط قنبلة نووية فوق مدينتنا”.

أما الشاب هيروشي فقال “كوريا الشمالية جار مزعج وأريدها أن تتوقف عن إطلاق صواريخها، ولكنني لا أعتقد أننا نستطيع عمل شيء لمنعها عن ذلك، وربما كل ما يمكن لحكومتنا أن تقوم به طلب مساعدة المجتمع الدولي“.

ويتفق الصحفي ومدير وكالة شينغتسو اليابانية للأخبار مايكل بين مع هذا الرأي، ويقول للجزيرة نت “ليست لدى اليابان خيارات عملية للتعامل مع صواريخ كوريا الشمالية، وهو ما يجعل الحكومة اليابانية تشعر بالإحباط”.

ويضيف “العقوبات التي تتحدث عنها طوكيو وتطالب المجتمع الدولي بفرضها على كوريا الشمالية لن تغير أي شيء في سياسات بيونغ يانغ، وهو ما ثبت من التجارب السابقة فكلما تم فرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية أطلقت المزيد من الصواريخ”.

حكومة محبطة
وبخصوص هدف كوريا الشمالية من إطلاقها للصواريخ وتصعيدها الأخير يتابع مايكل بين “لن تتوقف كوريا الشمالية عن إطلاق الصواريخ، بل أتوقع أن تطلق المزيد منها فوق أجواء اليابان حتى تحقق ما تريده وهما أمران، الأول الضغط على واشنطن لتوقيع معاهدة سلام معها”.

ويضيف “بيونغ يانغ تشعر بالخوف من الولايات المتحدة وتريد أن تحافظ على نظامها السياسي، وترى أن الاعتراف بكوريا الشمالية كقوة نووية هو السبيل لذلك. أما الهدف الآخر فهو إثارة إعجاب الشعب الكوري الشمالي بزعيمه الشاب كيم جونغ أون وبأنه يستطيع أن يتحدى العالم”.

تدرك الحكومة اليابانية أن صواريخ كوريا الشمالية لن تتوقف قريبا، وقد اتخذت عددا من الخطوات لتخفيض خطر تلك الصواريخ، فهي تنشر الآن منظومة دفاع صاروخي جديدة من طراز “إيجيس أشور” وهي النسخة البرية من نظام مدمرات إيجيس البحرية، التي تحمل صواريخ متطورة يمكنها أن تعترض مقذوفات بالستية خارج الغلاف الجوي.

لحظة الحقيقة
ويوضح الدبلوماسي السابق ومدير معهد السياسات الخارجية في طوكيو كونيهيكو مياكيه للجزيرة نت “أن قوات الدفاع الذاتي اليابانية ورغم امتلاكها للأسلحة والتقنيات اللازمة لإسقاط صواريخ كوريا الشمالية لن تقوم بذلك إلا في حال تأكدها من أن أحد تلك الصواريخ موجه نحو هدف محدد داخل الأراضي اليابانية”.

ويسمي مياكيه اللحظة التي يمكن أن تسقط فيها اليابان صاروخا كوريا شماليا بأنها “لحظة الحقيقة” لأنها- حسب رأيه- يمكن أن تشعل فتيل حرب شاملة في شرق آسيا. لكن اليابان شعبا وقيادة لا ترغب بأي حال من الأحوال بأن تكون سببا في بدء الحرب.

وأمام انعدام الخيارات اليابانية المتاحة أمام رئيس الوزراء شينزو آبي لوقف صواريخ كوريا الشمالية فإنه يجد نفسه مضطرا لوضع “كل بيضه في سلة ترمب” الذي يواصل تغريده بلهجة حازمة ضد بيونغ يانغ على موقع تويتر. ورغم أن جميع المؤشرات تدل على أن الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد والتوتر فإن طوكيو لا ترغب بأن تصل أبدا إلى “لحظة الحقيقة”.

فادي سلامة

الجزيرة