كوريا الشمالية وقيادة الولايات المتحدة

كوريا الشمالية وقيادة الولايات المتحدة

في وقت سابق من هذا الشهر؛ مرّت بضعة أسابيع دون إطلاقكوريا الشمالية لأي صواريخ أو اختبار للأسلحة النووية. وكانت تلك الفترة القصيرة -والتي انتهت منذ ذلك الحين- كافية لإلهام وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن يعلن أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أظهر “ضبطا للنفس”. وإلى حد ما، قد يكون الوزير على حق.

مما لا شك فيه أن الادعاءات القائلة بأن الشمال قد أبدى ضبط نفس كانت سابقة لأوانها بشكل واضح؛ فقد أطلقت كوريا الشمالية -منذ ذلك الحين- ثلاثة صواريخ باليستية قصيرة المدى من ساحلها الشرقي إلى البحر، وأطلقت -بشكل أشد- صاروخا باليستياً فوق شمال اليابان. إن تفاؤل تيلرسون بهذا التوقف القصير يعكس دور الدبلوماسيين في طمأنة الحلفاء (في حالة تيلرسون، طمأنة رئيسه الرئيس دونالد ترمب)، وتخفيف التوترات مع الأعداء.

“من المرجح أن تيلرسون كان على حق بقوله إن كوريا الشمالية مستعدة للتحدث إلى الولايات المتحدة، ولكن فقط كدولة مالكة للأسلحة النووية، غير أن زعماء البلاد غير مستعدين بشكل واضح لتلبية متطلبات أميركا نفسها بأن تقوم المفاوضات على الالتزامات الدولية التي تم التعهد بها 2005، في نهاية الجولة الرابعة من المحادثات السداسية”

ومع ذلك، من المرجح أن تيلرسون كان على حق بقوله إن كوريا الشمالية مستعدة للتحدث إلى الولايات المتحدة، ولكن فقط كدولة مالكة للأسلحة النووية، غير أن زعماء البلاد غير مستعدين بشكل واضح لتلبية متطلبات أميركا نفسها بأن تقوم المفاوضات على الالتزامات الدولية التي تم التعهد بها 2005، في نهاية الجولة الرابعة من المحادثات السداسية.

ومن بين هذه الالتزامات -التي تضمنها بيان مشترك صدر في نهاية المحادثات- تخلي كوريا الشمالية عن “جميع الأسلحة النووية والبرامج النووية القائمة”. وفي المقابل، فإن المشاركين الخمسة الآخرين في المحادثات (الصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبيةوالولايات المتحدة) من المفترض أن يزودوا كوريا الشمالية بالمساعدة الاقتصادية، مع احترام سيادتها، والسعي إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية. واتفق المشاركون الخمسة على التزاماتهم، لكن كوريا الشمالية رفضت الاتفاق عام 2009.

ووفقا لما ذكره النقاد؛ فإن فرض أي “شرط مسبق” على الشمال لاحترام التزاماته الأصلية سيمثّل ضربة قاضية لإجراء محادثات جديدة. والواقع أن نظام كيم لم يُبد أي اهتمام باستئناف العملية السداسية، والغرض المعلن هو جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وفي دستورها لعام 2013، أشارت كوريا الشمالية للمرة الأولى إلى نفسها بوصفها “دولة نووية”.

وأشار تيلرسون بحق إلى سياسة ذات مسارين تجاه كوريا الشمالية: المسار الأول هو الحوار، والثاني هو الضغط بالعقوبات وغيرها من التدابير الرامية إلى عزل كوريا الشمالية، وإقناع قيادتها بأنه لا مستقبل لها مع امتلاك أسلحة نووية.

وعقب اختبارات كوريا الشمالية لصاروخها الباليستي العابر للقارات الشهر الماضي؛ ركز تيلرسون وسفيرة الولايات المتحدة لدىالأمم المتحدة نيكي هالي على المسار الثاني، والعمل مع أعضاء مجلس الأمن الآخرين لفرض عقوبات صارمة ضد كوريا الشمالية. ويمكن لهذه العقوبات إضعاف الكثير من تجارة الأخيرة مع الصين التي تُعد شِريان الحياة الاقتصادي لنظام كيم.

لكن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد بشكل مفرط على دول أخرى لتقييد نظام كوريا الشمالية، الذي يسعى من وراء الأسلحة النووية إلى امتلاك القوة الرمزية. وكما تُظهر تجاربها، فإن الهدف هو تهديد الولايات المتحدة صراحة، لإجبارها على الحد من وجودها في شمال شرق آسيا، وربما حتى إعادة النظر في تحالفاتها مع اليابان وكوريا الجنوبية.

هذا الهدف الطموح ليس من دون دعم ضمني في العالم: اقترحت روسيا والصين تعليق الولايات المتحدة مناوراتها العسكرية السنوية مع الجنوب مقابل تجميد البرنامج النووي لكوريا الشمالية. ومن شأن اقتراح “تجميد قصد التجميد” أن يؤدي إلى إضعاف التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أكثر مما سيعوق تطوير كوريا الشمالية لسلاح نووي.

“جمعت إدارة ترمب كل عناصر الإستراتيجية الفعالة بشأن كوريا الشمالية: التعاون مع الصين، والضغط على كوريا الشمالية بالعقوبات والعزلة، وطمأنة الحلفاء، والرغبة في المفاوضات. وليصبح لأي من هذه الأدوات تأثير؛ يجب أن تُستخدم بشكل متضافر ودقيق ومتناغم، وهو نوع من الكفاءة السياسية لم تتقنه إدارة ترمب إلى حد قريب”

ويُبرز هذا الاقتراحُ مدى صعوبة الاستجابة الدولية للقضية النووية لكوريا الشمالية. ورغم أن الصين وافقت على العقوبات الأخيرة في مجلس الأمن، فإن هناك شكوكاً واسعة النطاق حول ما إن كان هناك توافق داخلي في الآراء حول المستقبل الذي تريده لشبه الجزيرة الكورية. ويبدو أن روسيا -من جانبها- تتبع سياسة خارجية يحفزها السلوك الشيطاني أكثر من المصلحة الوطنية.

ويتعرض حلفاء أميركا في المنطقة لضغوط شديدة. إن الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة عالقة بين الحاجة إلى إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة والرغبة في فتح حوار مع الشمال. وكما يظهر آخر إطلاق للصواريخ في الشمال، فإن استضافة اليابان للأصول العسكرية الأميركية تضعها في الخطوط الأمامية للأزمة.

ويتطلب هذا الوضع المعقد دبلوماسية دقيقة وحذرة في أفضل الأوقات، مع استخدام الولايات المتحدة لمختلف وسائل قوتها. ولكن الوقت غير مناسب، حيث إن ترمب متقلب الطبع نظرا لإصداره تصريحات عشوائية حول هذا الموضوع.

وقد دعا هذا إلى تأكيدات من تيلرسون -وكذلك من وزير الدفاع جيمس ماتيس وآخرين حريصين على التخفيف من آثار التصريحات الحربية- التي صدرت بشكل غير لائق من فضاء نادي ملعب الغولف بشأن “النار والغضب”.

غير أن تصريحات ترمب بشأن دور الصين في معالجة المشكلة لا تساعد في ذلك، لأنها تنطوي على الاستعانة بمصادر خارجية فعالة في عملية التحكم في نظام كيم، مقابل ضمانات اقتصادية وتجارية غامضة. والنتيجة هي تصور عدم جدية أميركيا حول أخطر التحديات.

وقد جمعت إدارة ترمب كل عناصر الإستراتيجية الفعالة بشأن كوريا الشمالية: التعاون مع الصين، والضغط على كوريا الشمالية بالعقوبات والعزلة، وطمأنة الحلفاء بما في ذلك توفير أحدث الدفاعات المضادة للقذائف البالستية، والرغبة في المفاوضات. وليصبح لأي من هذه الأدوات تأثير؛ يجب أن تُستخدم بشكل متضافر ودقيق ومتناغم، وهو نوع من الكفاءة السياسية لم تتقنه إدارة ترمب إلى حد قريب.

وبهذا المعنى؛ فإن التحدي في كوريا الشمالية ليس مجرد أزمة نووية، بل هو أزمة تتعلق بنوعية القيادة الأميركية. وهناك كثيرون واعون بالمشكلة، ولكن لا أحد يعرف حتى الآن كيفية التغلب عليها.

كريستوفر ر. هِل

الجزيرة