هدر ثمانية مليارات دولار سنويا بسبب الفساد في المنافذ الحدودية العراقية..

هدر ثمانية مليارات دولار سنويا بسبب الفساد في المنافذ الحدودية العراقية..

     

تشهد المنافذ العراقية مخالفات قانونية كثيرة؛ مما خفض مساهمتها في الميزانية الحكومية، مقابل عائدات النفط التي تهيمن على العائدات بنسبة 97 % من حجم إيرادات الموازنة.
ويرى الخبراء الاقتصاديون، أن اقتصاد العراق الريعي جعل الاعتماد على البضائع المستوردة رئيسيا، واغلبها مهرب، أو ممنوع، هذا عدا عن السلع المعفية جمركيا، مما يؤدي إلى انخفاض العائدات المالية بسبب عدم الالتزام بضوابط التعرفة الجمركية من قبل المسؤولين في المنافذ٬ وهو ما ينبغي تداركه خاصة أن العراق يمر بأزمة مالية حادة.
تبلغ المنافذ الحدودية العراقية اربعة عشر مركزا جمركيا تتوزع بين المنافذ الحدودية والمناطق الحرة ،التي يسمح بإدخال المواد لها دون تحصيل الرسوم الجمركية لحين إخراجها، ومعظم هذه المراكز برية أو مناطق حرة.
كشف مصدر مسؤول في وزارة المالية العراقية ببغداد عن وجود عمليات فساد مالي كبيرة في المنافذ الحدودية البرية للبلاد مع عدد من دول الجوار، في تحد آخر يواجه رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي قال إنه يعطي مكافحة الفساد أولوية كبرى، ويرتبط العراق بحدود مشتركة مع ست دول: هي ايران والسعودية والكويت والأردن وسورية وتركيا ، عبر ثلاثة عشر منفذاً حدودياً تعمل منها حاليا تسعة بينما البقية معطلة بفعل الاوضاع الامنية غير المستقرة حاليا.

وتعاني المنافذ الحدودية، تفشي ظاهرة الفساد والرشاوى ، ونقص في المختبرات الميدانية ، والمخازن الحديثة المبردة ومحطات الاستراحة المناسبة ، والأجهزة والمعدات الضرورية لسير العمل، وكذلك لا تتوافر في معظم هذه المنافذ محطات للحجر النباتي، وهذا كله مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالفساد المالي والإداري في العراق، الذي يشهد دعوات لإيقاف الهدر والفساد في موارد الدولة في المنافذ الحدودية، وتشديد الاجراءات الجمركية التي تعيقها سيطرة مافيات المنافذ على كل شاردة وواردة فيها.
فمثلا في محافظة البصرة التي يوجد فيها ميناء يعد المنفذ البحري للعراق على العالم إضافة إلى حدودها مع إيران والكويت، دعا نواب البصرة، إلى التحقيق بـ «هدر المال العام وشبهات الفساد» في جباية واردات المنافذ الحدودية في المحافظة
ودعت لجنة النزاهة البرلمانية رئيس الوزراء حيدر العبادي للتدخل لإيقاف الفساد المالي والاداري في المنافذ الحدودية، مؤكدة انه لا يمكن القضاء على الفساد دون تدخل مباشر منه.
وقال عضو اللجنة حيدر الفوادي انه “رغم اللجان البرلمانية والحكومية المشكلة للسيطرة على عمل المنافذ الحدودية والقضاء على الفساد المالي والاداري، فانه لم يحدث شيء لعدم سيطرة تلك اللجان على عمل المنافذ”.
وأضاف ان “الوضع الحالي يتطلب من رئيس الوزراء حيدر العبادي التدخل بشكل شخصي ، مشيرا الى ان “هناك جهات تابعة لاحزاب وكتل سياسية وعشائر تفرض هيبتها على المنافذ الحدودية دون تدخل الحكومات المحلية لإيقاف سرقة المال العام من دخل تلك المنافذ”.
وقام عدد من نواب محافظة البصرة ، بجولة في بعض الموانئ، كشفوا خلالها أن واردات الجباية شهرياً في منفذ واحد بلغت 600 مليون دينار بدلاً من أربعة مليارات، مشيرين الى ان “الوصولات الرسمية الخاصة بتحديد نسبة الجباية في المنافذ الحدودية، تباع خارج تلك المنافذ”.
وأكد رئيس لجنة الأمن النيابية حاكم الزاملي، أن السيطرات الأمنية المقامة بين المحافظات أصبحت مراكز فساد وابتزاز، مبينا أنها مقسمة بين الأحزاب الحاكمة.
واشار الزاملي في تصريح له بعد جولة في عدد من نقاط السيطرات حول العاصمة العراقية، «أن الفساد والرشاوى تنتشر في نقاط السيطرات الأمنية الحدودية مع الدول المجاورة إضافة الى الموجودة بين المحافظات»، مشيراً الى ان نقطة سيطرة «الصفرة» مثلاً، عائد الرشاوى فيها يبلغ 10 ملايين دولار يومياً».
واضاف ان سيطرة “الصفرة” الكمركية الواقعة على الطريق بين بغداد – كركوك يسيطر عليها قادة امنيون وجهات متنفذة، مشيرا الى أن المبالغ المتوقعة من النقطة تصل الى نحو 400 مليار دينارعراقي، ولا احد يعلم اين تذهب.
وتقول المصادر ان نقطة الكمرك تؤجر في الساعة الواحدة بمبلغ 30 الف دولار ، لافتة الى أن نقطة الصفرة التي تسمى سيطرة “البورصة “أصبحت تحت سيطرة بعض القيادات الامنية والجهات المتنفذة في محافظة ديالى.
وتشير المصادر الى أن “الواردات اليومية لهذه النقطة تبلغ 200 مليون دينار عراقي ولم تر الحكومة المركزية او حكومة ديالى اي مبلغ مالي منها، رغم انه كانت تمر فيها سابقا 4500-6000 شاحنة يوميا قبل احداث الموصل وسيطرة تنظيم (داعش)، ولكن بعد إغلاق الطريق أصبح عدد الشاحنات التي تمر يوميا اكثر من 9500 شاحنة كبيرة.
وتقول المصادر ان الكشف التخميني من وزارة التخطيط لهذه النقطة للربع الاول من عام 2016 بلغ 385 مليار دينار عراقي، تكون فيها حصة محافظة ديالى 13 مليار، وهذا المبلغ يكفي لبناء اكثر من 13 مدرسة بسعة 18 صفا مع ملحقاتها”.
وتبين المصادر أن عمليات الفساد وسيطرة عدد من موظفي الكمرك عليها وبعض القادة الامنيين حال دون استفادة الحكومة ومحافظة ديالى من هذه المبالغ الكبيرة، لافتة الى أن عمليات الفساد سهلت عمليات عبور العناصر الارهابية خاصه ان السيارة تعبر دون تفتيش بمبلغ 1000 دولار امريكي؛ مما يسهل عبور المواد المتفجرة من سيفور وTNT”، وهذا تلاعب واضح بأرواح العراقيين.

ويؤكد شهود عبور شحنة تحمل 6000 جهاز موبايل حديث من النقطة و كان من المقرر ان يصل مبلغ الكمرك المستحصل عنها الى 500 مليون دينار عراقي لكن تم عبورها بمبلغ 1000 دولار من دون تفتيش، مشيرين الى أن النقطة تم تأجيرها بـ200 ألف دولار شهريا لبعض موظفي الجمرك، فيما تؤجر بـ 30 الف دولار للساعه الواحدة.

وذكرت المصادر أن محافظ ديالى مثنى التميمي عرض ملف الفساد في هذه النقطة على رئاسة الوزراء التي لم تتخذ اي اجراء لحد الآن .

وبين رئيس لجنة الأمن النيابية حاكم الزاملي أن انشغال مسؤولي السيطرات بالفساد والرشاوى، سهل عبور الشاحنات والعجلات المحملة بالمتفجرات التي يفجرها الإرهاب في المدن، كما سمح بدخول المواد المنتهية الصلاحية وبيعها في الأسواق.
وأكد مسؤول في مديرية الجمارك، أن بعض الموظفين في السيطرات يدفعون مبالغ كبيرة لمسؤوليهم لوضعهم في نقاط حدودية محددة مع بعض دول الجوار، والتي تدر عليهم ملايين الدولارات يومياً من الرشاوى مقابل تسهيل عبور شاحنات فيها مواد وبضائع مخالفة او للتساهل في احتساب مقدار الضرائب والرسوم عليها.
كما اكد أن انتشار الرشوة والفساد في النقاط الحدودية وصل إلى درجات لم يعد بالإمكان القضاء عليها بسهولة لأن الفاسدين أصبحوا مافيات متنفذة ومدعومة من أحزاب وميليشيات، تسببت بخسائر كبيرة للحكومة من خلال حرمانها من الموارد المالية الكبيرة التي يمكن الحصول عليها في ظروف تعاني فيها الدولة ضائقة مالية.
وكشف عضو اللجنة المالية النيابية هيثم الجبوري، عن خسارة نحو ثمانية مليارات دولار سنويا من الموازنة العامة بسبب حالات “الابتزاز” وإدخال البضائع بشكل غير رسمي عبر المنافذ الحدودية، موضحا ان الايرادات غير النفطية تهدر بشكل مخيف ، اذ بلغت حجم مبيعات البنك المركزي 14 مليار دولار؛ منذ بداية العام 2017 ولغاية 31/6/2017 ، وتغطي استيرادات التجار من البضائع والسلع من خارج العراق ، والضريبة محسوبة ومعروفة 3%؛ اما الجمرك فيبدأ من 5% الى 300% على البضائع والسلع ،لو افترضنا 25% الجمرك + 3%= 28% الضريبة الكلية التي تستحصل من الموانئ.
لو حسبنا 28% من 14 مليار دولار سيكون 3.8 مليار دولار ، يجب تحقيقه خلال الستة اشهر الاولى من السنة ، مما يعني حصوله خلال عام على سبعة مليارات ونصف المليار، وهنا يجب على الحكومة العراقية ان تنتبه، الى ان الارقام التي تم الحصول عليها من قبل اللجنة المالية، في الفترة الاولى من السنة الحالية لم تتجاوز 43 مليون، وخلال 2016 & 2017 فقط 400 مليون دولار ، اين تذهب تلك المليارات؟ ولصالح من؟ والعراق يعاني عجزا بالميزانية وازمة اقتصادية خانقة ؟

واكد الجبوري ؛ وجود “متنفذين يعرقلون إجراءات التحقيق، وعمل هيئة الجمارك.
واوضح الجبوري ان “الفساد اصبح آفة تنخر جسد المنافذ الحدودية ومن بينها منفذ ام قصر الشمالي سواء بحالات الابتزاز للتجار او ادخال البضائع بشكل غير رسمي، مما تسبب بخسائر كبيرة لموازنة الدولة قدرت بأكثر من ثمانية مليارات دولار سنويا في تلك المنافذ”، وبين أن “هناك تقريرا مفصلا تمت كتابته وتوزيعه على هيئة رئاسة مجلس النواب ورؤساء الكتل السياسية حول حالات الفساد في المنافذ الحدودية مدعما بالأرقام والوثائق”.
وأضاف الجبوري، ان “رئاسة البرلمان قررت تشكيل لجنة نيابية للتحقيق، لكن هناك بعض الكتل السياسية ضغطت على هيئة الرئاسة لتسويف عمل اللجنة وتم الغاؤها رغم تحقيقها نتائج مهمة في كشف الفاسدين والمتلاعبين في تلك المنافذ”، مشيرا الى جمع “تواقيع 50 نائبا ضمن السياقات القانونية وتم تسليمها الى رئاسة البرلمان منذ اكثر من 45 يوما لإعادة تفعيل اللجنة، الا انه تكرر المشهد نفسه وعمد المتنفذون الى عرقلة تشكيلها من جديد لأنهم مستفيدون مما يجري بالمنافذ”.

وأوضح الجبوري ، أن “منفذ ام قصر الشمالي ممتلئ بالمبتزين والفاسدين كحال باقي المنافذ، وأن “هناك ضغوطا ومحاولات تسقيط تمارس ضدنا لرفع يدنا عن ملف الفساد في المنافذ لكننا مصرون على تشكيل لجنة نيابية لمتابعة الامر وجمع الوثائق التي نستطيع من خلالها استكمال التحقيق واحالته الى القضاء والنزاهة”.

واكد أن “لدينا الاسماء الكاملة للفاسدين في منفذ ام قصر الشمالي وباقي المنافذ كما لدينا اقراص مدمجة ووثائق تثبت فساد اولئك المبتزين والمزورين والمتلاعبين بالمال العام”، مهددا بـ”كشف تلك الاسماء امام الرأي العام واتخاذ الاجراءات الضرورية للحد من تلك الحالات والسرقات”.

وكان مدير عام الهيئة العامة للجمارك كاظم علي عبد الله اعلن، في 21 آذار 2017، عن فتح تحقيق في قسم التحري بمحافظة البصرة لمتابعة شكاوى تجار قالوا إنهم تعرضوا إلى “محاولات ابتزاز ومساومة”، داعيا إياهم إلى الإبلاغ عن أية مشكلات تواجههم.

هذه حال العراق منذ 2003؛ والفساد متغلغل ومتوطن في مؤسسات الدولة، مع ضعف الرقابة الحكومية وعدم قدرة الموظفين الأمناء على منع صفقات الفساد أو الرشى الصغيرة والكبيرة، لأن ذلك يكلفهم الكثير من العداوة والإقصاء وربما الاستهداف الشخصي، وتعد المنافذ الحدودية العراقية إحدى أبواب الفساد الكبيرة بحسب التقارير الحكومية والمستقلة، وأدت خلال السنوات الماضية إلى ظهور طبقة من “الأثرياء الجدد” من الضباط والجنود والموظفين، الذين استغلوا مناصبهم ووجودهم في هذه الأماكن الحساسة للحصول على أموال طائلة ورشى كبيرة، مقابل إدخال بضائع فاسدة أو ممنوعة قانوناً، أو التساهل مع بعض الشركات التي تدفع لهم الأموال مقابل تسهيلات يحصلون عليها.
ولا يبدو أن مشكلة الفساد في هذه المنشآت الاقتصادية الحيوية سيتم حلها حسب المراقبين والمحللين السياسيين والاقتصاديين ، فيما يستمر هدر الأموال العراقية بالتزامن مع تصاعد نسب الفقر والبطالة في أحد أغنى بلدان العالم، وان القضاء على الفساد بالمنافذ الحدودية بحاجة إلى قرار جريء من الحكومة وتسخير لجميع الهيئات المعنية بالرقابة كالنزاهة والرقابة المالية لمواجهة مافيات الفساد التي هيمنت بشكل كبير على تلك المنافذ”، وعلى المدير العام للمنافذ الحدودية أن “يكون أكثر جرأة وقوة في اتخاذ الاجراءات الكفيلة لإصلاح الخلل والفساد الموجود بالمنافذ الحدودية والمتراكم منذ عدة سنين”.

 

شذى خليل  باحثة في:

الوحدة الاقتصادية

مركز الروابط  للبحوث والدراسات الاستراتيجية