هل تصمد كردستان اقتصاديا بعد الانفصال ؟

هل تصمد كردستان اقتصاديا بعد الانفصال ؟

      كردستان العراق : إقليم يقع شمال العراق ويتمتع بحكم ذاتي، تحده إيران من الشرق وتركيا من الشمال، وسوريا من الغرب وبقية مناطق العراق من الجنوب، عاصمته الإقليمية محافظة أربيل.
ويعود إنشاء الاقليم إلى معاهدة الحكم الذاتي التي وقعها في مارس 1970 بين الاكراد والحكومة العراقية بعد سنوات من القتال.
يبلغ تعداد سكان إقليم كردستان نحو ثمانية ملايين نسمة، بينهم ثلاثة ملايين نازح ولاجئ ووافد، ويعمل نحو مليون وأربعمئة ألف شخص لدى الحكومة موظفين أو عسكريين.
ويتمتع الاقليم بحكم ديمقراطي برلماني مع حكم برلمان إقليمي يتكون من 111 مقعدًا، والرئيس الحالي هو مسعود البرزاني، الذي انتخب عام 2005 وأعيد انتخابه عام 2009.
ويضم ثلاث محافظات هي دهوك وأربيل والسليمانية والتي تبلغ مساحتها 40,000 كيلومتر مربع ، عدا المناطق المتنازع عليها ، ويتمتع الاقليم بمـوارد اقتصاديـة كثيرة ومتنوعة، و من الممكن استخدامها في النشاطات الاقتصادية لتلـبية مقتضيات التنمية ، غير ان التجارب، برهنت ان وفرة الموارد الطبيعية، وحدها لا تلبي مقتضيات التطور والتنمية في الدول إلا إذا تم الاستخدام الأمثل لها وفق خطط و برامج مسبقة.

ويعتمد الاقليم نظام اقتصاد السوق، الذي تكون قوى الطلب والعرض اساس له، والتي تتمثل بالأسعار والاستثمار في القطاعات الاقتصادية، الخدمية والانتاجية، دون تدخل مباشر من قبل الحكومة، ويعتمد على حرية الاستثمار والتجارة في جميع المجالات، الا ان هذه السياسة لم تتبلور في الاقليم بالشكل الذي هي عليه في الاقتصاديات الاخرى، حيث لم تواكب هذه السياسة الاقتصادية رؤية حكومية واضحة تحدد من خلالها الدور الذي ينبغي على القطاع الخاص تقديمه ، وزيادة دوره في العملية الاقتصادية والحد من التدخل الحكومي في الاقتصاد.
يتفق اغلب المحللين السياسيين والخبراء المختصين بمصادر الثروات الطبيعية , على أن منطقة كردستان تتمتع ، بثروات طبيعية متنوعة وكان هذا سببا في تقسيم كردستان بعد الحرب العالمية الاولى بين اربعة دول.
ويتضمن البرنامج المستقبلي للإقليم ، انشاء وزارة للموارد الطبيعية في كردستان العراق، والمتمثلة بـ حقول النفط والغاز على امتداد الحزام النفطي في كردستان وخطوط تصديرها, والمياه والمعادن والمؤسسات الصناعية الانشائية، واستثمار خامات المعادن الفلزية , والمناطق الاثرية ، مثل آثار خنس واهميتها , استثمار الصخور بأنواعها منها الزيتية النادرة الوجود بالعالم، وتوجد الانواع المختلفة من الصخور النارية والبركانية والمتحولة والرسوبية على امتداد المنطقة الزاحفة في كردستان، والتي تشكل اهمية اقتصادية كبيرة ، لو تمكنت حكومة كردستان من استثمارها بالاضافة الى ينابيع المياه العذبة والمعدنية، وجمال الطبيعة التي تساعد على قيام حركة سياحية نشطة.
ويعتمد الاقليم النظام الفيدرالي في الحكم والذي سيعتمد في علاقاته مع الحلفاء على مدى قدرة مؤسسات حكومة الاقليم والهيئات المختصة بإدارة الموارد الطبيعية في اثبات دورها الفعال في ادارة وتنظيم وتطوير المؤسسات المسؤولة عن الموارد الطبيعية باعتبارها واحدة من أهم الملفات الرئيسية لاستقلاله.

اما بالنسبة الى النفط : فترتبط حقول النفط في منطقة الحزام النفطي بشبكة انابيب نقل النفط من الحقول الى الموانئ البحرية- ميناء جيهان في تركيا – الواقعة على البحر الابيض المتوسط و الموانئ العراقية المطلة على الخليج , اضافة الى ربط اغلب مصافي النفط ( القيارة , بيجي، وغيرها) بالحقول النفطية في كردستان العراق الذي شهد طفرة اقتصادية قبل هبوط اسعار النفط عالميا، الذي عصف بكل شيء، بحيث بات الإقليم يخسر نحو عشرة دولارات مقابل كل برميل ينتجه.
وتدعو الطبيعية المتنوعة في المنطقة بظل الاوضاع الجديدة الى انشاء مؤسسات خاصة و مديريات مرتبطة مباشرة بوزارة الموارد الطبيعية في كردستان العراق كي يتم تطبيق العشرات من الدراسات العلمية المتنوعة( من خلال المؤسسات العلمية – الجامعات والمعاهد الموجودة في كردستان العراق ) التي يمكن بواسطة نتائج تلك الدراسات العلمية من تقييم الجدوى الاقتصادي الحقيقية لتلك المنطقة المهمة جدا من الناحية الاقتصادية والصناعية والسياحية وغيرها من المجالات الحيوية .
واوضح رئيس لجنة النفط والطاقة في مجلس محافظة كركوك أحمد العسكري ان عائدات الحكومة المركزية في بغداد أعلى بكثير من عائدات حكومة إقليم كردستان، مشيرا إلى أن نفط حقول كركوك مقسم إلى قسمين: شركة نفط الشمال التابعة للحكومة المركزية، وحكومة إقليم كردستان.
وبين العسكري أن الحكومة المركزية في بغداد عليها مستحقات لإقليم كردستان من بيع النفط، تبلغ نحو مليار و250 مليون دولار. وعزا رئيس اللجنة المالية في الاقليم ، عزت صابر انخفاض السيولة النقدية في خزينة الإقليم الى ان الإقليم منذ 2003 وحتى الآن يحصل على 17% فقط من ميزانية العراق.
واعترف بوجود مبالغة في أعداد الموظفين لدى حكومة إقليم كردستان، مشيرا إلى أن عدد الموظفين الحقيقيين لدى الحكومة هم سبعمئة ألف موظف من أصل نحو مليون وأربعمئة ألف، مبينا أنه ليس من المعقول أن تذهب 70% من عائدات الإقليم إلى المرتبات، فيما النشاط الزراعي شبه غائب في إقليم كردستان، ويعتمد الإقليم على استيراد 95% من احتياجاته من إيران وتركيا.
وارجع مدير عام ديوان إقليم كردستان ديلمان صابر أسباب الأزمة الاقتصادية في الإقليم إلى عدم كفاءة حكومته في إدارة ملف النفط، وتفشي الفساد، واحتكار كبار المسؤولين في الأحزاب عددا من القطاعات الاقتصادية، وعدم توافر الشفافية في المسائل الاقتصادية والمالية.
ويخشى المراقبون على الاقليم من تأثير التجاذبات السياسية والمصلحية بين القوتين الكبريين اللتين تحكمانه وتحظيان بغالبية الامتيازات، وهما الحزب الديموقراطي بزعامة مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني، مشيرين الى ان عدد البليونيرات بلغ عشرين شخصا من الجانبين.

وبما ان الاقليم عازم على الاستفتاء على الاستقلال عن العراق في الخامس والعشرين من الشهر الحالي بالرغم من معارضة المركز، سيكون طرحنا للموضوع في اطاره الاقتصادي، والتطرق الى تجارب كيانات سياسية أخرى مشابهة لتجربة الإقليم،
فالفرد في إقليم كوردستان كان يواجه تحديات كبرى نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، ففي القطاع الصحي، كانت خدمات المستشفيات متدنية ، وتكاد تكون معدومة في مختلف مناطق كوردستان عام 1992، ثم تطور هذا القطاع الحيوي الى ان وصل بنسب انجاز برامج التطوير والتنمية الصحية يقارن بإحصاءات دول مثل الكويت، وبعيدين بأرقام كبيرة عن العراق. فمثلاً: نسبة الأطباء الى عدد السكان لدينا هي بمعدل (11) طبيب لكل (10،000) مواطن، مقارنة بالكويت والتي هي (18) طبيب لكل (10،000) مواطن. ومن التأخر الكبير في المستشفيات عام 1992، وصل عدد المستشفيات لدينا الى (74) مستشفى حسب إحصاءات عام 2014.
اما في قطاع التعليم ، فقد حقق الإقليم ، بحلول عام 2013، أرقاما دولية في عدد المدارس الجديدة و عدد المسجلين من الطلبة والطالبات اذ تفوقت الارقام في بعض مجالات التربية والتعليم على ارقام الدول المجاورة. فبلغ عدد المدارس 5950 مدرسة، وعدد الطلبة الى أكثر من “1,555,000”.
وفي مجال السياحة، وصلت الشركات السياحية في إقليم كوردستان الى (269) شركة ، بلغ مجموع إيراداتها (18) مليار دينار عام 2013.
وشملت انجازات القطاعات الخدمية والصناعية والتجارية، والنقل والمواصلات والسياحة والسفر التي تعد من اهم القطاعات الساندة لخطط التطور الاقتصادي الرصين في أي بلد.
ما يعني انه مع تطور الوضع السياسي والاقتصادي تطورّت قطاعات الصناعة بشكل طردي، حيث نجد انه في قطاع المنشأة الصناعية الصغيرة وصل عدد تلك المنشأة الى 10387، عام 2013، أما في مجال المنشأة الصناعية الكبيرة فوصل عدد المنشأة الى 89 منشأة في السنة نفسها.
وسجل قطاع النقل والمواصلات، عدة نجاحات، اذ بلغت الرحلات الدولية في عام 2014 لمطارات الإقليم أربيل والسليمانية الدوليين الذي تم بناؤهما كأحد أهم الأركان الأساسية لاستراتيجية الاقليم ، في تحقيق الاستقلال الاقتصادي، 249.16 رحلة، وعدد الرحلات الداخلية 6969 رحلة، شكّلت نسبة المسافرين الأجانب 74.7%، بينما المحليون 25.3% .

وحقق الاقليم الاستقلال الاقتصادي وتوسيع العلاقات التجارية الدولية، فوصل عدد الشركات الدولية العاملة 40 شركة دولية، هذا في الوقت الذي تصل فيه الاحتياطات النفطية والمخزون الاستراتيجي من الغاز الطبيعي الى احتياطي 45 بليون برميل من النفط، ومن100 الى 200 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهذه الأرقام موجزة تبين مدى التطور والانجاز الذي تحقق في إقليم كوردستان منذ تسعينيات القرن الماضي والى يومنا هذا.
و اليوم يمر إقليم كوردستان بأزمة اقتصادية حادة جداً وهذا ما تعترف به حكومة الاقليم، اذ نشر البنك الدولي دراسات وتحليلات ونتائج اخيراً حول إقليم كوردستان، يتحدث عن الازمة الاقتصادية في الاقليم وسبل حلها، ليذكر أن إقليم كوردستان لديه كل المقومات الدولية، ويتمتع بعوامل عديدة تؤهله للنجاح في عبور هذه الازمة.

وذكر البنك الدولي ان من اهم خصائص الإقليم الدولي: وجود خزين كبير من احتياطي النفط والغاز، وأراض زراعية خصبة، و شعب اغلبيته من الشباب، والموقع الجغرافي الذي يتوسط خطوط النقل والتجارة الاستراتيجية، و حكومة عازمة على تصحيح الأخطاء وتنفيذ الحلول، ومجتمع دولي (دول مانحة) ملتزمة بتقديم المساعدة، بالإضافة الى وروحية القطاع الخاص والعمل لدى شعب الإقليم.
و يرى مراقبون ان الانفصال ليس في مصلحة الاقليم للأسباب التالية :
• يعتمد اقليم كردستان، مثل بقية الدول النفطية، باعتباره جزءا من العراق، على الريع النفطي، حيث يشكل النفط العنصر الرئيس في ايرادات الدولة العراقية اللازمة لتغطية الانفاق العام، (١٧% من هذه الايرادات تخصص للاقليم، وان الاعتماد على النفط له سلبيات تتمثل بأن النفط مورد ناضب وغير متجدد، وهنا يجب ايجاد مصادر بديلة للدخل للاعتماد عليها مستقبلا عند نفاد هذا المورد.
• اقتصاد الاقليم خدمي ضعيف والانتاج يعاني اختلالات هيكلية ، اذ لايتو فر جهاز انتاجي (زراعي وصناعي) متطور ومرن، يتمثل في قدرات شرائية تزيد من ضغوط الطلب ما يعني عجز الانتاج المحلي عن مواجهة الطلب الداخلي، من السلع المستوردة لسد الطلب، ووضع ضغوط قوية على ميزان المدفوعات، وبالتالي يزيد الاعتماد على الخارج.
• ارتفاع الانفاق الحكومي دون استجابة مناسبة من الجهاز الانتاجي المحلي، مما يؤدي الى نمو واضح للضغوط التضخمية التي تركت اثارا واضحة على حركة الانتاج المحلي، وان الحاجة الى اعادة الاعمار سوف تؤدي الى ارتفاع نسب الانفاق الحكومي الى الناتج المحلي الاجمالي، ولهذا نتائج سياسية واقتصادية لا تصب في مصلحة التحولات والاصلاح المنشود في النظام الاقتصادي للاقليم.
• صغر حجم سوق الاقليم المحلي، الامر الذي يحد من مدى تطور قطاعاته الاقتصادية، اضافة الى ان السياسة الاقتصادية المتبعة في الاقليم تعتمد ترك السوق المحلي مفتوحا امام سيل السلع والبضائع الاجنبية لتغرقه الى الحد الذي لا يستطيع الانتاج المحلي النهوض من جديد.
• ضعف البنية التحتية المادية التي تعد من اساسيات التكوين الرأسمالي الثابت بسبب سياسات الحكومة المركزية السابقة، وسوء الادارة ، بالرغم من تخصيص جزء غير قليل من الموازنة العامة لصيانة وتوسيع المرافق العامة وتوسيع طاقاتهما لتتناسب مع الطلب المتنامي الناتج عن النمو السكاني ٣% في الاقليم.
• ارتفاع معدلات البطالة والبطالة المقنعة: اذ يقدر حجمها وفق بيانات وزارة التخطيط في الاقليم ١٧.٨٦%، ثم انخفضت نسبة الى 14%، واكد مدير احصاء السليمانية انها انخفضت الى 12% وفقا لمقاييس الامم المتحدة.اما نسبة البطالة المقنعة في المؤسسات العامة للدولة فبلغت في 2011 وفق تصريح صحفي لوزير التخطيط السابق، ٤٥%،
• الفساد المالي والاداري يشكل تحديا كبيرا يواجه الحكومة ويعد افة اقتصادية تواجه الدول التي دأبت الكثير من مؤسسات الدولة على حجب البيانات عن المواطنين، فمثلا لم يطلع المواطنون في السنتين الاخيرتين علي موازنة الدولة بشقيها الجاري والاستثماري.
ان خطوة اعلان الاستقلال، او على اقل تقدير القيام باستفتاء حق تقرير المصير، هي من الخطوات التي تشهد تحديا على الصعيد الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي لم يشهدها العراق من قبل.
ويحتاج الاستقلال إلى تراكم سياسي دبلوماسي وضمان اعتراف الدول العظمى به، وفتح ممر تجاري عبر منفذ بحري خاص، أو مع دول لن تكنّ العداء للدولة المتوقعة، فهل يمكن القول إن دولة كردستان ستبصر النور في الشرق الأوسط ، لا شك في أن البيئة الداخلية -على الصعيد الجماهيري والشعبي في كردستان- أضحت مساعدة كثيراً في إجراء الاستفتاء بشأن “استقلال الإقليم”، خاصة مع سيطرة قوات البشمركة على حدود الاقليم، فيما الحكومة المركزية والدول المحيطة بالإقليم ترى غير ذلك.

 

شذى خليل باحثة  في:

الوحدة الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية