الحرب على “داعش”…تنافس ارادات

الحرب على “داعش”…تنافس ارادات

يي

 أمضى اوباما جزءا من ولايته يحاول التخفيف من آثار المغامرات الخارجية التي تورط بها سلفه، واوقعت الادارة الامريكية في اشكالات متعددة ليجد نفسه من جديد امام معركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، دفعته الى شن حرب جديدة، وبناء تحالف إقليمي ودولي لمواجهة الإرهاب. إذ أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن أن أكثر من 40 دولة ستشارك فى الحرب ضد التنظيم.

وكانت الإدارة الأميركية دشّنت تحرّكها ضد “داعش” في عدة محطات، كانت اولاها في مجلس الأمن الدولي في آب/ أغسطس 2014، الذي استصدرت منه قراراً 2170 تحت البند السابع والذي يشرّع فيه الحرب ضد هذا التنظيم المسلح، من مختلف الجوانب، على خلفية تمدده في العراق وسوريا، وخصوصاً استهدافه بالقتل والحصار والتشريد بعض مكونات المجتمع العراقي من مسيحيين وكرد وإيزيديين.

وفي هذا القرار عبر مجلس الأمن عن استنكاره للفظائع، التي ارتكبها هذا التنظيم وجبهة النصرة بحق المدنيين في مناطق سورية وعراقية باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، وطالب بوقفها، وحث جميع الدول على التعاون لتقديم مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية للعدالة.

وثانيتها تمثلت في اجتماع قمة دول الناتو في مقاطعة ويلز في بريطانيا 4-5 آب/ أغسطس الجاري، بحضور الرئيس الأميركي باراك أوباما، وبالتزامن مع استهداف الطائرات الأميركية مواقع “تنظيم الدولة الإسلامية” في العراق، حيث أبدى فيه قادة دول حلف الأطلسي استعدادهم لمساعدة العراق إذا ما طلب ذلك. وقد عكس هذا الاهتمام تخوفات الدول الغربية، من مخاطر انتقال موجة الأعمال الإرهابية إليها، ومن انعكاس القلاقل الاجتماعية في سوريا والعراق على أمنها واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وتمثلت المحطة الثالثة في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة يوم 7 آب/ أغسطس الحالي، في ظل طلب أميركي قدمه وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي خلال اتصال هاتفي، والذي تضمن الحاجة لاتخاذ دول الجامعة العربية موقفاً أقوى في التحالف الذي يجري تشكيله حاليا للتصدي لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وضمن ذلك تفعيل خطة عمل لوقف تدفق المقاتلين الأجانب وتجفيف منابع تمويل التنظيم.

وبحسب ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها الصادر في 8 ايلول /سبتمبر الجاري فإن خطط واشنطن لسيناريو الحرب على “داعش” في “العراق” ستتكون من ثلاث مراحل، تشمل الأولى الاستخدام المكثف للقوة الجوية التي ستشارك بها كل الدول المتحالفة، وتركز الثانية على تدريب عالي المستوى للجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية وفصائل سنية عراقية، وتسليحها بما يتلاءم وأسلوب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في القتال، أما المرحلة الاخيرة فهي ملاحقة وتدمير كل مواقع قيادات التنظيم وايمكانه، وإنهاء وجوده كليا من المنطقة.

وتأتي توضيحات الرئيس الأميركي حول آلية العمل فيما يخص محاربة “داعش”، حيث أكد أن الولايات المتحدة لن تشارك بقوات برية لملاحقة التنظيم الإرهابي، بل سيقتصر دورها على جمع المعلومات وتصوير أماكن تجمعاته، وضربها من خلال المقاتلات أو الطائرات الامريكية دون طيار, والمعضلة  هنا أن الخبراء العسكريين يؤكدون أن الطيران وحده لا يحسم المعركة، لذلك يحتاج الحشد الدولي إلى قوات برية، وعملياً القوات البرية على الجبهة العراقية موجودة، وهي تشمل قوات البشمركة والميليشيات.

وبمقدور “داعش”، ان تختفي وتختلط بالسكان، اي انها تجعل المدن والقرى الكثيرة التي تسيطر عليها في العراق وسوريا دروعاً بشرية في مواجهة الطيران الاميركي، وهذا ما سيعقّد مسار الحرب للقضاء على الإرهابيين، إضافة الى ما قد يظهر من تعاطف مع هؤلاء نتيجة سقوط الأبرياء في القصف.

وبالنسبة لأوباما فالمعركة ضد “داعش” ليست معركة الولايات المتحدة وحدها، بل تخص جميع دول العالم التي ترفض وحشية هذا التنظيم، وفي الوقت ذاته فان انسحاب قواته من العراق، خلّف بلداً غارقاً في الفوضى والصراعات،التي تزايدت معها وتيرة الإرهاب، ليأتي موقفه المتردد بعد ذلك من الثورة السورية، عندما احجم عن توجيه ضربات صاروخية رداً على استخدام دمشق لأسلحة كيماوية، وبهذا الصدد قال روبرت فورد السفير السابق الأمريكي في سوريا، إنه نتيجة لتردد واشنطن زادت الخطورة التي يمثلها المتطرفون للولايات المتحدة.

وبعبارة اخرى فان سياسة الانكفاء الامريكية وعدم التورط في تداعيات الاوضاع العربية، ابان ما يعرف بـ” الربيع العربي”، مكنت تنظيم “داعش” من التغول، وهو ما كان يلبي سعى وهدفاً سورياً، سيصار الى توظيفه فيما بعد لشيطنة الثورة وضربها، “فالدولة الاسلامية” كانت عوناً لنظام بشار، ويده الضاربة في لحظة معينة ضد قوى الثورة السورية الاخرى.

ولكي لا تقع الادارة الامريكية في مزالق جديدة، لابد لها من مراجعة مواقفها، إذ اصبحت المنطقة العربية اليوم مسرحاً للنفوذ الايراني، وساحة حرب مدمرة تتداخل فيها المتغيرات السياسية مع الامنية والطائفية والمصلحية، فانسحاب القوات الامريكية عام 2011 مكن الايرانيين من ملء الفراغ هيمنة وتوظيفاً، وتحول العراق لتابع لايران.

وعلى مستوى الشارع العربي فاوباما ملام لتركه الشعب السوري تحت رحمة نظام دموي، اوقع قتلاً وتدميراً في العباد والبلاد، لتتجاوز حصيلة ضحاياه الـ200 ألف قتيل، ومئات الآلاف من الجرحى والمعوّقين والمفقودين، وأكثر من 10 ملايين هجّروا بين منافي الداخل والخارج. واوجد التجاهل الامريكي للتدخلات الايرانية في سوريا، مزيداً من التمدد والقوة لتبدو طهران صاحبة الكلمة الأولى في المنطقة، حيث افادت من غياب الدور المصري وانتقلت الى محاصرة الدور السعودي في لبنان، ودعم الحوثيين في اليمن، وتحريك الأحداث في البحرين.

وايران لن تقبل بإخلال ميزان القوى القائم لغير صالحها، فالخسارة بالنسبة لها في مكان تعوّض في مكان آخر، فحلفاؤها الحوثيون الذين ترددوا في دخول صنعاء عسكرياً بعد تطويقها دخلوها أخيراً بحشود غفيرة، مستنفرين الشارع اليمني بشعارات اجتماعية. وما قد يحصده خصومها الإقليميون في بغداد سيدفعون مقابله في صنعاء.

ومن هنا كسب الحرب ضد “داعش” يستلزم استراتيجية امريكية إزاء الأزمة السورية، تقوم على التخلص من نظام بشار، الذي احتضن هذا التنظيم، وتعامل معه اقتصادياً، وجعله اداة لضرب قوى الثورة السورية.

ويستتبع ما تقدم صمت امريكي عن ممارسات الميليشيات الشيعية، التي لا تقل افعالها دموية وبربرية عن تلك التي تقوم بها “داعش”، ممثلة بالقتل والتمثيل وحرق الجثث، ونهب البيوت والممتلكات، وتهجير السكان لاعتبارات مذهبية. وحسب ما كشفته الوثائق العسكرية الأمريكية فان واشنطن اسهمت ضمناً في التمويل والتسليح الإيراني للميليشيات الشيعية في العراق، ولم يحرك الجيش الأمريكي وقتها ساكناً لوقف عمليات تهريب إيران للسلاح التقليدي لإمداد الميليشيات والمنظمات الشيعية الموالية لها.

والتساؤل الذي يطرح هنا لماذا التركيز الأميركي على استئصال “داعش” واخواتها من تفرعات القاعدة والمجموعات السنية المتشددة الاخرى؟ بينما يتم التغاضي عن إرهاب الميليشيات الشيعية، وما تقوم به من عمليات قتل في العراق وسوريا ولبنان.

وعليه ستبدو صورة السياسة الأميركية في حال انحياز مزدوج، لا يقتصر على محاباة إسرائيل فحسب، بل يمتد ليشمل ايران وحلفائها، ومن دون وضع حد للميليشيات الشيعية، فان الامر يعني استمرار الحروب الأهلية والمواجهات بين المكونات.

وأوباما بسياساته المترددة، دفع روسيا وإيران إلى اكتساب قوة ونفوذ سواء على المستوى الاقليمي  الدولي، وهناك من يرى ان هذة الحرب يراد بها اعادة تأهيل المكانة الامريكية، التي شهدت تراجعاً وخفوتاً، من خلال بوابة عودة القوات الاميركية الى العراق، قال رئيس الأركان الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، ان الرئيس اوباما يدرس ارسال مستشارين عسكريين اميركيين الى جبهات القتال في العراق “بحسب كل حالة” وصرح امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ “ان المعارك المستقبلية في العراق قد تتطلب وجود قوات اميركية على الارض للمساعدة في توجيه الضربات الجوية لقوات داعش” .

ولاشك في ان خطأ اخر ترتكبة ادارة اوباما في حال تركت طهران تحارب “داعش” بـ”طريقتها الخاصة” ووفق ما تراه. وبحسب مصادر مطلعة فإن واشنطن أبلغت الايرانيين انها لا تعترض على الطرق والوسائل التي يتبعونها بهذا الخصوص، وفي الواقع فإن ايران نشطت مبكراً في تزويد العراق بطائرات السوخوي، وبالأسلحة وبمقاتلين من الحرس الثوري ضمن ما يسمى بـ”الحشد الشعبي”.

 وايران هي أول دولة زودت البشمركة بالأسلحة والمدربين والمستشارين، وبذلك قد سبقت التحالف بأكثر من شهر في الحرب ضد “داعش” وأنها ليست بحاجة الى رخصة أميركية في العراق. والمفارقة الأخرى أن واشنطن ستستعين رغماً عنها بميليشيات مسلحة تدين بالولاء لإيران. والأدهى من ذلك سيقوم المستشارون الأميركيون بتدريب القوات العراقية، التي هي نتاج الميليشيات المدعومة من إيران، والتي خضعت “للدمج” في تلك القوات على يد بريمر.

ومن الصعب، وربما من المبكر، التكهن بطبيعة المواجهة المقبلة مع “تنظيم الدولة”، أو التكهن بمدى نجاح الائتلاف في صد “داعش”، أو تحجيمه أو وضع حد نهائي له، إذ إن ثمة أشياء كثيرة تتوقف على ذلك.  وما هو المدى الذي يمكن أن تتدخل فيه الولايات المتحدة عسكرياً في هذه المنطقة، وبشكل مباشر، وما إذا كان الأمر بالنسبة لها يتعلق بالحفاظ على توازنات معينة في العراق لإنفاذ ضغوط أميركية ما على إيران وروسيا، أم أنها ستسير إلى النهاية نحو حسم هذا الأمر بكل قوة لتغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة، بعد أن بدا أنها تخلت عنها.

هدى النعيمي