الانقسام الفلسطيني.. جذور “أيديولوجية” عمرها ربع قرن واتفاقيات على الورق

الانقسام الفلسطيني.. جذور “أيديولوجية” عمرها ربع قرن واتفاقيات على الورق

لم يبدأ الخلاف الفلسطيني والانقسام بين حركتي، المقاومة الإسلامية “حماس″، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، منذ عام 2007 كما يظن البعض، إلا أن تلك الفترة هي كانت الأبرز في مرحلة الصراع بين الطرفين.

ومن المقرر أن يجتمع وفدا “فتح” و”حماس″ الثلاثاء، في القاهرة لبحث ملف المصالحة وتمكين حكومة الوفاق من تسلم مهام عملها في قطاع غزة.

ومنذ قرابة الربع قرن، يسود الخلاف بين الحركتين”، ويعود السبب في ذلك إلى الاختلاف في المرجعيات الأيديولوجية التي تتبناها الحركتان، فالأولى تنادي بالفكر الإسلامي، والمقاومة العسكرية لإسرائيل، لكنها تقبل “بهدنة طويلة” معها، بينما الثانية تتبنى الفكر العلماني وتؤمن بأن المفاوضات مع إسرائيل هي السبيل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

وبدأت الخلافات تطفو إلى السطح، خلال انتفاضة الحجارة (1987-1994)، حيث شكلت حركة حماس منافسا قويا لقوى منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة فتح.

وتفاقمت الخلافات، عام 1993، إثر توقيع منظمة التحرير على اتفاقية أوسلو للسلام، مع إسرائيل، حيث عارضتها حماس بشدة.

وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية، وفقًا لاتفاقية أوسلو نشب خلاف بين فتح (التي أدارت السلطة) وحماس، حيث رفضت الأخيرة إيقاف أعمالها العسكرية ضد إسرائيل وهو ما رأت فيه حركة فتح تهديدا خطيرا ضد مشروعها السياسي.

وفي المقابل شنت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، حملات اعتقال واسعة ضد قادة وعناصر ونشطاء حركة حماس، وذلك بين عامي (1996-2000).

وتبادل الطرفان في تلك الآونة الاتهامات، حيث قالت حركة فتح إن حماس تعمل على “تقويض السلطة الفلسطينية من خلال العمليات العسكرية”، وقالت حماس، إن “السلطة الفلسطينية تعمل كوكيل أمني لصالح إسرائيل”، مما أحدث هوة كبيرة بين الحركتين.

ولم تجتمع الحركتان في حوارات مباشرة إلا عقب انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية نهاية سبتمبر/ أيلول عام 2000.

الحوارات والاتفاقيات:

– حوارات القاهرة:

في مارس/ آذار عام 2005 توّجت حوارات كانت بين الحركتين، تحت رعاية جهاز المخابرات العامة المصرية، بـ “اتفاق القاهرة” بين الفصائل الفلسطينية.

ونص الاتفاق على، انتخاب مجلس وطني جديد في الداخل والخارج حيثما أمكن، وأن يتم تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أن تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية، والحفاظ على المنظمة كإطار وطني جامع ومرجعية سياسية عليا للفلسطينيين.

وفي العام ذاته عقد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، حوارًا موسعًا مع قادة حركة حماس، ودعاهم من خلاله للمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وإعلان هدنة مع إسرائيل.

*الانتخابات التشريعية

وافقت حركة حماس على خوض الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير/ كانون الثاني عام 2006، وحصدت أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي (البرلمان)، وكانت تلك النتائج مفاجئة للعالم.

وتلك النتائج كانت بداية الشرارة التي تسببت في إحداث الانقسام الفلسطيني، وإحداث تحول تاريخي في القضية الفلسطينية، حيث رفضت حركة فتح وبقية الفصائل المشاركة في الحكومة التي شكلتها حركة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، بدعوى “عدم الاتفاق على البرنامج السياسي”.

واتهمت حماس، حركة فتح بأنها تعمل على الإطاحة بحكومتها، من خلال إحداث المشاكل الداخلية، وأن الرئيس عباس، سحب منها الكثير من الصلاحيات، إلا أن حركة فتح نفت ذلك.

وثيقة الأسرى 2006:

أطلق معتقلون فلسطينيون في السجون الإسرائيلية ينتمون للحركتين، في مايو/ أيار عام 2006 مبادرة لإنهاء الخلاف بين فتح وحماس، غير أن وثيقتهم لم تؤت ثمارها، واستمرت الخلافات والاشتباكات بين الجانبين.

وساطة قطرية 2006:

في أكتوبر/ تشرين الأول 2006، حاولت دولة قطر الوساطة بين حماس وفتح لإنهاء الخلاف وتهدئة الأوضاع، إلا أنها فشلت في ذلك.

وزادت وتيرة الصراع في العام ذاته بين الحركتين، بعد أن ألقى الرئيس الفلسطيني خطابًا في ديسمبر/ كانون الأول، دعا من خلاله إلى “عقد انتخابات لمجلس برلماني جديد، كحل للخروج من الأزمة”.

الانقسام الفلسطيني عام 2007:

شهد عام 2007 اشتباكات مسلحة دامية لم تشهدها الساحة الفلسطينية من قبل، بين الجناح العسكري لحركة حماس “كتائب القسام”، والأجهزة الأمنية الفلسطينية، ومقاتلين من حركة فتح.

وتسبب الانقسام بموت وإصابة المئات من كلا الطرفين.

– اتفاق مكة 2007:

في عام 2007 أطلق الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مبادرة لعقد حوار بين حركتي فتح وحماس، في مدينة مكة، تكلل ذلك بتوقيع “اتفاق مكة” بين الحركتين، في فبراير شباط عام 2007.

وأسفر “اتفاق مكة” عن تشكيل حكومة وحدة وطنية يترأسها القيادي في حماس، إسماعيل هنية، ونائبه القيادي في حركة فتح عزام الأحمد.

ومع ذلك لم يدم اتفاق “مكة” طويلا حيث اندلعت اشتباكات مسلحة بين الحركتين مرة أخرى، في مايو/ أيار 2007، وانتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14/ يونيو حزيران من العام ذاته.

*حكم حماس لغزة

نتج عن سيطرة حماس على غزة، أن انقسمت أراضي الحكم الذاتي الفلسطيني (السلطة الفلسطينية) إلى جزأين، الأول في قطاع غزة، ويخضع لإدارة حماس، والثاني في الضفة الغربية وتديره حركة فتح.

وحاولت العديد من الدول العربية والإسلامية، عقد جلسات حوار بين الجانبين إلا أنها فشلت في ذلك، حيث اتهمت حركة فتح، حماس بالانقلاب على الشرعية الفلسطينية، فيما اتهمت الأخيرة حركة فتح بالانقلاب على نتائج التجربة الديمقراطية التي فازت فيها.

*الورقة المصرية 2009:

في سبتمبر/ أيلول 2009، أطلق جهاز المخابرات العامة المصرية، مبادرة لتحقيق المصالحة، عرفت فيما بعد باسم “الورقة المصرية”.

وافقت حركة فتح على الورقة، لكن حركة حماس طلبت إجراء بعض التعديلات عليها، مما أدى إلى تجميد جهود المصالحة لعدة أشهر أخرى.

* حوارات دمشق 2010:

في أواخر عام 2010 تم عقد لقاء بين قيادات فتح وحماس في العاصمة السورية دمشق، لكنها لم تسفر عن أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وكانت قضية الانتخابات من أبرز قضايا الخلاف، حيث طالبت فتح بعقد انتخابات جديدة، فيما طالبت حماس بتحقيق المصالحة أولا، وتوفير ضمانات تتيح اجراءها في أجواء سليمة.

* اتفاق القاهرة 2011 :

وقعت حركتا حماس وفتح، في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، في مطلع مايو/ أيار 2001، اتفاقًا للمصالحة، ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل، لكنه لم يطبق على الأرض.

* اتفاق القاهرة 2012:

وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، اتفاقًا في مايو/ أيار 2012، في العاصمة المصرية القاهرة، ينص على بدء مشاورات لتشكيل حكومة التوافق الوطني، والسماح للجنة الانتخابات المركزية بتجديد سجلات الناخبين الفلسطينيين في قطاع غزة.

إلا أن حماس أوقفت في الثاني من يوليو/ تموز (2012) عمل لجنة الانتخابات المركزية بعد السماح لها بالعمل بدعوى استمرار الاعتقالات السياسية وقمع الحريات بالضفة الغربية، ما أدى لتعطل تنفيذ اتفاق المصالحة.

* إعلان الدوحة 2012:

في فبراير/ شباط 2012 وقّعت الحركتان اتفاقية مصالحة جديدة، في العاصمة القطرية، الدوحة، عرفت باسم “إعلان الدوحة”.

ونص الإعلان على أن يترأس الرئيس محمود عباس الحكومة الانتقالية المقبلة، والتي ستشكل من كفاءات ومهنيين ومستقلين، لتولي المرحلة المقبلة، والإعداد للانتخابات التي تم الإعلان عن تأجيلها ليتسنى التحضير اللازم لها.

لكن هذه الاتفاقية أيضًا لم تنفذ على أرض الواقع .

* العودة للحوار بعد حرب غزة الثانية:

بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2012، استؤنفت جلسات الحوار مجددًا بين الطرفين، فقد شاركت حركة فتح في مهرجان ذكرى تأسيس حركة حماس في 8 ديسمبر/ كانون أول 2012، كما سمحت فتح لحركة حماس بتنظيم مهرجانات احتفالية في الضفة الغربية.

كما وافقت حركة حماس من جانبها على عودة عدة كوادر من حركة فتح لقطاع غزة، كانوا قد غادروه عقب سيطرة حماس عليه في عام 2007.

وسمحت كذلك لحركة فتح بتنظيم مهرجان كبير، في ذكرى تأسيسها الـ48.

*لقاء عباس ومشعل:

في 9 يناير/ كانون الثاني 2013، عقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مباحثات مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، في القاهرة، واتفقا على “تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية”، غير أنه لم ينفذ.

*اتفاق الشاطئ 2014:

تم الإعلان في صيف عام 2014 عن تشكيل حكومة الوفاق الفلسطينية، عقب لقاء جمع قيادات في حماس وفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، في قطاع غزة، اطلق عليه اسم “اتفاق الشاطئ”.

وأدى الوزراء اليمين الدستورية أمام رئيس السلطة الوطنية محمود عباس، في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية.

غير أن الوزراء الجدد لم يتسلموا مهامهم في قطاع غزة، جراء الخلافات السياسية بين الحركتين، واستمر تبادل التهم بين الجانبين.

ورغم تشكيل الحكومة إلى أن ذلك لم ينه الانقسام الفلسطيني.

*اللجنة الإدارية في غزة

وفي مارس/ آذار الماضي، شكّلت “حماس″ لجنة إدارية، لإدارة الشؤون الحكومية في قطاع غزة، وهو ما قوبل باستنكار الحكومة الفلسطينية، وبررت الحركة خطوتها بـ”تخلي” الحكومة عن القيام بمسؤولياتها في القطاع.

واتخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إجراءات بحق قطاع غزة، قال إنها ردا على تشكيل حماس هذه اللجنة، ومنها تخفيض رواتب الموظفين وإحالة بعضهم للتقاعد المبكر، وتخفيض إمدادات الكهرباء للقطاع.

وفي 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت حركة “حماس″ عن حلّ اللجنة الإدارية التي شكّلتها في قطاع غزة لإدارة المؤسسات الحكومية؛ وذلك “استجابةً للجهود المصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام”.

ودعت الحركة، في بيان لها آنذاك، حكومة الوفاق للقدوم إلى قطاع غزة؛ “لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فوراً”.

وجاء حل اللجنة، في إطار جهود بذلتها مصر.

وفي مطلع الاسبوع الماضي، وصل إلى قطاع غزة، رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية، رامي الحمد الله، وأعضاء حكومته، ووفود مصرية سياسية وأمنية وإعلامية، ووفود أممية، للإشراف على سير المصالحة الفلسطينية.

وأعلنت الحكومة الفلسطينية التي تزور القطاع عن تسلم وزراء حكومة الوفاق لمهامهم الوزارية في قطاع غزة.

إلا انه لم يتم رفع العقوبات التي وضعها الرئيس عباس على قطاع غزة، وقالت الحكومة إن رفعها سيأتي بعد نقاشات القاهرة المقرر عقدها الثلاثاء.