أستانا وإدلب: تركيا تضرب الأسد بحليفيه «روسيا وإيران» ونظامه تحت الأوامر القسرية

أستانا وإدلب: تركيا تضرب الأسد بحليفيه «روسيا وإيران» ونظامه تحت الأوامر القسرية

يرى مراقبون للشأن السوري أن السياسة الخارجية التركية نجحت مؤخراً في إحراز انتصارات كبيرة على النظام السوري عبر اتفاق أستانا، بعد أن تمكنت من جذب حلفاء الأسد «روسيا وإيران» إلى صفها، لتجبر بشار الأسد عبر حليفيه موسكو- طهران على تطبيق مخرجات الاتفاق دون الإلتفات لموقفه الرسمي سواء أكان راضياً عن مخرجات أو رافضا لها، فدخل الجيش التركي الأراضي السورية من بوابة الدول الأكثر دعما لنظام دمشق، فيما تخوف البعض أن يكون الشمال السوري بداية لكمين ومستنقع قد يستهدف الجيش والداخل التركي، أو إنقلاب في المواقف السياسية الروسية الإيرانية، أو تقاسم للنفوذ بين أبرز الأطراف الدولية الفاعلة في سوريا.
الأطراف الثلاثة «روسيا- إيران وتركيا» الضامنة للمسار السياسي في العاصمة الكازاخية أستانة، أعلنت منتصف شهر أيلول/سبتمبر الماضي عن توصلها إلى اتفاق على إنشاء منطقة «خفض توتر» في إدلب، وفقا لاتفاق موقع في أيار/مايو الماضي.
واتفقت الدول الضامنة على تحديد نطاق المنطقة، وتحديد الجهات التي ستتولى تأمينها، ومراقبة التزام كافة الأطراف بتخفيف التصعيد. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: أن العملية العسكرية في إدلب بدأت تنفيذا لاتفاق أستانا، وأنها تهدف إلى حماية المدنيين وتجنيب المحافظة أي مخاطر. معتبرا أن بلاده ملزمة بالتدخل لمنع تشكل دولة كردية في شمال سوريا، وإلا فستسقط القنابل على المدن التركية.
وفي أول تصريح رسمي للنظام حول انتشار الجيش التركي في سوريا، اعتبر وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم خلال لقاء أجرته معه قناة «روسيا اليوم» أن الوجود التركي على الأراضي السورية هو «وجود غير شرعي». ولكن المعلم أشار في اللقاء ذاته إلى إن خيار المواجهة مع تركيا معدوم، إذ قال: حكومة دمشق «تنسق مع الجانب الروسي وملتزمة بما صدر عن مؤتمر أستانا بشأن إدلب».

هزيمة مزودجة للأسد

الناشط السياسي السوري المعارض ياسر منصور اعتبر أن النظام السوري خسر معركتين في آن واحد، الهزيمة الأولى كانت على يد حليفيه الرئيسين «موسكو وإيران» اللذين أجبراه على الانصياع لاتفاق أستانا رغم رغبته الكبيرة بعدم القبول بتركيا كطرف ضامن، أما هزيمته الثانية فكانت على يد تركيا، التي نجحت في إملاء شروطها وقرارها على الأسد دون أن تحاوره أو تنظر لموقفه.
وقال لـ «القدس العربي»: منذ حشد تركيا لوحداتها العسكرية على الحدود مع سوريا، ودخول فريق الاستطلاع وصولاً إلى نشر قوات لها في الشمال السوري، اتخذ النظام السوري حالة الصمت المطبق حيال ما يجري وغابت مواقفه الرسمية بشكل كبير، ما يعكس مدى حالة الانزعاج التي تنتاب أركان نظام الأسد من فرض تركيا لشروطها، ونجاحها في كسب روسيا وإيران وحشر الأسد ضمن سياق حجمه الطبيعي.

إعلام الأسد غائب

ورغم التطورات المتسارعة في الشمال السوري، وبدء انتشار الجيش التركي في الأراضي السورية، واستمرار الحشود التركية إلى الحدود السورية، إلا أن الإعلام الرسمي للنظام، تجنب الخوض في غمار ما يجري، لتقتصر تغطيته، على نشر بعض الأخبار عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
كما لوحظ غياب أي تهجم من قبل الإعلام الموالي للنظام السوري على الجيش التركي، خلافاً لما كان سائداً منذ أعوام، ما يرى فيه بعض الناشطين السوريين المعارضين لنظام الأسد، مرآة تعكس موقف النظام المرتبك أمام عجزه أو فشله عن إقناع موسكو وطهران في إبقاء أنقرة خارج الملف السوري، ورضوخه للتعليمات الصادرة عن قاعدة حميميم الروسية، وما اتفقت عليه الأطراف الرسمية الفاعلة في اتفاقيات أستانا.

الجيش التركي كشف عورة الأسد سياساً

رئيس دائرة مدينة «أريحا» في الهيئة السياسية لمحافظة إدلب عبد العزيز عجيني، قال لـ «القدس العربي»: دخول القوات التركية إلى الشمال السوري أظهرت عورة نظام الأسد سياسيا، وانتشار الجيش التركي يعكس مدى عجز النظام ليس في مواجهة خصومه فحسب، بل عجزه عن مواجهة حلفائه أيضاً. فالروس والإيرانيون كانوا مضطرين لعقد صفقة مع تركيا رغما عن الأسد، وطالما كانت أنقرة ظهيرا قويا للثورة في المجالات السياسية والإغاثية والاقتصادية، فقد جاء التدخل الآن ليتوج سنوات طويلة من التردد التركي في الدخول في المستنقع السوري.
يرى عجيني أن نظام الأسد ميت سياسيا، ولم يعد أكثر من ميليشيا تقاتل بأوامر الحلفاء وتتوقف بأوامرهم، ولقد أدرك الأتراك أخيرا أن لا مستقبل لهم في المنطقة إذا ما بقوا بعيدين عن القضية السورية، التي أصبحت حلبة دولية يتقرر فيها وزن الدول استراتيجيا.
التدخل العسكري التركي أنهى مرحلة من مراحل الثورة السورية، وبدأت معه مرحلة جديدة لم يعد فيها لنظام الأسد حتى حق المشورة فيها، بعد أن دأب على القول أنه سيستعيد كل ما خسره من أرض، لكنه ينكفئ اليوم سياسيا ويصبح مجرد أداة بيد حلفائه، ولقد انكشفت عورة النظام في عيون أتباعه الذين دأب على تخديرهم طيلة سنوات بعد دحره من الشمال السوري.
وانتهت مرحلة الأسد في شمال سوريا، والتدخل التركي يعني أن النظام فقد أوراقا كثيرة كالورقة الكردية وورقة مكافحة الإرهاب التي عاش عليها طيلة سنوات الثورة، وفق ما قاله عجيني.

حميميم: وجود القوات التركية شرعي

وذكرت القاعدة العسكرية الأكبر لروسيا في سوريا «حميميم» عبر معرفاتها الرسمية، أن دخول القوات التركية إلى مناطق في محافظة إدلب يندرج ضمن اتفاق تفعيل منطقة خفض التوتر الرابعة.
فيما اعتقدت القاعدة، أن القوات الروسية قد تتعرض لهجمات بشكل فردي أو على شكل جماعات من قبل جبهة النصرة في الشمال السوري، والتي قد تتطور لتتحول إلى صراع بين الجانبين.

الأسد في متاهة

يوم الخميس، 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، دخلت أولى الآليات والعربات العسكرية التركية إلى الأراضي السورية قاصدة ريف حلب الغربي وفقاً لمخرجات اتفاق أستانا، علماً أن النظام السوري وعبر رئيسه بشار الأسد، كان صرح قبل شهرين فقط أنه لا يعتبر تركيا طرفاً ضامناً في عملية السلام في سوريا ولا شريكاً، إلا إن دخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية أدخل الأسد في تيه، فهو يعتبر تواجد القوات التركية احتلالاً، وفي الوقت ذاته ينصاع لروسيا وإيران ويقبل بتواجدهم العسكري.
وقال بشار الأسد في 20 آب/أغسطس الماضي: «تركيا بالنسبة لنا موجودة على الورق، ولا نعتبرها ضامناً ولا شريكاً في عملية السلام، وطبعاً لا نثق بها، هي داعم للإرهابيين، ضامن ولكن للإرهابيين، وحقيقة دخول تركيا في مؤتمر أستانة سببه أنه لم تعد هناك خيارات أمام أردوغان. الإرهابيون يتساقطون في كل مكان، هزائم متتالية، فضائح متتالية حول علاقته مع الإرهابيين، فأصبح الدخول إلى أستانة هو غطاء بشكل أو بآخر».
وتابع الأسد في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين «موقفنا واضح منذ اللحظة الأولى، وهو أن أي شخص تركي موجود على الأرض السورية من دون موافقة الحكومة السورية هو عبارة عن محتل».

توافق تركي روسي

مراسل الشأن السوري في وكالة الأناضول التركية محمد مستو قال لـ «القدس العربي»: دخول الجيش التركي إلى سوريا، جاء نتيجة لمفاوضات روسية تركية، وأن الأسد لا مكان له من الإعراب، والنظام السوري ليس أمامه من خيارات سوى إطاعة الأوامر الروسية.
ويعتقد وهو أن نظام الأسد لا رغبة لديه بدخول القوات التركية إلى سوريا، ولكن روسيا هي صاحبة الموقف الفعلي في هذا الشأن، وبالتالي الأسد يستجيب للأوامر الروسية كون الأخيرة هي صاحبة القرار في سوريا وليس النظام.
ورأى أن انتقاد التدخل العسكري التركي في سوريا وفق مخرجات أستانا من قبل وزير خارجية الأسد وليد المعلم ليس إلا رسالة موجهة من النظام لحاضنته الشعبية، رغبة منه بإبلاغهم أنهم من حيث المبدأ لا يقبلون دخول تركيا للأراضي السورية، وأن هذا «التدخل هو حالة مؤقتة وستزول».
ومن المقرر أن تنتشر عناصر من الجيش التركي ضمن حدود منطقة «خفض التوتر» المحددة في إدلب (بموجب الاتفاق) ومهمتهم الأساسية تحقيق استدامة لوقف إطلاق النار بين مختلف الأطراف، ولهذا الغرض، ستشكل وحدات الجيش عدة نقاط تفتيش ومراقبة في المدينة.
وتشير المصادر العسكرية والدبلوماسية إلى أن تحركات عناصر الجيش التركي لن تكون على شاكلة «عملية عسكرية» بل «انتشار» كما أن خوض اشتباكات مع النظام السوري أو عناصر محلية خلال الانتشار أو في أعقابه أمر غير مستهدف.

الشارع السوري بين مؤيد ومعارض

وأحدث الانتشار العسكري التركي في الشمال السوري، حالة من الانقسام في الشارع السوري، بين مؤيد للخيار التركي، ومعارض له، فالمؤيدون يرون أن تركيا تريد تجنيب إدلب مصيرا مشابها للرقة السورية والموصل العراقية، وأنها تسعى لإنقاذها من فك الأسد ومنشار التحالف الدولي.
أما المعارضون، فهم بنسبة جيدة ليسوا معارضين لتركيا كدولة، وإنما منزعجون من التوافق والتقارب التركي مع روسيا وإيران، إذ يعتبرونهما أحد أبرز أطراف الصراع لصالح بشار الأسد ضد الشعب السوري الثائر ومسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.

في حين تتواجد نسبة أخرى ترفض دخول تركيا إلى الأراضي السورية، ويعتبرون ذلك تقاسما لجغرافيا البلاد بين اللاعبين الأساسيين في الملف السوري.

حسام محمد

صحيفة القدس العربي