إدارة شركاء واشنطن الفاسدين في شرق سوريا

إدارة شركاء واشنطن الفاسدين في شرق سوريا

خلال مؤتمر صحفي عُقد في 9 أيلول/سبتمبر، أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة عن حملة “عاصفة الجزيرة”، التي تهدف إلى تطهير وادي الفرات ووادي نهر الخابور في محافظة دير الزور من تنظيم «الدولة الإسلامية». ويتولى قيادة هذا الهجوم «مجلس دير الزور العسكري» [“المجلس”] بزعامة أبو خولة الديري (المعروف أيضاً باسم أحمد حميد الخبيل)، وهو رجلٌ يُزعم أنه سيئ السمعة، ويمثل المعضلة التي تواجهها واشنطن في حرب اختفى فيها عدد كبير من الأشخاص الفاعلين الفاضلين منذ فترة طويلة، ليحل محلهم آخرون مجردون من المبادئ ويحاربون من أجل الموارد الهيدروكربونية في المحافظة وغيرها من المكاسب المادية.

السجل المريب لـ «مجلس دير الزور العسكري»

في 14 أيلول/سبتمبر، أشار متحدث باسم البنتاغون إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» بقيادة الأكراد استحوذت على أكثر من 44 ألف كيلومتر مربع من الأراضي خلال الحرب وحررت 2.3 مليون شخص من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية». غير أنه في ظل وصول هذا المسعى إلى خواتيمه، اضطرت واشنطن و«قوات سوريا الديمقراطية» إلى الاستعانة بشركاء مشبوهين هم أكثر بقليل من مجرد مرتزقة يبحثون عن مصدر دخل. فالتطرف والاستنزاف والانشقاقات لم يترك أمامهم سوى القليل من الخيارات الجيدة. على سبيل المثال، انضم زعيم المعارضة السابق الشيخ نواف البشير إلى قوات النظام في ربيع هذا العام. وعلى غرار عدد كبير من المقاتلين، قرر على ما يبدو أن التواجد في صفوف الجهة الرابحة كان أكثر أهمية من الإيديولوجيا.

ويُعتبر أبو خولة خير مثال على المعضلة التي تواجهها واشنطن فيما يخص التجنيد. فوفقاً للموقع الإخباري “دير الزور 24″، غالباً ما تمّ توقيفه بتهمة سرقة الدراجات النارية قبل عام 2011. وبعد اندلاع الحرب، يُزعم أنه أنشأ عصابة كانت تجول في الطرق بحثاً عن سائقين لسرقتهم. وحين حاصر المتمردون المعتدلون اللواء 113 في أواخر عام 2013، تردّد أنه وفّر إمدادات غذائية إلى قوات النظام وقام بتهريب الجنود. وعندما دخل تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى محافظة دير الزور في عام 2014، أعلن ولاءه للمنظمة الإرهابية، ليعود ويهرب في وقت لاحق إلى تركيا بعدما أعدمت كوادر التنظيم شقيقه.

ولم يكن أبو خولة معروفاً قبل 10 كانون الأول/ديسمبر 2016، عندما نشرت “وكالة أنباء هاوار” قصةً عن «مجلس دير الزور العسكري». وفي ذلك الوقت، قال إنه شكّل المجموعة قبل عشرة أشهر من ذلك التاريخ “لجمع شباب منطقة دير الزور والعمل على حماية الشعب”. وادعى أنه كان لديه ألف مقاتل.

وفي وقت سابق من هذا العام، بدأ يظهر علناً في المؤتمرات الصحفية، واحتفالات التخرج العسكرية، ومجالس عزاء لمقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية»، على الرغم من أنه لم يعلن أبداً عن انضمام أي جماعات إلى «مجلس دير الزور العسكري». وفي 18 شباط/فبراير، انضمّ 500 مقاتل من “المجلس” رسمياً إلى حملة “غضب الفرات” التي أطلقتها «قوات سوريا الديمقراطية» لتحرير الرقة. وفي 24 آذار/مارس، أعلن أبو خولة أن قواته استولت على قرى في المناطق الريفية من شمال غرب دير الزور، مبشراً بانطلاق حملة على مستوى المحافظة. ومن جهتها، أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» بشكل دوري عن مقتل عناصر من «مجلس دير الزور العسكري» خلال مواجهتهم تنظيم «الدولة الإسلامية» قرب الشدادي.

يُذكر أنه ليس هناك معلومات كثيرة متوافرة عن القوات المكونة لـ «مجلس دير الزور العسكري». فأبو خولة كان الممثل الوحيد للجماعة الذي تحدث خلال المؤتمر الصحفي في 9 أيلول/سبتمبر، وكان غامضاً بصورة مستمرة عند حديثه عن أعضاء “المجلس”. وفي 21 آذار/مارس، ادّعى أن “العديد من أبناء القبائل انضموا إلى «مجلس دير الزور العسكري»” دون أن يذكر أي أسماء. وفي 10 أيلول/سبتمبر، وصف مجدداً مقاتليه بأنهم من عشائر المحافظات، ليدّعي لاحقاً أنهم ينتمون إلى قبائل الجبور والعقيدات والمعمرة والمشاهدة. ويأتي مقاتلون آخرون من جماعات المعارضة المرتبطة بلواء المظلة “قوات النخبة” المنسوبة إلى أحمد الجربا. وفي 25 آب/أغسطس، انضم سبعة من فصائله إلى «مجلس دير الزور العسكري»، وخاصة أعضاء من «تجمع شباب البكارة» و«الشعيطات». ويدّعي الآن أبو خولة أن عدد مقاتليه الإجمالي يبلغ 4 آلاف شخص.

ويُظهر استيعاب «مجلس دير الزور العسكري» لأفراد “البكارة” عدم استقرار التحالفات الانتهازية التي يتسم بها معظم أقطاب المعارضة. ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، كانت الجماعة في السابق تنتمي إلى «أحرار الشام»، وهي منظمة سلفية متشددة تحالفت فيما مضى مع فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا. ومن المؤكد أنّ بعض العناصر المشبوهة لن تفسد «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضمّ جماعات محترمة مثل قوات “الصناديد” التي تشكّلت من “قبيلة شمر” و«لواء ثوار الرقة». ومع ذلك، سيتعين على واشنطن مراقبة قوات أبو خولة عن كثب لضمان امتناعها عن سلب المناطق التي “تحررها”.

أهداف الحملة الحالية

وفقاً لما جاء في مؤتمر صحفي من قبل البنتاغون في 14 أيلول/سبتمبر، تهدف حملة “عاصفة الجزيرة” إلى الاستيلاء على وادي الخابور شرق دير الزور، حيث أشار المتحدث باسم البنتاغون بشكل خاص إلى أن «مجلس دير الزور العسكري» لن يدخل إلى المدينة. غير أن قوات أبو خولة استولت على المنطقة الصناعية في الضواحي الشمالية الشرقية لدير الزور في 10 أيلول/سبتمبر، ثم استولت على محطة كهرباء ومصنع للسكر في وقت يقرب من 16 أيلول/سبتمبر. وفي 21 أيلول/سبتمبر، صرّح قائلاً “لقد وضعنا خططاً لتحرير الضفاف الشرقية وصولاً إلى الحدود العراقية-السورية”.

وفي الوقت الحالي، سارت الحملة على محورين. فقد بدأ المحور الأول في منطقة أبو فاس على بعد ستة عشر ميلاً غرب الشدادي، حيث نزلت قوات «مجلس دير الزور العسكري» إلى وادي نهر الخابور. وبدأ المحور الثاني في أبو خشب التي تبعد نحو 25 ميلاً شمال التبني. وبحلول 19 أيلول/سبتمبر، قال أبو خولة إن قواته تقدمت 70 ميلاً تقريباً باتجاه نهر الفرات على كلا المحورين، لتغطي مساحةً تمتد على ميل واحد في كل محور. غير أن قوات «مجلس دير الزور العسكري» لم تستحوذ على أراضٍ واقعة شرق الخابور على الحدود العراقية-السورية. ويمثل منع الإيرانيين ونظام الأسد من السيطرة على تلك الحدود هدفا رئيسياً للحملة الأمريكية في دير الزور، إذ سيمنع تنظيم «الدولة الإسلامية» وإيران من تأمين ممر لإرسال المقاتلين إلى سوريا.

وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» أن الحملة حرّرت نحو 20 ألف مدني محلي من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية». إلا أنه لا يزال من غير الواضح كيف سيشعر سكان محافظة دير الزور حول تولي قادة مثل أبو خولة مسؤولية مجتمعاتهم. وعلى الرغم أنه من المستحيل التأكد من صحة الإدعاءات الكثيرة الموجهة ضده، فمن المرجّح أن يصدقها السكان المحليون، وربما تُحفز البعض منهم على الاعتراض بشدة على وجود «مجلس دير الزور العسكري». وكبديل، قد يقرروا التغاضي عن روابطه مع تنظيم «الدولة الإسلامية» إذا كان باستطاعته إعادة فرض القليل من النظام وتوفير الخدمات الحيوية. ولمساعدته في هذه الخطوة، على واشنطن النظر في تقديم المساعدة إلى “المجلس المدني” (ومراقبته بدقة)، ذلك المجلس الذي أسّسه ليشمل المحافظة.

التسابق مع النظام على الغاز

في الوقت الذي تحرك «مجلس دير الزور العسكري» على هذين المحورين، تقدمت قوات النظام نحو دير الزور من جهة الغرب. وفي حين توشك دمشق على تحقيق انتصار حاسم ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أنّها غير مستعدة لمشاطرة هذا النصر مع “المجلس”، كما أن الطائرات الروسية قصفت مواقع الجماعة في 16 و25 أيلول/سبتمبر.

وتشعر دمشق بقلق بالغ إزاء استحواذ «مجلس دير الزور العسكري» وفصائل «قوات سوريا الديمقراطية» الأخرى على الموارد الهيدروكربونية لدير الزور. ووفقاً لموقع “سيريا ريبورت” (“تقرير سوريا”)، أنتجت المحافظة في عام 2009 – العام الأخير الذي تتوفر فيه أرقام سنوية – نحو 35 في المائة من النفط السوري. والأهم من ذلك، أنها وفرت 86 في المائة من النفط الخفيف الممتاز الذي تنتجه البلاد، والذي يسهل تكريره ويحقق سعراً أعلى في السوق.

وحتى الآن، استولى «مجلس دير الزور العسكري» على حقول تملكها “شركة دير الزور للنفط” التي يديرها اتحاد الشركات الفرنسي “توتال”. وكانت هذه الحقول تضخّ حوالي 27 ألف برميل من النفط يومياً قبل الحرب، في تراجع عن نحو 60 ألف برميل يومياً في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وفق “المسح الاقتصادي للشرق الأوسط” (“ميدل إيست إيكونوميك سرفي”). واليوم، تدهور وضع هذه الحقول بشكل كبير، وأصبحت بحاجة إلى مئات الملايين من الدولارات لإصلاحها. وحتى لو كان النظام يملك المال لإجراء الإصلاحات اللازمة، إلّا أنه ليس هناك مشترين دوليين لشراء النفط.

وفي المقابل، يريد النظام الحصول على الغاز بأي ثمن من حقول سوريا الشرقية من أجل تخفيف النقص الحاد في الطاقة. ففي آب/أغسطس، صرّح وزير الكهرباء زهير خربوطلي لصحيفة “الوطن” أن إنتاج الكهرباء المحلي انخفض إلى 2400 ميغاواط، بالمقارنة مع 7100 قبل الحرب. وبعد ذلك بشهر، قال إن وزارته كانت تتلقى أقل من نصف الكمية التي تحتاج إليها يومياً من الوقود الثقيل والغاز البالغة 10 آلاف طن و20 مليون متر مكعب على التوالي. وبما أنه يتمّ تخصيص 90 في المائة تقريباً من إنتاج الغاز السوري لتوليد الكهرباء، فقد اضطر النظام إلى التواطؤ مع تنظيم «الدولة الإسلامية» خلال السنوات التي سيطر فيها التنظيم على الحقول الشرقية.

غير أنه في 23 أيلول/سبتمبر، استولى «مجلس دير الزور العسكري» على “معمل غاز دير الزور” (المعروف أيضاً باسم حقل كونوكو)، الذي كان ينتج نحو 5 ملايين متر مكعب في اليوم منذ عام 2013. ويوفر هذا المعمل الإمدادات لمحطة جندر لتوليد الكهرباء جنوب حمص، التي كانت تعد ثالث أكبر محطة في البلاد قبل الحرب. ومن ناحية أخرى، تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» على أكبر حقول النفط في سوريا، “حقل السويدية” (الذي كان ينتج104,400  برميل يومياً في عام 2011)،  وعدة حقول أصغر حجماً مثل تلك التي تديرها “غلف ساندز” (24,100 برميل يومياً).

وتأبى دمشق أن تسمح لـ «قوات سوريا الديمقراطية» و«مجلس دير الزور العسكري» بالتمتع بميزة السيطرة على الموارد الهيدروكربونية كما فعل تنظيم «الدولة الإسلامية»، لذلك من المرجح أن تركز على منعهما من الاستحواذ على المزيد من حقول الغاز – باستعمال القوة إذا لزم الأمر. وقد أدت المنافسة على دير الزور إلى استعراض كبير للقوة في الشهر الماضي. وفي هذا السياق، قالت المتحدثة الرسمية باسم النظام بثينة شعبان لتلفزيون “المنار”: سنقاتلهم سواء كانوا من «قوات سوريا الديمقراطية» أو تنظيم «الدولة الإسلامية»، في وقت صرّح فيه زعيم الميليشيا الكردية «وحدات حماية الشعب» سيبان هامو لصحيفة “الشرق الأوسط” بأن الضربات الجوية الروسية خلال أيلول/سبتمبر كانت بمثابة “إعلان حرب”. وبدوره، قال أبو خولة للموقع الإخباري “دير الزور 24”: “لن نتردد في صدّ أي محاولة استفزازية أو اقتراب من المناطق الخاضعة لسيطرتنا”.

الاستنتاج

في الوقت الذي أصبح فيه تنظيم «الدولة الإسلامية» على شفير الانهيار، تسعى واشنطن إلى منع ظهور خلف محتمل. وسيتطلب ذلك اتخاذ تدابير توفر التهدئة وتُجنّب اندلاع أي اشتباك كبير بين النظام و«قوات سوريا الديمقراطية»، فضلاً عن فرض تدابير للسيطرة على الحدود مع العراق. كما يجب على واشنطن أن تراقب أبو خولة عن كثب لمنع قواته من إبعاد السوريين في المناطق المحررة. وإلا، فإن الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ستُستبدل بصراع جديد، الأمر الذي يهدّد المكاسب التي تحققت خلال السنوات الثلاث الماضية بالتوازي مع زيادة التوترات الأمريكية-الروسية.

باراك بارفي

معهد واشنطن