خطة عمل الأمم المتحدة لليبيا: التطلعات والتحديات

خطة عمل الأمم المتحدة لليبيا: التطلعات والتحديات

في 20 أيلول/سبتمبر، وخلال اجتماع رفيع المستوى استضافه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، قدّم رئيس “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا”، غسان سلامة، “خطة عمل جديدة لليبيا”. وتُحدّد هذه المبادرة سلسلة من الخطوات لاستئناف عملية المرحلة الانتقالية المتوقفة في ليبيا وتنشيط الحكومة التي بالكاد تؤدي أعمالها. ومن أهم هذه الخطوات تعديل “الاتفاق السياسي الليبي” الذي تم التوقيع عليه في كانون الأول/ديسمبر 2015 وإعادة هيكلة الحكومة الحالية، وعقد مؤتمر وطني شامل، ووضع اللمسات الأخيرة على الدستور وإقراره، وإجراء انتخابات بناءً على قانون انتخابي ودستور جديدين. ومن المحتمل أن تؤدي كل مرحلة من هذه المراحل إلى نشوب صراعات، يمكن أن يزعزع بعضها الاستقرار الذي تسعى خطة العمل إلى تحقيقه. ومع ذلك، فإن وجود عملية سياسية غير كاملة أفضل بكثير من مستوى العنف الذي شهدته الحرب الأهلية خلال الفترة 2014 2015.

ومن أجل تحقيق أقصى قدر ممكن من جهود سلامة، يجب على المجتمع الدولي أن يدعم الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة ويكمله، بدلاً من التعاون مع الفصائل الليبية المتنافسة التي تسعى إلى التوصل إلى اتفاق أفضل لمصالحها الخاصة. وعلى نفس القدر من الأهمية، إذا لم يشهد المجتمع الليبي تحسينات في الحياة اليومية، ولا سيما إنشاء خدمات أساسية موثوقة، [وإقرار] القانون والنظام، ومحاولة تخفيف العجز النقدي، ستزداد عدم أهمية العملية السياسية التي تقوم بها الأمم المتحدة.

الخلفية

قبل تقديم خطته، أمضى سلامة شهرين يجول فيهما ليبيا. وقد صاغ استنتاجاته بأكثر فعالية عند افتتاح لجنة الحوار الأولية المسؤولة عن تعديل “الاتفاق السياسي الليبي”. وفي إشارته إلى أن ليبيا يجب أن تحدّد، بعبارات أساسية، ما سيشكله مجتمعها، قال سلامة، “لا توجد دولة من دون وحدة وطنية متينة، ولا دولة بدون التزام شامل بالمصلحة العامة، ولا دولة من دون مؤسسات متينة يتجسد مفهومها”.

وفي الأمم المتحدة، دعا سلامة إلى عملية تسلسلية لتحسين أداء الحكومة المؤقتة وجعلها أقل عرضة للأزمات السياسية. وفي الوقت نفسه، يسعى إلى التوصل إلى اتفاق يحدّد الكيفية التي ينظر فيها الليبيون إلى دولتهم فضلاً عن دور المؤسسات الحكومية. ولتحقيق هذه الأهداف، سترعى الأمم المتحدة مؤتمراً وطنياً مكمِّلاً لعملية صياغة الدستور النهائية. وفي هذا الإطار، وضع سلامة هدفاً طموحاً أمده عام واحد لإنجاز هذه المهام، وسيبلغ ذروته في الانتخابات التشريعية والرئاسية.

​​إعادة إحياء “الاتفاق السياسي الليبي” و “حكومة الوفاق الوطني”

منذ اللحظة التي جرى فيها توقيع “الاتفاق السياسي الليبي” في الصخيرات بالمغرب، بدأ النظام السياسي الليبي يعاني من عدم الكفاءة والتحزّب. ولم يكن لرئيس الوزراء فايز السراج سلطة على بنية الحكومة الضعيفة أصلاً، ولا سيما على الهيئات الاقتصادية الرئيسية مثل “البنك المركزي”. وفيما يتعلق بالقضايا الأمنية، اعتمدت “حكومة الوفاق الوطني” على عدد كبير من الميليشيات، [للقيام بمهام] من بينها مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سرت.

وفي الإطار ذاته، اختُتِم الحوار الأولي الذي استضافه سلامة لتعديل “الاتفاق السياسي الليبي” في 1 تشرين الأول/أكتوبر. وكان المشاركون الرئيسيون أعضاء في “مجلس النواب” ومنافسه، “مجلس الدولة الأعلى”، الذي أفادت بعض التقارير أنه وافق على خفض عدد أعضاء “المجلس الرئاسي” المكوّن من تسعة أعضاء، وتعيين رئيس وزراء مستقل، وتعديل حجم ودور “مجلس الدولة الأعلى” و”مجلس النواب”. وفي هذه المرحلة الأولية، لم تتم أي مناقشة بشأن المسألة الحساسة المتمثلة بسلطة “المجلس الرئاسي”، على النحو المنصوص عليه في المادة 8 الأصلية من “الاتفاق السياسي الليبي”، بشأن تعيين القيادة العسكرية، أو ما إذا كان سيحتفظ الجيش باستقلاله، كما يطالب بإصرار قائد “الجيش الوطني الليبي” في الشرق، الجنرال خليفة حفتر. بالإضافة إلى ذلك، لا يُعرف حتى الآن ما هي الصلاحيات التي منحتها القيادة السياسية لـ “مجلس النواب” و”مجلس الدولة الأعلى” لممثّليها في لجنة الحوار. ويأتي ممثّلون من كلا الهيئتين من المدن الثانوية (أي ليس من طرابلس أو بنغازي أو مصراتة)، ممّا يدل على أنهم لا يملكون سلطة حقيقية للتفاوض نيابة عن فصائلهم.

ومن الناحية النظرية، سيؤدي تعديل “الاتفاق السياسي الليبي” إلى تمكين حكومة جديدة مع رئيس وزرائها. وبالتالي، يجب على سراج أو من يصبح رئيساً للوزراء العمل مع “البنك المركزي” ووزارة المالية للتخفيف من أزمة السيولة التي تمنع الليبيين من الحصول على الأموال النقدية، فضلاً عن تخصيص ميزانية لتلبية احتياجات البنية التحتية الحيوية مثل النقص في الطاقة والمياه والمواد الطبية.

وللأسف، إذا كان الماضي تمهيد لما سيحصل، فمن السهل أن تتعثر عملية تعديل “الاتفاق السياسي الليبي” في نزاعات قد تنشأ حول تعيينات محدّدة، أو حول السلطات النسبية للمؤسسات (على سبيل المثال، “المجلس الرئاسي”، رئيس الوزراء، “مجلس النواب”)، أو دور الجنرال حفتر. وبالفعل، أفادت بعض التقارير أنه قدّ تم تعطيل اللقاء الثاني للجنة الحوار في تونس، مما يشير إلى أنه ينبغي على رئيس “بعثة الأمم المتحدة للدعم” في ليبيا، غسان سلامة، أن ينشئ نظاماً لتسوية المنازعات تتّفق عليه جميع الأطراف. وقد يجبر هذا الأمر الأمم المتحدة على إبعاد بعض العناصر الليبية. ولكن من دون نظام قضائي ليبي عامل، لا يوجد مسار واضح آخر نحو تعديل “الاتفاق السياسي الليبي” أو الدستور.

“المؤتمر الوطني” و”الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور”

إذا كان تعديل “الاتفاق السياسي الليبي” هو الوسيلة لجعل الحكومة تعمل بشكل مؤقت، فإن سلامة يرى أن الحل الطويل الأجل لأزمة الشرعية السياسية في ليبيا تكمن في عقد حوار سياسي شامل وجامع – أي عقد مؤتمر وطني.

ولا يزال هيكل المؤتمر، وصيغته، والمشاركون المحدّدون فيه، وجدوله الزمني غير واضحة المعالم. ووفقاً لـ”بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا”، تشمل أهداف سلامة إضفاء الشرعية على “خطة عمل” الأمم المتحدة، وتحقيق شمولية أكبر بالمقارنة مع “مجلس النواب” و”مجلس الدولة الأعلى”، فضلاً عن توفير البصائر لمشروع الدستور قبل الانتقال إلى الاستفتاء الوطني. وبالفعل، وافقت “الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور” على مسودة مشروع في أواخر تموز/يوليو، إلاّ أنه تم الطعن فيه بحكم قضائي، وهدّد مسلّحون أعضاء الهيئة التأسيسية إذا ما فشلوا في اعتماد تغييرات معيّنة. ومن هنا يبدو أنه ستتم مناقشة نصّ المشروع مرة أخرى قبل إجراء الاستفتاء.

أما بالنسبة للهدف المعلن من قبل سلامة بأن يحقق المؤتمر “اللحظة المثالية من …المصالحة الوطنية”، فيجب أن يصاحب ذلك جدول زمني أكثر تفصيلاً بالإضافة إلى تحديد مواضيع محددة، وإلّا سيكون سعيه غير محدّد الأجل. وفي هذا الإطار، تعتبر المصالحة الوطنية، التي يمكن أن تشمل أي شيء من حل النزاعات الإقليمية والقبلية والعرقية إلى إعادة دمج أعضاء النظام السابق، هدفاً طموحاً جداً لا يتحقق من خلال عملية أمدها عام واحد.

وفي الوقت نفسه، أوصى سلامة بإقامة حوار حول دور الجماعات المسلحة و”مبادرة توحيد الجيش الوطني”. وكان من المفترض إجراء مثل هذا الحوار مع سَن “الاتفاق السياسي الليبي” الأصلي، لكنه لم يحدث قط. وفي الوقت الراهن، يجب أن يبدأ هذا الحوار بجدية، وهو إجراء يمكن أن تساعد الأمم المتحدة في تعجيله من خلال الاستعانة بممثل عسكري دولي محايد كمراقب. وقد يُنظر إلى الجنرال الإيطالي باولو سيرا، الذي يشغل منصب نائب سلامة للشؤون الأمنية – ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإرث الاستعماري الإيطالي – بأنه متحيز جداً لكي يتزعم الحوار بشأن تحديد قوات الأمن الليبية.

النظر في دور أمريكي

ظلت إدارة ترامب طرفاً محورياً في معالجة الأزمة السياسية في ليبيا. ففي 22 أيلول/سبتمبر، أصدرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية بياناً أثنت فيه على “محاولات التواصل الدؤوبة” التي يقوم بها سلامة ودعت “جميع الليبيين إلى دعم جهود الوساطة التي يقوم بها سلامة والمشاركة فيها”. ولكن الدعم الدبلوماسي الأمريكي النشط لمبادرة الأمم المتحدة لا يزال حتى الآن مقتصراً على جهود السفير الأمريكي في ليبيا بيتر بود، الذي يواصل عمله من تونس.

وحتى في غياب مشاركة دبلوماسية رفيعة المستوى مع الفصائل الليبية، يمكن للولايات المتحدة أن تدعم خطة عمل الأمم المتحدة بطريقتين رئيسيتين. أولاً، ينبغي أن تستمر في تشجيع جميع الأطراف التي لديها مصالح في ليبيا على دعم جهود الحوار التي تقودها الأمم المتحدة، وأن تسعى بنشاط لثني الفصائل الليبية عن الدعوة إلى الحصول على توصيات منفصلة أو إنشاء منتديات بديلة للوساطة. وفي الوقت الحالي، تؤيّد معظم الجهات الفاعلة الدولية خطة سلامة. ومن الأهمية بمكان أن يُذكر أن مجلس الأمن الدولي أصدر في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر “بياناً رئاسياً” مؤيداً لخطة العمل التي تؤكّد على “ضرورة قيام جميع الدول الأعضاء بدعم أولوية الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة في ليبيا”. ويضم مجلس الأمن روسيا وفرنسا، التي تشغل حالياً منصب رئيس المجلس، بالإضافة إلى مصر وإيطاليا. وفي الواقع، يبقى أن نرى إلى أي درجة ستكون الجهات الخارجية الفاعلة صبورة مع إجراءات سلامة وكيف أن التزامها في “دعم سيادة الأمم المتحدة” سيتوافق مع مصالحها الفردية لرؤية ليبيا في حالة استقرار، وتسليط مكانتها كمنطقة آمنة من الإرهابيين، أو رؤية حفتر يتولّى السلطة. وعلى أقل تقدير، يجب على الولايات المتحدة أن تحثّ جميع الأطراف الفاعلة الدولية التي لديها مصالح في ليبيا على منح عملية الأمم المتحدة فرصة، كما تعهّدت أن تفعل.

ثانياً، إلى جانب الجهود الأخرى التي يقوم بها سلامة، فإنه دعا الدول الأعضاء إلى “المشاركة فى جولة جديدة لتمويل صندوق الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار، لكي يتمكن من توسيع نطاق التنفيذ بشكل كبير”. ويتعين على الصندوق، الذي يهدف إلى تلبية احتياجات الأثر العاجل للسكان الليبيين مثل نقص الإمداد بالكهرباء والماء وقلّة اللوازم الطبية، الحصول على الموارد اللازمة للاضطلاع بمهمته. يجب على الولايات المتحدة أن تجد طريقة لإعادة تخصيص بعض التمويل الحالي الأقل إلحاحاً والتابع لبرامج ليبيا لـ”صندوق تحقيق الاستقرار” وتحفيز شركائها الأوروبيين والخليجيين لمجاراة هذا التمويل أو تجاوزه. بإمكان واشنطن أن تدرس أيضاً إمكانية إلغاء تجميد بعض الحسابات السائلة داخل “المؤسسة الليبية للاستثمار” – أي صندوق الثروة السيادية في عهد القذافي – والمجمدة منذ عام 2011، ونقلها مباشرة إلى “صندوق تحقيق الاستقرار”.

ومن الأمور الملحّة بشكل خاص، جعل “حكومة الوفاق الوطني” المؤقتة أكثر فعالية بالإضافة إلى تمويل “صندوق تحقيق الاستقرار”. وإذا لم يلمس الليبيون أي تحسّن في حياتهم اليومية، وخاصة فيما يخص تقديم خدمات يمكن الاعتماد عليها بشكل أكبر، وحل أزمة نقص السيولة، فسوف تتعثّر خطة العمل التي تقوم بها الأمم المتحدة.

بين فيشمان

معهد واشنطن