ما بعد دمار الرقة: هل من سبيل للعودة؟

ما بعد دمار الرقة: هل من سبيل للعودة؟

 أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» والسيطرة رسمياً على مدينة الرقة، بعد أيام من السيطرة الفعلية عليها وقيام «قسد» وكتائب الهندسة في التحالف الدولي بتفكيك العبوات من الشوارع الرئيسية في المدينة، والبدء بعملية تحديد عشرات الأنفاق التي حفرها التنظيم بين أحياء المدينة.
وجاء الإعلان الرسمي (الجمعة الماضي) بعد يوم من رفع صورة كبيرة لقائد حزب العمال الكردستاني، عبد الله اوجلان في دوار النعيم، أحد أبرز معالم المدينة. وهذا هو المكان الذي تظاهر فيه نشطاء الثورة من أبناء المدينة مرات عديدة ضد النظام وتنظيم «الدولة»، وتحول خلال سيطرة التنظيم على الرقة إلى ساحة عرض ليظهر وحشية التنظيم وقوته، فعلق رؤوس مناهضيه على السور المعدني للدوار، وقام بعمليات إعدام وقطع أيدٍي في محاولة إرهاب أهالي المدينة ومخالفيه في كل مكان، ليسمى في ظل سيطرة التنظيم بدوار «الجحيم».
في المكان نفسه تشابهت حركات استعراض القوة وصور الزعماء، فقد بثت وسائط التواصل الاجتماعي صورا لمقاتلي «وحدات حماية الشعب» يقومون بحركات استعراضية لعربة «بي إم بي» في مشهدية مطابقة لاستعراض عناصر التنظيم في 2014.
وعلق رئيس مجلس محافظة الرقة الحرة، المحامي سعد الشويش، على إعلان قسد سيطرتها على المدينة، قائلاً: «خرجت المحافظة من حكم الإرهاب الأسود الداعشي إلى الإرهاب الأصفر، لو كانت قوى محررة لما رفعت صورة أوجلان على أشلاء المدنيين وخراب المدينة». ووصف مجلس الرقة المدني بـ «مجلس قسد»، مضيفا: «شكلته قوى الأمر الواقع العسكرية، الأعضاء العرب المشاركون في المجلس من أزلام النظام وأصحاب السوابق، والعناصر الكردية فيه هم أعضاء في حزب الاتحاد الديقراطي وذراعه العسكري».
وتخلف مجلس محافظة الرقة الحرة عن اجتماع روما نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، الذي دعت إليه الخارجية الأمريكية لبحث «مستقبل الرقة وإدارتها في مرحلة ما بعد داعش». وحضر الاجتماع ممثلون عن الاتحاد الأوروبي والخارجية الإيطالية وآخرون عن منظمات المجتمع المدني العاملة في الجزيرة السورية. فيما أشارت مصادر مقربة من مجلس المحافظة أن المجلس «لم يتلق تشجيعا على الحضور من الجانب التركي، وأنه نصح بعدم السفر والمشاركة».
ويعتبر مؤتمر روما خطوة أمريكية استباقية قبل طرد التنظيم من الرقة، إذ تنوي واشنطن إطلاق مؤتمر خاص من أجل «إعادة اعمار الرقة» بعد تدمير نحو 70 في المئة من المدينة وتدمير كامل بنيتها التحتية، وهو ما يعيق عودة المدنيين إلى فترة طويلة تقدر بما لا يقل عن ستة أشهر في الحد الأدنى، ريثما تنتهي عمليات إزالة الأنقاض بشكل أولى. ويبقى السؤال الرئيسي، أين سيسكن الناس بعد إزالة الأنقاض؟ وهو ما يعني دخول أمريكا والاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية في سباق مع الزمن من أجل إعادة إعمار المدينة. ومن المعروف أن تركيا سترفض المشاركة في ظل هيمنة وحدات الحماية التي تصنف إرهابية في أنقرة، وهذا سيفوّت فائدة اقتصادية كبيرة على الخزانة التركية، فحساسية الأمن القومي لأنقرة أكبر بكثير من حساسيتها الاقتصادية بكل تأكيد. إلا أن دورا روسيا محتملاً في «إعادة اعمار الرقة»، وفي حال توافق أمريكي ـ روسي، سيوجِد موطئ قدم لتركيا في الرقة عبر البوابة الروسية.
إلى ذلك، اتهم نشطاء رقيون «قسد» بإبرام صفقة سمحت بخروج مقاتلي التنظيم الأجانب، والرضوخ إلى شرطه بإخراج بعض المدنيين كدروع بشرية. واطلعت «القدس العربي» على شريط مصور يظهر خروج عربات شحن كبيرة تنقل مقاتلي التظيم من قلب المدينة بأسلحتهم المتوسطة والخفيفة باتجاه شرق الرقة. وقالت مصادر محلية إن «رتلا كبيرا لعناصر التنظيم توجه إلى دير الزور في منطقة الجزيرة، شرق نهر الفرات وصولا الى منطقة الخشام، حيث تم عبرها الانتقال إلى منطقة سيطرة التنظيم في دير الزور شرق سوريا».
وأفاد كبير مفاوضي المعارضة السورية، المحامي محمد صبرا، أن «اصطحاب مدنيين من قبل داعش كدروع بشرية ينطبق عليه الوصف القانوني لجريمة حرب». ووصف هؤلاء المدنيين بأنهم «رهائن تمّ حجز حريتهم وإجبارهم قسرا على مرافقة قوافل داعش التي خرجت من الرقة، وهذه الجريمة، أي أخذ رهائن، نصت عليها الفقرة ج من البند 2 من المادة الثامنة من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية. وللتنويه الفقرة ج مخصصة لجرائم الحرب التي تحدث في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، وهو ما ينطبق تماما على وضع النزاع المسلح في الرقة». ونوه صبرا إلى أن أي «عملية تسهيل لهذا الأمر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وقوات البي واي دي يجعل منهما معا شركاء في ارتكاب جريمة حرب».
ولم تستجب قسد حتى اللحظة لنداءات أهالي المعتقلين والمختطفين لدى التنظيم، اذ يُعتبر الملعب البلدي السجن الرئيسي للتنظيم ويعتقد أهالي الرقة انه يضم مئات المعتقلين بعضهم اعتقل في 2014 عندما سيطر التنظيم على المدينة وشرق سوريا، وآخرين اعتقلوا قبل بضعة أشهر خلال معركة «تحرير الرقة».
من جهة أخرى، فان الدمار الكبير والسيطرة الأمنية لـ»وحدات حماية الشعب» سيعيقان عملية عودة أكثر من 200 ألف مدني من أبناء مدينة الرقة، وعددا مشابها من أبناء ريف المحافظة مقيمين في مدينة أورفا التركية، جنوب البلاد. ومن غير الواضح حتى اللحظة ما إذا كانت ضغوط تمارسها أمريكا على حليفتها قسد، سوف تسمح بعودة المدنيين أو نشطاء المدينة من العرب المناهضين لها، أو قطع وعد بسلامة حياتهم وعدم ملاحقتهم. يضاف إلى ذلك أن الحدود مغلقة من الجانب التركي، بسبب سيطرة الوحدات على معبر تل أبيض الحدودي.

منهل باريش

صحيفة القدس العربي