مدن عالمية مهددة بالغرق والاختفاء بسبب الاحتباس الحراري

مدن عالمية مهددة بالغرق والاختفاء بسبب الاحتباس الحراري

اسهم ازدهار صناعة الوقود الأحفوري في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك بسبب الانبعاثات الغازية التي تم إنتاجها طيلة الـ 28 سنة الماضية ، بين (1988-2016).
ويشير اصطلاح التغير المناخي أو ارتفاع درجة حرارة الأرض، إلى التأثيرات الضارة للغازات أو الانبعاثات التي تلوث الهواء التي تتسبب بها الصناعة والزراعة وتؤثر على الغلاف الجوي للأرض.
ولمواجهة مشكلة الاحتباس الحراري اتفقت كبرى الدول الصناعية على تنفيذ مشروع للكشف عن انبعاثات الكربون الذي يهدف إلى دراسة الأثر البيئي للشركات العالمية الكبرى، والذي نُشر، في يونيو/ حزيران 2017 ، بالتعاون مع معهد المساءلة المناخية الأمريكي.
واثبت “مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون” وجود قرابة 100 شركة مسؤولة عن إنتاج حوالي 71 % من الغاز المسبب للاحتباس الحراري، منذ سنة 1988″.
ويهدف المشروع الذي استهدف، أساسا، الشركات المنتجة للوقود الأحفوري (النفط، والفحم، والغاز الطبيعي يهدف الى توعية الشركات والبلدان بحجم الضرر الذي يلحقونه بكوكب الأرض، مبينا أن “25 شركة من هذه الشركات، أنتجت وحدها حوالي نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ومن هذه الشركات: “غازبروم” الروسية، و”صنكور”، و”إكسون موبيل”، التي كان يترأسها، في السابق، وزير الخارجية الأمريكي الحالي ريكس تيلرسون، فضلا عن شركتيْ توتال، وشال، وشركة آبل التي تستهلك حوالي 83% من الطاقة المتجددة مقابل 67 % للشركة التي أسسها مارك زوكربيرغ، و56 % لمحرك البحث جوجل.
وبالإضافة إلى ذلك، يكشف التقرير، الذي استند الى جملة من البيانات المعروفة والعامة، عن تأتّي خُمس هذه الانبعاثات من الشركات المستفيدة من الأموال العامة، فيما نتج حوالي 41%من الانبعاثات على مدى السنوات 28 الماضية من الشركات التي يديرها المستثمرون، على غرار شركة بيبادي، وشيفرون، وتوتال.
وتجدر الإشارة إلى أن قائمة الشركات المسؤولة نسبيا عن تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري تشمل بعض شركات الفحم التي تُصدر كميات هائلة من الانبعاثات الكربونية، والتي من المتوقع أن تشهد ازدهارا خلال السنوات المقبلة.
ودعا مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون هذه الشركات لتحمل مسؤوليتها، مشددا على وقف استثماراتها في هذه الطاقات، وفي حال واصلت على هذه الوتيرة، فسترتفع درجة حرارة الأرض خلال الـ 28 سنة المقبلة، أربع درجات أخرى.

ونصت اتفاقية باريس، لقمة المناخ والحد من ارتفاع الحرارة التي تم اقرارها بالعاصمة الفرنسية باريس يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2015 على التزام جميع الدول بمحاربة تغيير المناخ، وتقليل مستوى الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى مستويات يمكن للأشجار والتربة والمحيطات امتصاصها بشكل طبيعي.
وعدت الهند، ثالث بلد مصدر للغازات المتسببة في الاحتباس الحراري، بالحد من الانبعاثات الكربونية ومضاعفة إمكاناتها الإنتاجية من الطاقة الشمسية، خلال السبع السنوات المقبلة، على غرار الصين.

وقد اتفقت الدول الموقعة على اتفاقية باريس التي تُعنى بتقليل ارتفاع درجة حرارة الأرض الناجم عن هذه الانبعاثات الغازية، على مايلي:
• الاحتفاظ بدرجات حرارة الأرض بمستوى “أقل بكثير” من مستوى 2 سي (3.6 فهرنهايت) فوق المستوى الذي كانت عليه في أزمنة ما قبل الصناعة “والسعي لتقليلها” حتى إلى مستوى أكثر من ذلك وهو 1.5 درجة مئوية.
• تقليل كمية الغازات الدفيئة المنبعثة من نشاطات الإنسان إلى المستويات ذاتها التي يمكن للأشجار والتربة والمحيطات امتصاصها بشكل طبيعي، بين 2050 و 2100.
• مراجعة مساهمة كل دولة في تقليل انبعاث الغازات كل خمس سنوات ما يسمح بقياس حجم مواجهة تحدي التغير المناخي.
• تمكين الدول الغنية من مساعدة الفقيرة بتزويدها بتمويلات لمساعدتها في التأقلم مع التغير المناخي والانتقال إلى مصادر طاقة متجددة، تطمح خلالها الدول إلى التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 2 درجة مئوية أو 1.5 درجة مئوية، دعّمت بعض الشركات الكبيرة على غرار “أم بي بي”، و”إكسون موبيل”، و”شال”، و”توتال”؛ فرض ضريبة على الكربون.

وفي السياق نفسه ، دعت الناشطة في منظمة “أصدقاء الأرض” لوسي بينسون الى أنه “من الضروري منع تطور استثمارات هذه الشركة في حال كنا نريد احترام اتفاقية باريس للمناخ”. والجدير بالذكر أن كلا من شركات “جوجل”، و”الفيسبوك” و”ايكيا”، ملتزمة باستخدام 100 % من الطاقة المتجددة.
وأعلنت شركة صناعة السيارات السويدية “فولفو” أن كل سياراتها ستكون كهربائية أو هجينة في غضون السنتين المقبلتين.
الطاقة المتجددة أكثر ربحا :
دعا مؤسس الحركة العالمية بشأن تغير المناخ، بيل ماكيبين، الى سحب الاستثمارات المتعلقة بالوقود الأحفوري موضحا ان “شركات الوقود الأحفوري على دراية بأنها لم تعد مواكبة لمستجدات العصر، فضلا عن أنها تعي تماما أن عوائد الاستثمارات في الفحم والغاز والنفط هي أقل بكثير من تلك التي تجنيها الشركات التي تعمل في مجال الطاقات المتجددة بشكل خاص”.
وفي واقع الأمر، فهم بعض البلدان أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يعد مربحا أكثر وأن عائداته طويلة الأمد، ووفقا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، فإن مضاعفة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي، بحلول سنة 2030، من شأنه أن يسهم في توفير 4200 مليار دولار (أي ما يعادل 3740 مليار يورو في السنة).
وجاء اعلان عشر شركات نفط وغاز عالمية عملاقة يوم الجمعة 27/10/2017عن استثمارات في المجال التقني لخفض انبعاثات غازات الدفيئة المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض، خلال اجتماع عقد في لندن.
حيث اجتمعت شركة “بي جي غروب” و”بي بي” و”اي ان ايه” و”بيميكس” و”ريبسول” و”ارامكو” السعودية و”ريلاينس انداستريز” و”رويل دوتش شيل” و”ستاتويل” و”توتال” ضمن اطار “مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ” (او جي سي آي) بهدف الاستثمار والعمل المشترك للمساهمة في مكافحة التغير المناخي.

وأعلنت هذه المجموعات انشاء صندوق استثماري بقيمة مليار دولار ، منذ نوفمبر 2016، يهدف الى دعم التقدم التقني الذي بإمكانه خفض انبعاثات غازات الدفيئة الى حد كبير، فكان الاستثمار في مجموعة “سوليديا تكنولوجيز” لإنتاج الاسمنت، مقرها في الولايات المتحدة، والتي تمكنت تقنيتها من خفض الانبعاثات، “مستخدمة ثاني أكسيد الكربون بدلا من المياه لتجميد الاسمنت”. واستثمار مع شركة “أشاتس باور” التي تطور محركات مبتكرة “قادرة على خفض انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة من المركبات إلى حد بعيد”.

وتطوير محطة غاز واسعة النطاق لالتقاط الكربون وتخزينه بدعم من الصندوق ، وقدرة المحطة على تخزين ثاني أكسيد الكربون الصناعي”، وفصله.
وصرّحت المديرة التنفيذية لـ”مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ” براتيما رانغاراجان في بيان أن هذه الاستثمارات الثلاثة “قادرة على التأثير في شكل كبير في انبعاثات غازات الدفيئة”، وشرح المدراء التنفيذيون العشرة في تصريح مشترك أن “الغاز الطبيعي هو عنصر أساس للانتقال الى مستقبل ذي نسبة كربون منخفضة، موضحين ان هدفهم هو العمل للتوصل الى انبعاثات شبه معدومة لغاز الميثان”.

الغازات الدفيئة :
وهي غازات توجد في الغلاف الجوي وتمتص الأشعة تحت الحمراء المرتدة من سطح الأرض بسبب ضوء الشمس، ويُقدر عدد أنواعها بأربعين، حسب اللجنة الدولية المكلفة بمتابعة تطور المناخ.
ويُؤدي امتصاص هذه الغازات -التي من أكثرها شيوعا ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والميثان وأحادي أكسيد الآزوت- الأشعة تحت الحمراء المرتدة من سطح الأرض إلى تراكم كميات كبيرة منها في الغلاف الجوي، وهو ما يُحدث أثرا حراريا مباشرا على كوكب الأرض بحكم قرب الغلاف الجوي من سطح الأرض، وتُعرف هذه الظاهرة بالانحباس الحراري.
ويُصنف غاز ثاني أكسيد الكربون والآزوت على أنهما أوفر غازين ملوثين يوجدان طبيعيا في الغلاف الجوي، ويُمثلان على التوالي 78 و21% من الغازات الدفيئة المنبعثة من الأرض نتيجة النشاط البشري والبيئي الطبيعي وغير الصناعي.
أما النشاط الصناعي فهو المسؤول الأول عن إنتاج وتكدس غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وفضلا عن وجود غازات دفيئة طبيعية في الغلاف الجوي فإن كمية كبيرة من الغازات الدفيئة، وشديدة الأثر على تفاقم الانحباس الحراري، تقع مسؤولية وجودها في الجو بشكل كامل على النشاط الصناعي الذي يقوم به الإنسان.

وتعد ظاهرة الانحباس الحراري مقلقة لما لها من أثر تدميري مباشر على الأرض والبشرية، ولذلك بدأت تستأثر باهتمام المجموعة الدولية منذ أواخر ستينيات القرن العشرين، وبلغ ذلك الاهتمام ذروته بعقد “قمة الأرض” في ريو دي جانيرو بالبرازيل صيف 1992 بمشاركة أكثر من 190 دولة، رغم أنها القمة الثالثة من نوعها بعد قمتيْ ستوكهولم ونيروبي في 1972 و1982.
وسعت هذه القمة والقمم اللاحقة عليها -ومنها قمة جوهانسبورغ وكيوتو وكوبنهاغن- للحد من انبعاث غازات الدفيئة لتجنب كارثة بيئية شاملة، حسب المعطيات المتوفرة لدى مراكز البحث والمختصين، والتي تُحذر من ارتفاع حرارة الأرض عند نهاية القرن الـ21، بمتوسط قدره درجتان مقارنة بمتوسط حرارتها عند بدء تدوين درجات الحرارة مع مجيء الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر .
مع العلم إنه إذا بقيت هذه البلدان تستخدم الفحم مصدرا رئيسا للطاقة وتستثمر في مجاله، فذلك يعني أنها لم تلتزم بوعودها وتعهداتها تجاه اتفاقية المناخ، وفي هذا الإطار، خططت بكين في آخر خطة خماسية وضعتها للحد من نصيب الفحم في من حجم الطاقة التي تستهلكها أو تنتجها من 64 % إلى أقل من 58 %، بحلول سنة 2020.

يذكر أن الاستثمارات التي أعلنها اليوم صندوق المناخ تستخدم شركة سوليديا تكنولوجيز طريقة حاصلة على براءة اختراع لإنتاج الأسمنت بمقدورها تحقيق معدلات أقل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 70 %مقارنة بالطرق التقليدية لإنتاج الخرسانة، وتقلل من استهلاك المياه بنسبة 80 %من خلال استخدام ثاني أكسيد الكربون في معالجة الإسمنت بدلا عن الماء، وكذلك تطور شركة أكاتيس باور المحركات ذات المكابس المتعاكسة القادرة على خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تطلقها المركبات بشكل كبير.
وبدعم من صندوق استثمارات المناخ، كجزء من تحالف يجمع مصنعي المحركات، تهدف شركة أكاتيس باور لتسريع وتيرة تبني تقنياتها للمحركات حول العالم.
ورغم المخاطر الجلية للانحباس الحراري فإن الخلافات ظلت قائمة بين الدول حول نسب الحد من غازات الدفيئة وتناسبها مع النشاط الصناعي لكل دولة، فالولايات المتحدة ومعها الصين (وهما أكبر ملوثين للبيئة في العالم) ترفضان الحد من انبعاث غازات الدفيئة إلا في نطاقٍ محدود، وتحتجان بأن أي حد يعني في الواقع إبطاء وتيرة النشاط الصناعي، وهو ما سيؤثر على التنمية الاقتصادية.

وقد اعرب زعماء عالميون عن خيبة أمل نتيجة انسحاب أمريكا من اتفاقية مكافحة تغير المناخ :
وترى الولايات المتحدة على لسان رئيسها دونالد ترمب أن الاتفاقية “تعاقب الولايات المتحدة وتكلفها ملايين فرص العمل”.
وتلزم الاتفاقية الولايات المتحدة و 187 دولة أخرى بالإبقاء على ارتفاع معدلات الحرارة عند مستوى 2 مئوية فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية، ومحاولة خفض هذا المستوى إلى 1.5.
وقالت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إنه في اسوأ الحالات قد تضيف الولايات المتحدة 0.3 درجة حرارية إلى المستوى العالمي بحلول نهاية القرن.
ويقول محللون إن التحرك الواسع من قبل شركات النفط والغاز العالمية للاستثمار في حماية البيئة يأتي بعد تزايد الضغوط الشعبية للحد من الانبعاثات وإن المبادرة التي أعلنتها الشركات يمكن أن تتسع في المستقبل مع تزايد المخاطر البيئية.

شذى خليل
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية