رحلة ترامب إلى آسيا: مهرجان للإطراء المتملق

رحلة ترامب إلى آسيا: مهرجان للإطراء المتملق

غالباً ما تكون الرحلات الرئاسية إلى الخارج أكثر صلة بالأبهة وصناعة الخطب والبلاغة، منها بصنع السياسة الموضوعية. لكن جولة الرئيس ترامب الطويلة في آسيا تبدو متسمة بالخفّة بشكل خاص. ففي توقفاته حتى الآن في اليابان وكوريا الجنوبية والصين وفيتنام، أهال الرئيس ترامب الإطراء والمجاملات والمدائح المتملقة على مضيفيه -وخاصة الرئيس الصيني شي جين بينغ- وتجنب إلى حد كبير نمط التغريدات الاستفزازية. وفي حين أنه بذل جهداً كبيراً لتعزيز علاقاته الشخصية مع القادة الآسيويين، فإنه تجاهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتراجع عن حضور اجتماع ثنائي كان مقرراً خلال القمة التى يحضرها كلاهما.
ومع ذلك، تبدو الجولة بشكل عام وكأنها فرصة ضائعة للسيد ترامب، والتي كان يمكن أن يعرض فيها صيغاً أكثر تفصيلاً وقابلية للتطبيق لسياساته الأمنية والاقتصادية. وقد ألقى بضعة خطابات سياسية حول  مجموعة من القضايا، والتي كان واحد منها عن التهديد النووي الذي تشكله كوريا الشمالية، وكان واحد آخر حول علاقات الولايات المتحدة الاقتصادية والتجارية مع آسيا. ومع ذلك، كانت تلك الخطابات مرصعة بالغايات والخطابة غير الواقعية، والتي تبدو أكثر ملاءمة لحملة انتخابية منها للساحة الدبلوماسية.
بدا الخطاب الذي ألقاه السيد ترامب في مدينة دانانغ الفيتنامية يوم الجمعة وكأنه اقتُطِف من إحدى التجمعات الانتخابية التي كان يقيمها في الولايات المتحدة. وفيه، ندد “بالتجاوزات التجارية المزمنة” التى قال إنها “جردت… الأعمال والمصانع والصناعات”، وتعهد بأننا “لن نسمح باستغلال الولايات المتحدة بعد الآن”. لكنه لم يقدم أي وسائل محددة للعلاج، سوى الرغبة المبهمة في “عقد اتفاقات تجارية ثنائية مع أي دولة هندو-باسيفيكية”. وبالنظر إلى إصرار الرئيس على إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية التجارية الحالية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، فإن من المرجح أن يحصل على القليل من المشترين لعرضه من بين الدول الإحدى عشرة التي انضمت إلى اتفاقية الشراكة متعددة الأطراف عبر المحيط الهادئ، التي رفضها السيد ترامب؛ وبدلاً من ذلك، سوف تعمل هذه الدول بطريقة أو بأخرى على المضي قدماً من دون الولايات المتحدة.
وفي العاصمة الكورية الجنوبية سيول، ألقى السيد ترامب خطاباً عبَّر بطريقة مثيرة للإعجاب عن الأهوال التي تشكلها كوريا الشمالية -وليس فقط من حيث سعيها الحثيث إلى امتلاك ترسانة نووية، بل وأيضاً من حيث استعبادها الاستبدادي لشعبها. وفيما يُحسَب له، فإنه تجنب تكرار التهديدات السابقة بإخضاع كوريا الشمالية “للحريق والغضب”، وعرض آفاقاً لعقد المفاوضات التي كان يصفها سابقاً بأنها مضيعة للوقت. ولكن الشروط التي كررها السيد ترامب علناً –أن يقبل نظام كيم جونغ أون بـ”نزع كامل للسلاح النووي” في بداية العملية- كانت غير واقعية.
كما تبدو فكرة الرئيس عن كيفية تحقيق هذا الاختراق بعيدة المنال بنفس المقدار أيضاً. ووفقاً لما ذكره وزير الخارجية ريكس تيلرسون، فإن السيد ترامب قال للزعيم الصيني السيد شي، “أنت رجل قوي” و”أنا متأكد من أنك تستطيع حل هذه المسألة من أجلي”. وفي العلن، اقترح السيد ترامب أن توقف بكين كل تعاملاتها التجارية مع بيونغ يانغ وأن ترسل العمال الكوريين الشماليين إلى وطنهم. لكن حكومة السيد شي رفضت مراراً فكرة أنها تستطيع -أو أنها ستقوم- بتسليم السيد كيم. وقد شكل الإطراء العلني المفرط الذي أهاله السيد ترامب على الزعيم الصيني، الذي وصفه بأنه “رجل خاص جداً”، وقبوله بالممارسات الأوتوقراطية الجاهزة مثل حظر الأسئلة في المؤتمر الصحفي، شكل ذلك توقيراً مفرطاً غير لائق لديكتاتور.
يقال إن السيد تيلرسون يتبنى نهجاً أكثر واقعية تجاه بيونغ يانغ، حيث يعرض الحوار بعد تجميد برامج الصواريخ والتجارب النووية لمدة 60 يوماً. ولكن الإدارة بشكل عام تفتقر بشكل واضح إلى استراتيجية منسقة للعمل وفقاً لخطاب الرئيس. وفي غياب مثل هذه الاستراتيجية، سرعان ما ستُنسى الأنخاب والتهديدات التي ضمتها هذه الرحلة الرئاسية في آسيا.

ترجمة صحيفة الغد