إدلب.. ما الذي يعنيه تحريرها؟ وإلى أين؟

إدلب.. ما الذي يعنيه تحريرها؟ وإلى أين؟

أربعة أيام فصلت بين إعلان الثوار السوريين بدء معركة تحرير مدينة إدلب تحت اسم عملية جيش الفتح، وبين تحريرها في الـ28 من آذار/ مارس وعودة أهلها والمقاتلين إليها، في مشهد كثيف المشاعر والتفاصيل والتبعات الاستراتيجية، وكثير المخاوف والاحتمالات المستقبلية، أمام ما يمكن تسميته “تأثير الموصل” نسبة للمدينة التي انهارت دفاعات جيشها النظامي خلال أيام أمام هجوم تنظيم الدولة، ومستحضرة مع هذا التحرير المآسي التي رافقت دخول تنظيم الدولة إلى الموصل من ناحية، ولكون إدلب ثاني مركز مدني يتحرر بعد الرقة التي أعاد تنظيم الدولة احتلالها بعد أن خرج منها النظام، من ناحية أخرى.

شارك بتحرير إدلب ضمن عملية جيش الفتح: أحرار الشام التي توحدت قبل يومين من إعلان العملية مع صقور الشام لتصبح أكبر الفصائل المسلحة الثورية في سوريا، وجبهة النصرة، أكثر الفصائل الثورية -مع جدليتها وارتباطها بالقاعدة- فعالية وقدرة، وفصائل محلية وإسلامية مختلفة.

مكاسب المركز المدني

بهذا التحرير، تصبح مدينةُ إدلب المدينةَ الوحيدة التي يسيطر عليها الثوار بشكل كامل، مقابل الرقة التي حررها الثوار ثم أخذتها الدولة، أو حلب ودير الزور اللتين تشهدان معارك داخل المدينة، أو السيطرة الكاملة للنظام داخل هذه مراكز المدن.

وليست خسارة النظام لأحد مدنه، وما يصاحب ذلك من هزيمة نفسية لجنوده ومؤيديه أمام هذا الانهيار السريع المخزي، أو الإحراج السياسي الذي يصاحبه مقابل ما يعلن عنه ويروج له للعالم من سيطرته على الأرض السورية، كمدخل وتمهيد لأي حل سياسي مستقبلي، هي مكاسب الثوار وحسب؛ بل رافق ذلك البعد المدني الذي تحتاجه الثورة من مرافق موزعة جغرافيّا، وبنية تحتية تسهل العمل والانطلاق لما حولها، ومراكز إدارية تساعد الثورة على إدارة نفسها، وتثبيت هذا المسمار بنعش النظام، كأول خطوة تثبت بها نفسها كدولة، وهو ما دعى الحكومة المؤقتة لإعلان نقل مقراتها إلى المحافظة مباشرة بعد إعلان التحرير.

إلا أن هذا المكسب الكبير لم يكن ثمنه قليلا مما قدمه الشهداء من دمائهم، بل يرافقه مسؤولية الحماية الفعلية والعملية للمدينة أمام محاولات النظام لاسترجاعها، وتكثيف القصف على سكانها الـ126 ألفا، الذين بدؤوا النزوح مع بدء القصف بالكلور والقنابل البرميلية من النظام الوحشي، وأمام محاولات داعش الموجودة بأرياف حلب وحمص وحماة التي تحيط بإدلب، كما حصل بمشهد الرقة الدموي الذي لم يغب عن ذهن الثوار وذاكرتهم.

ومن ناحية أخرى، فهناك الحماية الإدارية والرمزية للمدينة على المدى البعيد، من خلال ترتيب العلاقة ما بين العسكري – العسكري عبر الفصائل التي دخلت تحت مسمى العملية، والحفاظ على تماسكها وغياب التنازع، وترتيب العلاقة كذلك بين المدني – العسكري،  من خلال العمل على ترتيب مجلس مدني، أو تسليم المدينة للحكومة المؤقتة، ونشر الشرطة داخل المدينة، وحمايتها من الخارج، والانتشار عبر المقرات. في تحدٍّ كبير للثورة، ومحك لأطرافها وفصائلها على كل المستويات.

جيش الفتح: الكل والأجزاء

“تم افتتاح حساب #جيش_الفتح، قبل أربعة أيام والآن نقول تحررت إدلب”، هذا ما كتبه حساب عملية جيش الفتح مفتخرة بانتصارها، وهي التي أثبتت قدرتها ونجاحها بالتحرير خلال هذه السرعة، مما يكشف عن تنسيق عال، وقدرة عسكرية عالية داخل مكونات هذه العملية، لكنه كذلك يستبطن أسئلة ومخاوف مشروعة ومفهومة.

جبهة النصرة، أحد أكبر مكونين لجيش الفتح، التي تشهد احتفاء غريبا -مركز كارنيغي معروف التوجهات احتفى ببراغماتية النصرة- من أوساط إعلامية غربية وعربية، وتغييبا لكل الفصائل الأخرى أمامها -في كل الصحف الأجنبية تقريبا-، بسطت مزيدا من التوسع في إدلب، موطئ قدمها الرئيس في سوريا، والذي ثبتته بانتصاراتها ومشاركتها على جبهات النظام، وبالجبهات الأخرى مع الأطراف الأكثر بعدا أيديولوجيّا مثل أحرار سوريا التي طردتها بعد أن كانت المنافس الأكبر لها في المحافظة، وسيطرت على مقراتها وأسلحتها -وهو ما تكرر في حلب مع حركة حزم البعيدة أيديولوجيّا كذلك-، والتي استخدمتها في معاركها؛ إذ استخدمت بمعركتها صواريخ تاو مضادة الدروع -التي حازت عليها غالبا من أحرار سوريا أو حزم اللتين كانتا يحصلان عليها كدعم غربي-، مما يثبت المخاوف والأقوال التي تتحدث عن تشكيل إمارة لجبهة النصرة، توازي الدولة الإسلامية، عدوها اللدود في الفضاء الجهادي.

من ناحية أخرى، فإن النصرة أثبتت قدرتها العسكرية، وبراغميتها السياسية، ومرونتها وقدرتها على المشاركة ضمن غرف عمليات عسكرية أكبر، وهو ما تكرر في إدلب تحديدا، وأدى لنتائج عسكرية على مستوى عال، من خلال تحرير وادي الضيف، ومن ثم تحرير إدلب، تاركة السؤال مفتوحا، والميدان لمن يسبق ويثبت نفسه ما بين الإمارة والمجلس المدني.

أحرار الشام، المكون الثاني الأكبر في جيش الفتح، والأول بالعدد على مستوى سوريا، استطاع النجاح بمزيد من الاختبارات التي وضع أمامها بعد استشهاد أكثر من أربعين من قياداته في أيلول/ سبتمبر الماضي، وكان جرحه دافعا لتثبيت موقعه ومكانته بالثورة السورية، وهو ما ظهر جليا من خلال الاندماج مع الصقور، أحد أكبر الفصائل في إدلب كذلك.

أين التالي؟

بعد مدينة إدلب، محملين بنشوة النصر وفرحة التحرير، سيكمل الثوار تحرير ما حولها، ليكسروا المساحة الدفاعية التي يسعى النظام لحصرهم بها بالقصف والحصار،  ولعل أبرز هدف سيكون هو تطهير محافظة إدلب بالكامل من النقاط العسكرية التي يتمركز بها النظام، وأبرزها معسكر المسطومة في الريف، وقريتي الفوعة وكفريا اللتين حولهما النظام لثكنات للمليشيات الشيعية، وأنهكتها ما حولهما من القرى بالقصف العشوائي، خصوصا مثلث تفتناز -بنش- سرمين، التي تقع الفوعة بمنتصفه، بالإضافة لتحرير القرى التي يسيطر عليها النظام على الحدود التركية في طريق إلى اللاذقية، وأبرزها جسر الشغور وأريحا.

وبعد إدلب، فإن الثوار أمام عدوّين وجوديين يحاصرانها، داعش التي تثبت مكانها بريف حماة من خلال طريق ريف حمص، والنظام القريب الذي يتركز وجوده في اللاذقية جنوب إدلب مباشرة، أو تأمين الطريق ما بين إدلب وحماة، والعمل على تأمين خط الإمدادات الذي يصل العمق بالحدود التركية، ومحاولة التنسيق على جبهات وغرف عمليات أكبر.

عام خامس إذن، ولا زالت الثورة قادرة أن تحمل الأفراح والضحكات، كما حملت الكثير من الدم والدمع، ولا زالت بقية سواعد الثوار قادرة أن تحافظ على زمام التاريخ كي لا ينهار أمام قصف القنابل البرميلية، وأن تطلق الفرح والأمل والحرية مع كل باب سجن تكسره، وكل رصاصة تأخذ مكانها لتحرر وتنصر وتدافع عن الحلم والقيم، حاملة مع ذلك أسئلة ومسؤوليات ما راح من دماء الشهداء ثمنا لهذه الأحلام، وما سيأتي حفظا لها من أن تضيع أو أن تنحرف أو تتشح بسواد الحداد وسواد الرايات.

التقرير