التصحر في العراق ومعوقات الحلول ….

التصحر في العراق ومعوقات الحلول ….

 


عرفت منظمة السلام الأخضر العالمية “غرين بيس” التغير المناخي او ظاهرة الاحتباس الحراري بانها مشكلة حقيقية يعيشها العالم وتتفاقم باطراد، وانه “اختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والأمطار التي تميز كل منطقة على الأرض”، وحسب المنظمة فإن وتيرة التغيرات المناخية الشاملة وحجمها قد يؤديان إلى تأثيرات هائلة على الأنظمة الحيوية الطبيعية على المدى الطويل.
وفي السياق ذاته اكد خبراء المناخ، ان 13 % من هذه التغيرات مصدرها الطبيعة، بينما يتحمل الإنسان مسؤولية 87% من الأسباب التي أدت إلى حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري وتفاقمها.

وهنا نلقي الضوء على تأثيراتها الخطيرة وانعكاساتها على الدول العربية بشكل عام والعراق بشكل خاص ، فمنطقتنا العربية ، ليست بمنأى عن التأثيرات السلبية ، بل هي في قلب المشكلة المناخية الكبرى التي يواجهها العالم ومن نتائجه التصحر ونقص المياه. وفي حين نجد نسبة التصحر في الأراضي المروية في العراق 71% بينما في تركيا ولبنان وسوريا 13%، 7%، 17%، على التوالي.
ويعد التصحر من الظواهر البيئية الخطيرة التي تهدد حياة المجتمعات الاقتصادية والمعيشية حيث تتحول الاراضي الزراعية الخصبة الى جرداء قاحلة مما يترتب على ذلك تداعيات سلبية عديدة تمس حياة الانسان واقتصاد البلاد.
ويعد التصحر عملية هدم أو تدمير للطاقة الحيوية للأرض، والتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى ظروف تشبه ظروف الصحراء، وهو مظهر من التدهور الواسع للأنظمة البيئية، الذي يؤدي إلى تقلص الطاقة الحيوية للأرض المتمثلة في الإنتاج النباتي والحيواني ومن ثم التأثير في إعالة الوجود البشري.
ويؤثر التغيير المناخي على المناطق الزراعية في العراق باتساع رقعة التصحر فيه، واضعاف التنمية الزراعية والقضاء على الثروة الحيوانية ، مما ادى الى تدهور النبات الطبيعي وانعدامه، الامر الذي انعكس سلبيا على الانسان والامن الغذائي للدولة .
عوامل نشوء التصحر في العراق:
1. ان90% من مساحة العراق تقع ضمن منطقة المناخ الجاف وشبه الجاف حيث يقع المناخ الصحراوي الحار والجاف في حدود منطقة السهل الرسوبي والهضبة الصحراوية الغربية ويمثل هذا المناخ حوالي 70 % من مساحة العراق الكلية.
2. ارتفاع درجات الحرارة في الصيف التي تصل احيانا الى أكثر من 50 درجة مئوية.
3. انخفاض نسبة تساقط الامطار، وتفاوت كمياتها بين 5 – 15 سم، متأثرة بنسبة التبخر العالية اذ تقل في اغلب مناطق العراق، ولا يتجاوز معدل الامطار في الجنوب 40 يوما وفي الشمال 70 يوما مع قلة الرطوبة التي تعد مهمة جدا في الدورة البيولوجية للتربة ونمو الاعشاب.
4. الرياح السائدة في العراق هي الرياح الشمالية الغربية الجافة والحارة وتعمل على نشر الغبار المحلي، وصيف حار جاف وطويل. وهذا العامل له دور مهم في حدوث التصحر في العراق.
واكد عضو لجنة الزراعة النيابية، علي البديري، ان الاحتباس الحراري بات يهدد العراق، مشيرا الى ان هناك معوقات جمة تقف دون اتخاذ اجراءات احترازية للحد من هذه الظاهرة، ومنها: المحاصصة والعشائرية في المجتمع العراقي اذ تقف المحاصصة بوجه القيام بمشاريع فعالة تنهض بواقع البلد ومنها الزراعة، فيما العشائرية التي تسيطر على الاراضي الزراعية تمنع مد حزام اخضر يحيط بمناطق العراق ويمنع تصحر الارض وتعريتها، بحجة ملكية الاراضي مضيفا ان “وزارة الزراعة ومؤسساتها تعاني ازمة مالية، ولم تستطع القيام بمشاريع ومؤتمرات من اجل مواجهة الاحتباس الحراري وغيره من العوامل القاتلة للأرض”.

واضاف البديري ، ان “الزراعة في العراق شبه منتهية لان ارتفاع درجات الحرارة وتصحر الارض وجفافها وغيرها من العوامل قتلت كل روح الارض ولم نستطع القيام بكل اجراء احترازي لمواجهة هذه الظواهر، فضلا عن ان شركات النفط لها تأثير على البيئة وعلى ارتفاع درجات الحرارة وهذا ما نشهدهُ كل عام” مشددا على ان “اغلب المسؤولين يمتلكون شركات تصدير واستيراد وبالتالي يسعون جاهدين لأفشال الزراعة وايقافها نهائيا”.
ويرى خبراء اقتصاد ان العراق يواجه أكبر مشكلة بيئية في تاريخه تتمثل بالتصحر الشديد الذي يعرض أمنه الغذائي للخطر، الذي تتضافر العديد من العوامل الطبيعية والبشرية في صنعه، وتزيد من خطورته على الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية، اذ تفقد الكثير من الأراضي المنتجة، وتحرك الكثبان الرملية وهبوب العواصف الرملية والترابية الشديدة وما ينتج عنها من زيادة تلوث الهواء.
واسهمت إقامة السدود والخزانات على نهري دجلة والفرات في العراق وتركيا وسوريا في زيادة كمية الأملاح ونوعيتها، وتقدم مياه الخليج العربي المالحة في شط العرب نتيجة قلة مياهه وصرف مياه المعامل ومشاريع التصنيع العسكري إلى الأنهار دون معالجتها كيمياويا لضعف الرقابة وإهمالها إن وجدت، وقلة معالجة مجاري المدن التي تصرف إلى الأنهار.
ان تراجع الغابات التي تغطي 1.8 % من المساحة الكلية، وطبقا لمنظمة الفاو فإنها تحتل 789.000 هكتار وزراعة الغابات 10.000 هكتار. وهي تغطي المناطق الجبلية في الشمال والشمال الشرقي (كردستان). وكانت تغطي 1.851 مليون هكتار عام 1970 لكنها تراجعت إلى 1.5 مليون هكتار عام 1978، وتراجعت النسبة الأولى إلى 1.1% وتبلغ المساحة المزالة سنويا 12 كم² والمعدل السنوي للإزالة 0.2% في الفترة 1990-2005،
وما زاد في التصحر تعرض الغابات الى القطع الواسع الذي وصل الى غابات منفردة لأشجار البلوط في الأراضي الأكثر بعدا، والضغط الرعوي والحرق والعمليات العسكرية. مما زاد التعرية المائية واختفاء الطبقة الخصبة من التربة، واثر سلبا على طاقة خزن السدود وكفاءة الري وزيادة التكاليف.
ومن نتائج التصحر تراجع أعداد النخيل من حوالي 30 مليون نخلة إلى 9.5 مليون بسبب الحروب وبالأخص الحرب العراقية –الإيرانية وقلة المياه وملوحتها والأمراض الزراعية والإهمال.
ومن النتائج كذلك تدهور القيمة الرعوية للمراعي التي تشكل 70-75% من مساحة البلد بسبب الضغط الرعوي، قطع واجتثاث نباتات العلف لأغراض الوقود، وزراعة أراضي المراعي التي تقل الأمطار فيها عن 200 ملم في السنة، وعدم تنظيم توزيع المياه الذي يؤدي إلى تركز الماشية في الأراضي التي تتوافر على الماء مع ما تتركه من تأثيرات سلبية على الغطاء النباتي.
وشهد العراق في العقود الأخيرة، جفافا في اغلب مناطقه، اذ انخفضت كميات الأمطار بنسبة 30% عن المتوسط كما هبط منسوب المياه في الأنهار الرئيسية بأكثر من 50 % مما ادى الى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية المعتمد على الأمطار بنسبة 70% ومن خسائر في إنتاج القمح والشعير بنسبة 37 و %63 في المنطقين الوسطى والجنوبية على التوالي.
وتزداد المشكلة تعقيدا إذا عرفنا أن المناخ الصحراوي يسود في 70% من الأراضي وبالأخص في السهل الرسوبي والهضبة الغربية حيث تتراوح الأمطار السنوية بين 50-200 ملم.
وتعد الكثبان الرملية من أخطر نتائج التصحر بسبب تأثيراتها السلبية على الجوانب الحيوية للحياة. فالعواصف الترابية والرملية تكون ملمحا مضرا ويكون التجلي الرئيس لها هو انتشار الكثبان الرملية غالبا في المناطق الوسطى والجنوبية حيث تحركها الرياح، فتهب العواصف التي تلوث البيئة وتضر بصحة الإنسان والإنتاج الزراعي، وتخرب العمليات الفسيولوجية للنباتات خصوصا التلقيح والإزهار.
وبالنسبة لتوزيع الكثبان الرملية على مستوى المحافظات فتوجد في بابل كثبان محاذية للمصب العام، وفي صلاح الدين شمال وجنوب بيجي ، تكريت- كركوك، وفي القادسية توجد كثبان صغيرة متحركة حسب سرعة الرياح وفي منطقة البدير- نفر- عفك، وفي ديالى كثبان عالية نسبيا وفي المقدادية تكون على شكل طولي أو هلالي أو مروحي، وفي الأنبار تنجرف التربة بالرياح لقلة الغطاء النباتي والجفاف وتكون الكثبان الرملية في عموم الصحراء الغربية تتحرك وتؤثر على الطريق السريع إلى الأردن وسوريا، وفي ذي قار توجد رمال متحركة في المنطقة المحصورة بين المصب العام وحدود الديوانية وناحية البدير.
وفي البصرة تكون البادية الجنوبية أراضي رملية يتم فيها حفر الآبار. وفي واسط توجد الرمال في النعمانية بمساحة 91 كم² والموفقية- شيخ 13 كم²، وفي نينوى الشركة 4 كم، البريت 3 كم والناصرية ، حيث تزحف الكثبان إلى هذه المناطق وتصل الشارع المؤدي إلى قضاء الحضر والمطار بطول 45 كم. وفي كربلاء تقع الكثبان ضمن خط عرض 32 درجة من الجهة الشمالية الغربية والجنوبية الغربية. وفي المثنى تبلغ مساحة الكثبان 65000 دونم في ناحية الوركاء، و25000 دونم في ناحية النجمي و12000 دونم في ناحية بصية وهناك كثبان ثابتة بمساحة 1000 دونم في ناحية الهلال.

بما أن التصحر مشكلة بيئية واقتصادية واجتماعية معقدة ومتداخلة؛ تتداخل بها جملة من العوامل الطبيعية والبشرية لتصنعه، ومنها التملح الذي يعد العامل الرئيس للتصحر والذي بلغت درجة خطيرة جدا، وفي الحقيقة إن انتشار الأملاح في سهل ما بين النهرين، وجد بعد زراعته خلال أجيال متعاقبة، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن تاريخ ري الأراضي الزراعية في هذا السهل، يرجع إلى أكثر من ستة آلاف سنة.
ومن هنا جاء الرأي القائل، إن انتقال مراكز الحضارات القديمة من الجنوب إلى الوسط والشمال كان سببه انتشار الأملاح في التربة وتراجع إنتاجها.
ويتضح أن انتشار الأملاح يعود للعوامل الجيومرفولوجية والهيدرولوجية والمناخية وخواص المياه والتربة والعامل البشري المتمثل بعدم استخدام طرائق ري ملائمة وهذا يعني غياب التقنيات المائية والطرائق العلمية المتبعة في الزراعة رغم كثرة الحديث طلية سنوات عن الاهتمام بالزراعة.

إجمالا نتجت مشكلة الملوحة عن عوامل عديدة بعضها يتعلق بالبيئة الطبيعية والآخر بعمل الإنسان وتتداخل هذه العوامل في درجة تأثيرها في انتشار الملوحة التي تتباين مستوياتها من مكان لآخر فتزداد كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب ومن الجهات المرتفعة إلى المنخفضة، وللعوامل الطبيعية دورها البارز حيث يأتي المناخ في مقدمتها إذ تؤدي زيادة كمية الإشعاع الشمسي وارتفاع الحرارة وقلة الغيوم والرطوبة النسبية وسيادة الرياح الشمالية والشمالية الغربية إلى زيادة شدة التبخر وبالتالي زيادة نسبة الأملاح.
ويتزامن ذلك مع الإفراط في عمليات الري خاصة أن المياه المستخدمة تحتوي بدورها على نسب مختلفة من الأملاح تختلف كميتها من مكان لآخر ومن موسم لآخر. ولطبيعة التربة أثر واضح في ظهور المشكلة وتفاقمها مع ما يرافقها من إتباع أنظمة زراعية خاطئة.
وتحوي تربة العراق على مكونات ملحية عالية إذ يقدر أن 61% من الأراضي الزراعية مهددة بالتملح حيث يبلغ معدله 8%. وهذا يعني أن كل الترب ستتملح إذا لم يستخدم نظام التصريف الملائم. وعندما يرتفع مستوى المياه في موسم الفيضان أو الري ترتفع الأملاح إلى أعلى التربة، لذلك يصبح البزل مهما جدا. ومما يسهم في التملح ارتفاع مناطق العراق عن مستوى سطح البحر مما يصعب تصريف الماء.. وارتفاع المياه الجوفية وتراكم الأملاح في التربة. لذلك فإن الأراضي السهلية المشهورة بخصوبتها تحولت إلى أراض متملحة، وتراجعت الإنتاجية في أراضٍ واسعة إلى الصفر تقريبا. ويقدر بأن حوالي 100 ألف دونم (250.000 ألف متر مربع) تعاني التملح سنوياً.

وتعد الأراضي الزراعية التي تفقد سنوياَ، نتيجة التملح وانجراف وتدهور التربة، كبيرة إذا ما قورنت بالمساحة الإجمالية للأراضي المزروعة. حيث تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في العراق 42 مليون دونم إلا أن المتاح منها للزراعة بحدود 14 مليون منها 6 مليون في المنطقة الديمية والتي يتذبذب إنتاجها حسب كمية الأمطار. لذلك يسهم الإنتاج الزراعي في تحقيق الأمن الغذائي بنسبة لا تزيد عن 30% كمعدل للسلع الزراعية المختلفة ، وهذا يعد من أكبر المؤشرات على عجز الأمن الغذائي وبالتالي اعتماد العراق المتزايد على الاستيراد وما يتركه من اثار سلبية على البنية الاقتصادية.

يتبين ان التصحر أحد العوامل الرئيسية التي تعيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويزيد من المشاكل الاقتصادية التي تعمل على تفاقم التدهور البيئي وهكذا نواجه حلقة مفرغة في الحفاظ على البيئة، إذ ان حالة البيئة لا يمكن فصلها عن حالة الاقتصاد، ومن هنا يتبين لنا أن التخلف الاقتصادي والتدهور البيئي يعزز كل منهما الآخر لتكريس وجودهما.
ومن نتائج التصحر الاجتماعية تزايد هجرة سكان الريف والرعاة نحو المدن طلبا للعمل ولحياة أفضل، وخاصة في سنوات الجفاف، مما يولد ضغوطا متزايدة على إمكانات المدن المحدودة، ويسهم في زيادة معدل نمو سكانها أسرع من الريف. إن معدلات النمو العالية هذه تشكل عبئا على الخدمات الاجتماعية المكلفة وعلى حساب الهياكل الارتكازية المنتجة. ويولد ضغط الهجرة الكثير من المشاكل الاجتماعية في المدن مثل: انخفاض المستوى المعاشي، البطالة، قلة الخدمات الصحية والتعليمية، قلة السكن، التوترات والنزاعات الاجتماعية، الإخلال بالأمن…الخ. ومن المعروف أن الكثير من المهاجرين يسكنون الأحياء الفقيرة ومدن الأكواخ على أطراف المدن الكبيرة ” مكونين مجتمعات بائسة معرضة للأمراض والكوارث الطبيعية
ورغم إدراك خطورة التصحر، إلا أن وسائل مكافحته لم ترق بعد إلى مستوى التهديد الذي يمثله على شتى الأصعدة البيئية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية والسياسية والأمنية. لذا بات من الضروري إعطاؤه مكان الصدارة في خطط التنمية. لمكافحته ووضع خطط تتضمن أهدافا مباشرة تتمثل في وقف تقدمه واستصلاح الأراضي المتصحرة و إحياء خصوبة التربة وصيانتها من التصحر.

شذى خليل

الوحدة الاقتصادية

مركز الروابط  للبحوث والدراسات الاستراتيجية