الأزمة السورية اقتربت من إسدال ستارها

الأزمة السورية اقتربت من إسدال ستارها

 

تقول أوساط سياسية عربية إن إعلان التحالف الدولي عن عودة قريبة لأكثر من 400 جندي أميركي من سوريا، وبدء روسيا استعداداتها لسحب عناصرها هي الأخرى من هذا البلد، مؤشر قوي على قرب إسدال الستار عن الصراع الدائر هناك منذ نحو سبع سنوات.

وتشير الأوساط إلى أن الإعلانين الأميركي والروسي هما خطوة لبناء الثقة بين الطرفين، وإبداء حسن النية، من أنه لا رغبة لكليهما في وجود مستدام على الأراضي السورية، كما أنها رسالة لجميع الأطراف بأن الحل بات جاهزا وإن كان قد يحتاج لتعديلات تأخذ بالاعتبار تحفظات الأطراف المنخرطة في النزاع.

وأعلن التحالف الدولي بقيادة واشنطن الخميس أن أكثر من 400 مقاتل من قوات مشاة البحرية الأميركية سيعودون قريبا إلى بلادهم بعد دعمهم قوات سوريا الديمقراطية في طرد تنظيم داعش من مدينة الرقة في شمال سوريا.

وتزامن هذا الإعلان مع تأكيد أمين مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن موسكو تستعد بالفعل لسحب قواتها العسكرية من سوريا، وأن “الإجراءات في هذا الصدد جارية”.

وكتب المتحدث باسم التحالف الدولي ريان ديلون على حسابه على “تويتر” أن “أكثر من 400 عنصر من قوات مشاة البحرية الأميركية يستعدون للعودة إلى بلادهم بعد توفيرهم دعما دقيقا بالمدفعية لقوات سوريا الديمقراطية وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عاصمتهم السابقة”.

ووصلت وحدة قوات مشاة البحرية المذكورة إلى سوريا في 15 سبتمبر لتستبدل وحدة سابقة، وفق ما جاء في بيان للتحالف الدولي الذي أضاف أن “بعد تحرير المدينة وفرار تنظيم الدولة الإسلامية، أتت الأوامر لهذه الوحدة للعودة”. وأوضح التحالف أنه “تم وقف إرسال وحدة بديلة”.

وكان مسؤول كردي أكد أنه “سيكون هناك تعديل بخصوص تقديم الأسلحة إلى قوات سوريا الديمقراطية بعد القضاء على داعش”.

وسبقت الإعلان الكردي تصريحات من كبار المسؤولين الأتراك أكدوا فيها تلقيهم تطمينات من البيت الأبيض بوقف تسليم الأسلحة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، والتي تصنفها بـ”الارهابية”.

وتحدث البيت الأبيض عن “تعديلات” متصلة بالدعم العسكري لشركاء واشنطن على الأرض في سوريا بعد انتهاء معركة الرقة، دون أن يحددها.

وأكد مدير العمليات في التحالف جوناثان براغا في بيان أن “مغادرة هؤلاء العناصر المتفوقين من مشاة البحرية إشارة إلى التقدم الكبير في المنطقة”، مضيفا “نقلل من قواتنا المقاتلة حيث ينبغي ذلك، ولكن نواصل جهودنا لمساعدة الشركاء السوريين والعراقيين على الحفاظ على الأمن”.

وأضاف “قواتنا المتبقية ستواصل العمل إلى جانب القوات الحليفة لهزيمة ما تبقى من تنظيم الدولة الإسلامية، ومنع إعادة ظهوره”.

وبدأت واشنطن في إرسال عناصر لها إلى سوريا منذ العام 2014، أي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بداعي محاربة تنظيم داعش، وبلغ اليوم عدد هذه القوات نحو 2000 عنصر منتشرين في 12 قاعدة عسكرية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

ويقول رافضو الوجود الأميركي إن هذا الحضور الهدف الأساسي منه السعي إلى الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد أو أقله تكريس واشنطن نفسها كرقم صعب في معادلة الحل السوري، خاصة بعد انخراط روسيا مباشرة في الصراع في العام 2015 ونجاحها في تغيير موازين القوى.

ويرى مراقبون أن هذا الرأي يحمل في البعض منه وجاهة، خاصة وأن واشنطن بالتأكيد لم تكن تريد أن تسلم مفاتيح الحل السوري إلى روسيا، وتريد أن تكون ضلعا رئيسيا في صياغة مستقبل سوريا.

واليوم يبدو أنها تتجه للإقرار بفشلها، وقد يكون خروج جزء من قواتها من سوريا أحد أوجهه، فروسيا حسمت ميدانيا الحرب واليوم كل التوجه ينصب على التسوية التي بالتأكيد ستكون روسية وإن كانت ستأخذ في الاعتبار مطالب الجانب الأميركي كما الإسرائيلي والعربي.

ويلفت هؤلاء إلى أن واشنطن ومنذ بدء الأزمة السورية في 2011 تعاطت مع الوضع بشكل غير مدروس واتخذت خيارات غير عملية بل وحتى عشوائية في بعض الأحيان، وخير مثال حينما أعلنت أنها ستقصف النظام السوري في العام 2013 على خلفية مجزرة الكيميائي في الغوطة الشرقية لتتراجع عن ذلك في وقت وجيز بعد تدخل روسيا وإقناع الأسد بتسليم الأسلحة الكيمائية التي بحوزته، أخطاء واشنطن لم تقف عند ذلك حيث دعمت بالأسلحة فصائل معارضة لم تستطع الصمود على الساحة، أو ثبت ضمها لعناصر متطرفة، لتتجه بعد ذلك لدعم الأكراد، واليوم هي تدرس وقف هذا الدعم.

هذا الارتباك الأميركي وفشل الإدارتين السابقة والحالية في التعاطي مع الوضع صبا في صالح موسكو التي نجحت في استغلال ذلك جيدا والنتيجة اليوم أن مفتاح التسوية هو اليوم لدى الكرملين، رغم وجود تنسيق مع واشنطن، ترجم في اتصال الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره الأميركي دونالد ترامب قبيل انعقاد قمة سوتشي مؤخرا التي ضمت الرئيسين الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان، والتي يرجح أنه تم خلالها الاتفاق على خيوط التسوية.

ويشير المراقبون إلى أن الأسابيع المقبلة ستحمل معها زخما دبلوماسيا أكبر، لافتين إلى أن المحادثات المنعقدة اليوم في جنيف لن تخرج بالشيء الكثير، وأن أقصى ما يمكن أن يقوم به المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في هذه الجولة التي يتوقع أن تنتهي مساء (الجمعة) ، هو إقناع النظام والمعارضة السوريين بإجراء لقاء مباشر وهذا سيكون له تأثير نفسي، يمهد لمفاوضات حقيقية الشهر الجاري.

وأبدت المعارضة استعدادها لمفاوضات مباشرة. وقال رئيس الوفد نصر الحريري الأربعاء “نريد التحرك سريعا نحو مفاوضات مباشرة” مع دمشق، وبالمقابل لا يبدو أن النظام راغب في هذه الخطوة.

صحيفة العرب اللندنية