الهجرة غير النظامية.. محطات ليبية أوروبية

الهجرة غير النظامية.. محطات ليبية أوروبية

شكل موضوع الهجرة غير النظامية نقطة تجاذب مستمر بين ليبيا والأوروبيين، وعقدت اتفاقيات وتفاهمات بين الطرفين، لكن الخلافات ظلت مستمرة بسبب تباين الرؤى حول كيفية معالجة هذه الظاهرة المتفاقمة والتي باتت مبعث قلق للقارة العجوز على وجه الخصوص.

وتعتبر ليبيا نقطة انطلاق للهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا، حيث يبحر المهاجرون من مختلف الجنسيات في ظروف صعبة مكدسين على متن زوارق مطاطية أو في بواخر صيد متهالكة، ما يتسبب أحيانا في نهاية مأساوية للعديد منهم. ومنذ الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، أصبحت ليبيا الغارقة في الفوضى والعنف، مسرحاً لمهربي البشر الذين ينقلون المهاجرين إلى أوروبا.

وفي ما يلي أبرز محطات التجاذب بشأن الهجرة غير النظامية بين ليبيا والأوروبيين.

اتفاقيات ليبية إيطالية
بدأت ليبيا في عقد اتفاقيات بخصوص الهجرة غير النظامية مع إيطاليا، حيث وقع الطرفان في 3 يوليو/تموز 2003 على مذكرة تفاهم للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر البحر المتوسط، من خلال تسيير دوريات برية وبحرية وجوية مشتركة، وقيام قوات إيطالية بعقد دورات تدريبية لقوات شرطة ليبية لتعقب الجماعات المتورطة في تهريب البشر.

وفي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2004، زار رئيس الوزراء الإيطالي في تلك الفترة سيلفيو برلسكونيطرابلس وأجرى مباحثات مع العقيد  الليبي الراحل حول موضوع مكافحة الهجرة غير النظامية وسبل وقف تدفق أفواج المهاجرين.

وبموجب التفاهمات بين البلدين قدمت إيطاليا لليبيا معدات ومساعدات فنية لمواجهة الظاهرة، تمثلت في  30 آلية عسكرية وطائرتين بمحركين، ومروحية وطائرتي استطلاع بحري، وأربع سفن بحرية يعمل على متنها أفراد من خفر السواحل والشرطة الليبية ويساعدهم 150 شرطيا إيطاليا.

وتكررت اللقاءات بين المسؤولين الليبيين والإيطاليين، ووقعا في ديسمبر/كانون الأول 2007 على اتفاق يقضي بتسيير دوريات مشتركة على طول السواحل الليبية، وأكدت اتفاقية تالية بين البلدين في أغسطس/آب من نفس العام على هذا الهدف.

وخلال زيارة قام بها إلى إيطاليا في 31 أغسطس/آب 2010، طالب القذافي الاتحاد الأوروبي بدفع خمسة مليارات دولار سنويا على الأقل لبلاده لضمان مساهمتها في وقف الهجرة غير النظامية إلى القارة العجوز، وحذر حينها من أن عدم الاستجابة لها ستحول أوروبا إلى “أفريقيا ثانية جراء قدوم ملايين المهاجرين”، موضحا “أوروبا لن تعود أوروبية غدا، بل يمكن أن تصبح سمراء مع قدوم ملايين الأفارقة”.

وبعد الإطاحة بنظام القذافي، وقعت إيطاليا والمجلس الوطني الانتقالي الليبي في 18 يونيو/حزيران 2011 بمدينة نابولي الإيطالية اتفاقا لإدارة تدفق المهاجرين، يضمن التزام الجانبين “بتقاسم إدارة ظاهرة الهجرة غير النظامية عبر تطبيق الاتفاق الإيطالي الليبي للتعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والهجرة السرية”.

مبادرات أوروبية
ورغم عجز إيطاليا بمفردها عن حماية حدودها البحرية، ظلت بقية الدول الأوروبية غير منخرطة في موضوع مكافحة الهجرة غير النظامية، لكنها بدأت في التحرك بعد أن تيقنت أن الاقتصاد الأوروبي
-خاصة إيطاليا واليونان–  يتكبد الخسائر بسسب هذه الظاهرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي عام 2015 عملية “صوفيا” التي هدفت إلى مراقبة المياه الدولية

 قبالة الساحل الليبي، واعتراض سفن المهاجرين واعتقال المهربين المشتبه بهم، حيث تستغل شبكات التهريب الاضطراب السياسي بالبلاد لتهريب المهاجرين واللاجئين.

وبعد فشل إجراءاتها في الحد من الظاهرة، لجأت الدول الأوروبية إلى مجلس الأمن الدولي، وعقد هذا الأخير في 11 مايو/أيار 2015 جلسة لبحث أزمة الهجرة غير النظامية من أفريقيا إلى أوروبا.

ووزعت الدول الأوروبية حينها مشروع قرار بهذا الشأن، نصّ على اتخاذ إجراءات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي أنه يخوّل الاتحاد الأوروبي أن يستخدم القوة لتدمير ما يعتقد أنه قواعد لعصابات وشبكات تهريب المهاجرين غير النظاميين، فضلا عن تدمير القوارب التي يتم ضبطها وهي تحوي مهاجرين غير نظاميين، وذلك بعد أن يتم إنقاذ من هم على متنها.

وفي 27 فبراير/شباط 2017، دعا رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني إلى تأسيس مخيمات لاستقبالاللاجئين في ليبيا، ووضع خطة لتنمية أفريقيا لمنع تدفق اللاجئين بأعداد أكبر إلى أوروبا.

وزادت التحركات الأوروبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بعد أن أظهر تقرير لشبكة “سي أن أن” الإخبارية أظهر مهاجرين يتم بيعهم بالمزاد في ليبيا، وتم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، مما أثار تعاطفا كبيرا، واستدعى ردود فعل منددة في أفريقيا والأمم المتحدة.

وبطلب من فرنسا، عقد مجلس الأمن الدولي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 جلسة طارئة بحث فيها موضوع الاتجار بالبشر بليبيا، وطالب أعضاء في كلامتهم بمحاسبة المسؤولين عن ممارسة العبودية في ليبيا وتحويلهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

كما تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال جولة أفريقية قام بها في نفس الشهر عن مبادرة أوروبية أفريقية لضرب مهربي البشر الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، وإنقاذ أربعمائة ألف مهاجر أفريقي عالقين بليبيا.

انتقادات
ورغم هذه الجهود إلا أن إستراتيجية الأوروبيين في التعامل مع أزمة المهاجرين تصطدم بانتقادات ليبية ودولية،  وفي أبريل/نيسان 2017، قال رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج إن دول الاتحاد الأوروبي لم تساعد ليبيا إلا بوعود فارغة.

ومن جهته، اتهم  المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد الحسين في سبتمبر/أيلول 2017 الأوروبيين بعدم التصدي للتجاوزات التي يتعرض لها المهاجرون في ليبيا.

ووصف بن رعد السياسة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي في مساعدة السلطات الليبية على اعتراض المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط وإعادتهم إلى مراكز احتجاز “مروّعة” على الأراضي الليبية،  بالعمل “اللاإنساني”. وقال في بيان في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 “إن معاناة المهاجرين المحتجزين في ليبيا هي عار على الضمير الإنساني”.

ومن جهتها كتبت صحيفة غارديان البريطانية في 31 أغسطس/آب 2017 تقول إن إغداق المال على ليبيا التي تمزقها الحرب الأهلية ليس حلا لقضية الهجرة، خاصة عندما ينتهي المطاف بهذه الأموال في أيدي المليشيات المسلحة.

الجزيرة