انتفاضات فلسطين.. من “أطفال الحجارة” إلى “الأقصى”

انتفاضات فلسطين.. من “أطفال الحجارة” إلى “الأقصى”

من جباليا بقطاع غزة انطلقت شرارة الانتفاضة الفلسطينية في ديسمبر/كانون الأول 1987 لتتوسع في مدن وقرى ومخيمات فلسطين في غزة والضفة الغربية وأراضي 1948، حملت اسم “انتفاضة الحجارة” لأن الأخيرة كانت سلاح الفلسطينيين في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد 13 سنة قامت انتفاضة ثانية وهذه المرة من المسجد الأقصى عندما تصدى فلسطينيون لدخول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون وحراسه إلى باحة المسجد الأقصى عام 2000 وقمعتهم قوات الاحتلال بقسوة، فاندلعت انتفاضة عارمة في كل فلسطين.

أطفال الحجارة
أطلق دهس سائق شاحنة إسرائيلي يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1987 مجموعة من العمال الفلسطينيين في مخيم جباليا شمال قطاع غزة على حاجز أريز -الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي فلسطين منذ سنة 1948- الشرارة الأولى لانتفاضة الحجارة، التي اندلعت في كل الأراضي والمخيمات الفلسطينية.

زلزلت الانتفاضة الاحتلال الإسرائيلي، فتعامل معها بقسوة كبيرة جعلت آثارها تتجاوز حدود فلسطينالمحتلة إلى العالم، حيث انكشفت حقيقة إسرائيلية القمعية وأساليبها الموغلة في العنف.

هاجم الفلسطينيون عددا من الأهداف الإسرائيلية مستعملين الحجارة والسلاح الأبيض، بينما استعملت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسلحة النارية والدبابات، فاستشهد قرابة 1162 فلسطينيا بينهم حوالي 241 طفلا، وأصيب نحو 90 ألف جريح، مع تدمير ونسف 1228منزلا، واقتلاع 140 ألف شجرة من المزارع الفلسطينية.

وقتل خلال الانتفاضة 160 إسرائيليا أغلبهم جنود حسب إحصائية لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”.

وذكرت إحصائية لمركز الأسرى للدراسات (فلسطيني مستقل) أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل خلال انتفاضة الحجارة نحو 60 ألف فلسطيني من القدس والضفة والقطاع وفلسطينيي أراضي 1948. ولم تتراجع وتيرة انتفاضة الحجارة إلا عام 1991، وتوقفت مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

انتفاضة الأقصى
لم تستطع المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومات الإسرائيلية أن تزيل عوامل الغضب الفلسطيني من ممارسات الاحتلال القمعية والاستيطانية التي لم تتراجع بعد أوسلو.

وحينما أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000 اقتحام المسجد الأقصى برفقة قوات من الجيش الإسرائيلي قائلا إن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية، تصدى له الفلسطينيون فاندلعت انتفاضة ثانية من القدس لتنتقل إلى مدن الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقد بدأت هذه الانتفاضة بمواجهات بين المصلين والجنود سقط على إثرها سبعة شهداء وأصيب 250 من الفلسطينيين و13 جنديا إسرائيليا.

واشتعل غضب الفلسطينيين في كل مكان بعدما شاهدوا شريط فيديو التقطه مراسل قناة تلفزيونية فرنسية في 30 سبتمبر/أيلول 2000، يعرض مشاهد إعدام حية للطفل الفلسطيني محمد الدرة (11 عاما) حين كان يحتمي بجوار أبيه ببرميل إسمنتي، في شارع صلاح الدين جنوبي مدينة غزة.

وخرج آلاف الفلسطينيين في مظاهرات غاضبة حصلت خلالها مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي فسقط فيها شهداء وجرحى. وبات الطفل محمد الدرة رمزا لانتفاضة الأقصى.

وعُرفت الانتفاضة الثانية مقارنة بالانتفاضة الأولى بكثرة المواجهات المسلحة بين المقاومة وجيش الاحتلال ، الأمر الذي ظهر في حجم الشهداء الفلسطينيين والقتلى الإسرائيليين.

وذكرت إحصائيات فلسطينية وإسرائيلية رسمية أن الانتفاضة المذكورة أسفرت عن استشهاد قرابة 4412 فلسطينيـا و48322 جريحا ومصابا، ومقتل 1069 إسرائيليا (منهم جنود ومدنيون من بينهم وزير السياحة في الحكومة الإسرائيلية يومها رحبعام زئيفي) وإصابة 4500.

هذا إضافة إلى الدمار الكبير للبيوت التي خلفتها اجتياحات عسكرية للاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية، وتجريف الأراضي الزراعية.

واغتال شارون أكبر عدد من قيادات الصف الأول في المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتهم مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وخليفته في زعامتها الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وفرض حصارا على مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات برام الله، وذلك محاولة منه لإخماد الانتفاضة الثانية، لكن المقاومة لم تستسلم بل طورت آلياتها وتوسعت أكثر.

وتجاوزت الفصائل الفلسطينية مرحلة سلاح الحجارة والزجاجات الحارقة التي سادت في الانتفاضة الأولى، فطورت وصنعت أسلحة وصواريخ تمكنت من الوصول إلى مدن وبلدات إسرائيلية، وتلقت مستوطنة سديروت في 26 أكتوبر/تشرين أول 2001 أول صاروخ من صنع فلسطيني أطلقته كتائب الشهيد عز الدين القسام.

وحصل إجماع فلسطيني في انتفاضة الأقصى وساندتها حتى الفصائل المؤيدة لعملية التسوية وأولهاحركة فتح، الأمر الذي عكس استياء هذه القوى من نتائج عملية المفاوضات مع سلطات الاحتلال. كما حظيت الانتفاضة بدعم عربي وإسلامي واسع، فخرجت مظاهرات ضخمة في الشارع العربي مؤيدة لها. وأوقفت تلك الانتفاضة تراجعات فلسطينية حصلت خلال مرحلة المفاوضات.

خفت انتفاضة الأقصى بعد 8 فبراير/شباط 2005 عقب عقد اتفاق هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قمة شرم الشيخ، لكن ذلك لم يوقف المواجهات الدورية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.

“انتفاضة ثالثة”
في النصف الثاني من عام 2015 تواترت الأحداث في القدس من اقتحامات متلاحقة من الجيش الإسرائيلي لساحات المسجد الأقصى، وتكرر الاعتداء على “مرابطو الأقصى” الذين يعتكفون في المسجد دفاعا عنه، وتورط مستوطنون في إحراق عائلة الرضيع علي الدوابشة، واندلعت مواجهات في الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية بين شرطة الاحتلال وشباب فلسطينيين أغضبتهم هذه الاقتحامات.

وفي سبتمبر/أيلول 2015 كثفت قوات الاحتلال إجراءاتها القمعية ضد الفلسطينيين وكررت اقتحاماتها للأقصى. ففي اليوم التاسع من الشهر نفسه أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون أمرا بحظر نشاط مصاطب العلم والرباط في المسجد الأقصى بناء على توصيات جهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة.

وفي 14 سبتمبر/أيلول 2015 اقتحم وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أرئيل الأقصى على رأس مجموعة متطرفين؛ وفي 22 من الشهر ذاته استشهد كل من الشاب ضياء التلاحمة عند مفرق خرسا جنوب بلدة دورا جنوب الخليل، وهديل الهشلمون عند نقطة عسكرية بالخليل.

تسببت تلك الاعتداءات والاقتحامات في اندلاع مواجهات بين قوات الاحتلال وبين المرابطين في الأقصى وفي القدس المحتلة ومدن فلسطينية أخرى، توجت بإقدام المواطن الفلسطيني مهند حلبي بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2015 على تنفيذ عملية طعن في البلدة القديمة بالقدس أسفرت عن مقتل مستوطنيْن، وإصابة آخرين بجراح خطرة.

يوما بعدها استشهد فادي علون من قرية العيساوية قرب باب العامود بالقدس بعد إطلاق قوات الاحتلال النار عليه بدعوى محاولته طعن مستوطن.

وبادرت قوات الاحتلال بشن حملة اعتقالات واسعة شملت خلية زعمت تل أبيب أنها تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في نابلس، وأنها كانت وراء تنفيذ عملية أسفرت عن قتل مستوطنين. واتُّهمت أجهزة السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع إسرائيل في اعتقال الخلية، مما دفع حماس لاستيضاح موقف السلطة بهذا الشأن.

وأعلن نادي الأسير الفلسطيني أن عدد المعتقلين في القدس بلغ نحو 150 معتقلا خلال عشرة أيام فقط.

وجرت أبرز المواجهات بين الاحتلال والفلسطينيين في كل من القدس وبيت لحم وبلدة بلعا شرق مدينةطولكرم والخليل، وخرجت مظاهرات مؤيدة للمقاومة ومنددة بإجراءات الاحتلال في كل من غزة ومناطق 1948.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرر التصعيد وعزز قوات الجيش والشرطة في المدن التي اشتعلت فيها نار المواجهات وخاصة القدس والخليل، وأكد أنه لا يوجد أي شيء يمنع قواته من توقيف من يصفهم بالمحرضين.

ورفع تبني المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية قرارا بـ”تفويض الجنود الإسرائيليين إطلاق النار على الفلسطينيين في حال تعرض الجيش أو أي مواطن يهودي للخطر”، من مستوى التوتر بالقدس؛ خاصة مع كثرة استهداف المستوطنين للفلسطينيين الذين يضطرون للدفاع عن أنفسهم باستعمال الحجارة أو السكاكين.

هبة الأسرى: هبة شعبية انطلقت في 28 أبريل/نيسان 2017 من أجل الأسرى في السجون الإسرائيلية، حيث تضامن الشعب الفلسطيني مع إضراب الأمعاء الخاوية عن الطعام خاضه نحو 1500 في السجون الإسرائيلية ضد ظروف اعتقالهم، وقد استمرت الاضرابات والاحتجاجات في أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هبة الأقصى: انطلقت في 16 يوليو/تموز 2017 واستمرت حتى 25 يوليو/تموز2017 ، وكانت تحركا  شعبيا حاشدا وواسعا تميز باعتصامات متواصلة على بوابات الأقصى التي وضعت عليها سلطات الاحتلال بوابات إلكترونية لتفتيش وفحص المصلين، وذلك إثر هجوم مسلح انتهى بمصرع اثنين من عناصر شرطة الاحتلال على باب حطة.

وانتهت الهبة بتراجع سلطات الاحتلال عن قرارها، واستشهد خلالها 15 فلسطينيا وأصيب المئات بجراح.

ورأى عدد من المراقبين والمسؤولين الفلسطينيين أن إصرار إسرائيل على الاعتداء على الأقصى وعلى الفلسطينيين ومقدساتهم وممتلكاتهم قد يشعل نار انتفاضة ثالثة.

الجزيرة