قرار ترمب بشأن القدس وعواقبه

قرار ترمب بشأن القدس وعواقبه

بعد مرور 50 عاما على الحرب التي دامت ستة أيام (يوينو/حزيران 1967)، ما زالت تداعيات هذه الحرب تحدد مستقبل الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية. فقد انجلت عن احتلالإسرائيل للضفة الغربية وغزة والقدس، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان.

وفي ذلك الوقت، ظن العالم أن هذه النتيجة العسكرية مؤقتة. وقد اعتُمد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وهو القرار الذي كان يُعد خلفية للحل الدبلوماسي لمشكلة الفلسطينيين الذين “لا دولة لهم”، بعد خمسة أشهر من انتهاء الحرب. ولكن، كما هو الحال في كثير من الأحيان، ما بدأ بشكل مؤقت قد استمر.

وبذلك قد أعلن الرئيس دونالد ترمب مؤخرا عن قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأشار ترمب إلى أنالولايات المتحدة لم تتخذ موقفا حول الوضع النهائي للقدس بما في ذلك “الحدود المُعينة للسيادة الإسرائيلية” هناك. وأوضح الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة ستؤيد حلا يُرضي الدولتين إذا وافق عليه الطرفان. وقد اختار عدم البدء في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب، على الرغم أنه كان بإمكانه إعادة تسمية القنصلية الأميركية في القدس.

“إدارة ترمب ترغب بإعطاء دول أخرى، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، دورا محوريا في صنع السلام. هذا النهج يدل على الرأي القائل بأن السعودية والحكومات العربية الأخرى أكثر اهتماما بتهديد إيران من أي شيء له علاقة مع إسرائيل. ونتيجة لذلك، فهم مستعدون لوضع عدائهم الطويل الأمد تجاه إسرائيل جانبا”

إن محاولة تغيير سياسة الولايات المتحدة لم تقنع الكثيريناستبشر معظم الإسرائيليين خيرا بالموقف الأميركي الجديد، لكن معظم الناس في العالم العربي وخارجه أصيبوا بخيبة أمل وإحباط.

لماذا اختار ترمب هذه الفترة لإقرار هذا الإعلان؟ إنها مسألة تخمين فقط ؟ أشار الرئيس إلى أن ذلك كان مجرد اعتراف بالواقع وأن فشل سياسة أسلافه في القيام بذلك لم يحقق أي مزايا دبلوماسية. هذا صحيح، على الرغم من أن سبب فشل الدبلوماسية على مدى عقود لم يكن له علاقة بالسياسة الأميركية تجاه القدس، بل كان له علاقة بالانقسامات بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتباينات في المواقف بين الجانبين.

وقد نسب آخرون الإعلان الأميركي إلى السياسة الداخلية الأميركية، وهو استنتاج يؤيده فشل الولايات المتحدة في المطالبة بأي شيء من إسرائيل (على سبيل المثال، وقف بناء المستوطنات) أو تقديم أي شيء للفلسطينيين (على سبيل المثال، دعم مطالبتهم بتحرير القدس). وعلى الرغم من أن القرار قد أثار العديد من ردود الفعل العنيفة، فإنه يعتبر فرصة ضائعة أكثر من الأزمة التي خلقها.

لقد أثار هذا البيان الكثير من الجدل، وقد تكون له عواقب وخيمة، والدليل على ذلك أن إدارة ترمب قد أمضت جزءا كبيرا من سنتها الأولى باحثة عن خطة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد يؤدي هذا الإعلان إلى إضعاف إمكانيات هذه الخطة المحدودة أصلا.

ويبدو أن إدارة ترمب ترغب في إعطاء دول أخرى، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، دورا محوريا في صنع السلام. إن هذا النهج يدل على الرأي القائل بأن السعودية والحكومات العربية الأخرى أكثر اهتماما بتهديد إيران من أي شيء له علاقة مع إسرائيل. ونتيجة لذلك، فهم مستعدون لوضع عدائهم الطويل الأمد تجاه إسرائيل جانبا، وهي دولة تشاطرها إلى حد كبير نفس وجهة النظر إزاء إيران.

ومن شأن إحراز تقدم في القضية الإسرائيلية الفلسطينية أن يخلق سياقا سياسيا في البلدان العربية يسمح لها بالقيام بذلك. إن الأمل في إدارة ترمب يكمن في استخدام السعوديين لمواردهم المالية لإقناع الفلسطينيين بالموافقة على تحقيق السلام مع إسرائيل حسب شروط ستقبلها إسرائيل.

والمشكلة هي أن الخطة الوحيدة التي من المرجح أن توافق عليها الحكومة الإسرائيلية ستقدم للفلسطينيين أقل بكثير مما طالبوا به تاريخيا. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يقرر القادة الفلسطينيون رفض التوقيع على خطة ستعمل على إحباط الكثيرين من شعبهم وتركهم عرضة لحركة حماس وجماعات “متطرفة” أخرى.

“الأمل في إدارة ترمب يكمن في استخدام السعوديين لمواردهم المالية لإقناع الفلسطينيين بالموافقة على تحقيق السلام مع إسرائيل، ولكن الخطة الوحيدة التي من المرجح أن توافق عليها الحكومة الإسرائيلية ستقدم للفلسطينيين أقل بكثير مما طالبوا به تاريخيا. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يقرر القادة الفلسطينيون رفضها”

قد يكون السعوديون مترددون في اشتراكهم في خطة يعتبرها الكثيرون بمثابة خيانة. وتتمثل الأولوية القصوى للقيادة السعودية الجديدة، بزعامة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في تعزيز السلطة وذلك من خلال الجهود التي يقوم به الأمير لمحاربة الفساد في المملكة وإتباع سياسة خارجية وطنية معادية لإيران.

ولكن لا يسير أي تكتيك منهما وفقا للخطة. وتتعرض جهود مكافحة الفساد، رغم أنها شعبية حتى الآن، لخطر التشويه من خلال ملاحقة انتقائية للجناة (مما يوحي بأن المسألة تتعلق بالسلطة أكثر من الإصلاح) وتقارير عن نمط الحياة الخاصة لولي العهد. وأصبح من غير الممكن فصل الجهود المناهضة لإيران عن الحرب في اليمن والحرج الدبلوماسي في لبنان وقطر. وفي الوقت نفسه، أثبتت الخطط الطموحة لإصلاح البلاد أنها سهلة التصميم لكن صعبة التنفيذ، ومن المؤكد أنها ستبعد العناصر الأكثر تحفظا.

إن مشكلة ترمب وجاريد كوشنر، صهره الذي يقود السياسة الأميركية في هذه المنطقة، هي أنه من المرجح أن تثبت السعودية أنها ليست شريكا دبلوماسيا قويا عكس ما كان يعتقد البيت الأبيض. وإذا كان ولي العهد الجديد قلقا إزاء وضعه السياسي الداخلي فاٍنه سيتردد في الوقوف جنبا إلى جنب مع رئيس أميركي يعتبره قريبا جدا من إسرائيل التي ترفض تلبية المطالب الفلسطينية البسيطة لإقامة دولة.

كل ذلك يعيدنا إلى قضية القدس. قال ترمب إن الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل “خطوة طال انتظارها لدفع عملية السلام إلى الأمام والعمل من أجل التوصل إلى اتفاق دائم”. ويبدو أن المزيد من الإجراءات ستظهر أن إعلان ترمب سيكون له تأثير معاكس.

ريتشارد ن. هاس

الجزيرة