لماذا تمتلك بعض دول العالم سلاحاً نووياً وتحرمه على غيرها؟

لماذا تمتلك بعض دول العالم سلاحاً نووياً وتحرمه على غيرها؟

لماذا لا يمكن لإيران (أو لدول أخرى) امتلاك القنبلة النووية التي تمتلكها رسميًا 7 قوى؟ إذ لماذا تمتلك بعض الدول في الواقع هذا السلاح المميت دون غيرها؟ يفسّر تاريخ عدم انتشار الأسلحة النووية الوضع الحالي.

يوم 6 أغسطس 1945، اكتشف العالم سلاحًا جديدًا؛ إذ أسقطت الولايات المتّحدة قنبلة نووية على هيروشيما، ولكن لم تحافظ على هذا التميّز لفترة طويلة؛ ففي عام 1949 بدأ الاتّحاد السوفيتي أولى تجاربه النووية، تلتها المملكة المتّحدة في عام 1952، وفرنسا في عام 1960، ومن ثمّ الصين في عام 1964.

وسرعان ما قام الأمريكيون بكلّ شيء للحدّ من انتشار الأسلحة النووية، ومنذ عام 1946 تنظّم واشنطن هذه المسألة؛ إذ يعلن قانون ماكماهون الّذي عدّل عند ازدياد التوتر مع الاتّحاد السوفيتي وإعلان الحرب الباردة أنّ جميع البيانات المتعلّقة بالطاقة النووية صنّفت كسرية ويحظر استخدامها في الصناعة الخاصة؛ إذ أرادت الولايات المتّحدة الحفاظ على تقدّمها.

مثال فرنسا

لم تدم محاولة الولايات المتّحدة للحفاظ على هذا التقدم؛ إذ سرعان ما تدارك الاتّحاد السوفيتي هذا التأخر. وسعت فرنسا بسرعة إلى الحصول على سلاحها النووي، وتبيّن الحالة الفرنسية أنّ من الممكن أن يكون طرف ما مع عدم انتشار السلاح النووي وطرفًا رئيسًا في انتشار ما تبعًا للحالة؛ إذ “كانت باريس على السواء، ولكن ليس دائمًا، ضحية لسياسات عدم انتشار الأسلحة النووية وخاصة من قبل الولايات المتّحدة وفي أوقات أخرى ناشرًا كبيرًا.

وتدين القنبلة الإسرائيلية بالتأكيد وربّما القنبلة النووية الباكستانية إلى فرنسا، أمّا فيما يتعلّق بالعراق فلئن فشلت جهوده النووية، فإنّ ذلك لا يعود بالتأكيد إلى خطأ الحكومات الفرنسية آنذاك” حسب ما أتى في مجلّة تاريخ الجيوش.

وتضيف المجلّة: “يظنّ الكثيرون أنّ لأسباب اقتصادية (تصدير المصانع والمعرفة النووية) وسياسية (الهروب من “هيمنة القوتين العظيمتين” المزعومة) كان من المناسب القبول أو حتّى التعزيز إلى حدّ ما في انتشار الأسلحة النووية“.

معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية: معاهدة تمييزية

في عالم ثنائي الأقطاب، كانت مراقبة انتشار الأسلحة النووية أكثر “بساطة”، وعرفت الأسلحة النووية بأنها تمنع الحروب المباشرة بين القوى الكبرى؛ إذ كانت استراتيجية الردع دارجة، ويبدو أنّها نجحت على الرغم من توترات الحرب الباردة.

تفاوضت القوّتان العظمتان في عام 1960 على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية؛ إذ لم يرغب الحاصلون على التكنولوجيا النووية في منع التطوير المدني للنووي مع كلّ المصالح الاقتصادية الّتي يمكن أن يجلبها من خلال ضمان مراقبة التقنيات بهدف تجنّب أي انحراف عسكري.

يرى الباحث الأكاديمي و”واضع الاستراتيجيات السياسية” جايرار شاليان، أنّ الحدّ من انتشار الأسلحة النووية “يستهدف (أيضًا) تأخير -بقدر المستطاع- إمكانية أن تصبح القوى المتوسطة، خاصة إذا ما كانت عدائية، ملاذًا. وبالنسبة للأقوى، يتعلّق الأمر بالحفاظ على القدرة على إخضاع الأضعف“.

تمّ التوقيع على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية يوم 1 يوليو 1968، ودخلت حيّز التنفيذ يوم 5 مارس 1970 بعد أن تمّت المصادقة عليها من قبل الحكومة المودعة (الولايات المتّحدة الأمريكية والمملكة المتّحدة واتحّاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية) وأربعين دولة موقّعة أخرى. واليوم، تمّ التوقيع عليها من قبل جميع الدول تقريبًا باستثناء الهند وباكستان و”إسرائيل” (انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة بعد أن وقّعت عليها).

يستند المبدأ الأساسي لمعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية على التمييز بين الدول الّتي تمتلك السلاح النووي والّتي فجرّت قنبلة نووية قبل غرّة يناير 1967 وبين الدول الأخرى الّتي لا تمتلك السلاح النووي؛ إذ تلتزم الدول الأولى (الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفيتي والمملكة المتّحدة وفرنسا والصين) -الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن الدولي- من خلال التوقيع على المعاهدة بعدم مساعدة الدول الأخرى على الحصول على الأسلحة النووية، أمّا الدول الثانية فتلتزم بعدم صنع الأسلحة النووية وعدم السعي إلى الحصول عليها.

وعلى هذا الأساس، حدّدت ترسانة من النصوص (بما في ذلك دور الرقابة الموكل إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الّتي أنشئت في عام 1957) آليات تطبيق الحدّ من انتشار الأسلحة النووية الموجّهة إلى الدول الموقّعة على المعاهدة.

الاعتبار الوحيد الّذي يمكن أن يقلّل من عدم التوازن المنصوص عليه في معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، يكمن في الالتزامات الّتي تفرضها المادّة السادسة من نص المعاهدة والقائلة: “تتعهّد كل دولة من الدول الأطراف في المعاهدة بمواصلة إجراء المفاوضات اللازمة بحسن نيّة عن التدابير الفعّالة المتعلّقة بوقف سباق التسلّح النووي في موعد قريب وبنزع السلاح النووي، وعن معاهدة بشأن نزع السلاح العام الكامل في ظلّ مراقبة دولية شديدة وفعّالة” وفقًا لحمزة شريف. ولازلنا ننتظر نزع السلاح.

دول غير موقّعة تمتلك القنبلة النووية

على الرغم من معاهدات الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، عادت القنبلة من جديد في آسيا من خلال تجارب الهند وباكستان في عام 1998، ولكن الدولتين غير موقّعتين على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية.

“رفضت الهند دائمًا التوقيع على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، بسبب طابعها التمييزي؛ إذ ترى الهند أنّ المعاهدة تضفي ببساطة الشرعية على احتكار حيازة الأسلحة النووية وتكرّسه من قبل الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة” حسب إيزابيل كابات الّتي تقوم بأطروحة حول هذا الموضوع. كما رفضت الهند أيضًا التوقيع على المعاهدة الّتي تحظر التجارب النووية. أمّا باكستان فقد بنت دائمًا سياستها وفقًا لسياسة الهند: “لن توقّع طالما أنّ الهند لم توقّع”.

وتعرّضت الدولتان إلى عقوبات من قبل الولايات المتّحدة الّتي انتهت برفع أغلبها.

حالات إيران و”إسرائيل” وكوريا

ثلاث دول وثلاث حالات مختلفة؛ إذ بدأ تطوير النووي الإيراني في عام 1950 بمساعدة الولايات المتّحدة ناهيك عن فرنسا في عام 1970، وقد وقّعت إيران على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية في عام 1968، وصادقت عليها في عام 1970. وفي نهاية عام 1980، وضعت إيران تكنولوجيات تخصيب (مع باكستان) ووجدت إيران نفسها بعد الاشتباه بأنّها تريد الحصول على السلاح وهي الطرف في المعاهدة، في صراع مع المجتمع الدول وفرضت عليها عقوبات.

أمّا حالة كوريا الشمالية فمختلفة؛ لأنّ البلاد قد انسحبت من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية قبل أن تبدأ بتجاربها النووية.

وأخيرًا، تحافظ “إسرائيل” الّتي لم توقّع على المعاهدة على الغموض حول قدراتها النووية العسكرية.

“تمتلك دول أخرى التكنولوجيا والمعرفة العلمية الضروريتين لصنع الأسلحة النووية بسرعة، ويمكن بالتالي لهذا الدول أن تؤكّد رسميًا على عدم امتلاكها لأسلحة كهذه” حسب موقع ديبلو ويب.

تبقى الآن حالة “الدول العتبة” أي الدول المعروفة بقدرتها على الحصول سريعًا على السلاح النووي ولكنها لم تطوّره، ومن بين هذه الدول، وضعت الولايات المتّحدة العراق (خطأ) وغزته، ولكن يمكن لدول أخرى أن تدخل ضمن هذا التصنيف، ولكن المفهوم لا يزال غامضًا، ويبدو أن إيران تتواجد ضمن هذه الفئة، وهناك أيضًا دول أخرى قادرة على تخصيب اليورانيوم مثل جنوب إفريقيا والأرجنتين والبرازيل واليابان.

في عالم متعدّد الأقطاب، يبدو أنّ غياب النظام الأمني يدفع القوى المتوسّطة إلى تعزيز ترسانتها. إلى حدّ الحصول على السلاح النووي؟ ربّما يحتضر النظام الحالي للحدّ من انتشار السلاح النووي القائم على عدم المساواة بين الدول الحائزة على القنبلة والدول الّتي لا تمتلكها.

“شوّه النقاش حول النووي منذ أنّ ادّعت بعض الدول الحقّ في أن تحدّد من لديه الحق في الحصول على السلاح النووي، وفي فترة “توازن الرعب” بين الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفيتي السابق، عمّ السلام.

وأيضًا كان هناك سبب للاعتقاد بأن حيازة السلاح النووي يمكن أن يكون رادعًا ويسهم في استقرار العالم. ومن الواضح أنّه إذا امتلكت ليبيا القنبلة الذريّة، فما كان ليقصفها حلف شمال الأطلسي، ولن يهدّد الغرب الأنظمة الّتي لا تروق له ويريد تغييرها” حسب الصحيفة الجزائرية (الموالية للحكومة) لكسبراسيون.

أكّد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الّذي ظهر دائمًا كشخصية سيئة في عيون الغرب، أنّ إيران “لا تحتاج إلى القنبلة الذرية”، ولكنّه لم يقنع القوى النووية الكبرى الحاضرة في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة الّذين فرضوا عقوبات على إيران. واليوم، قد يسمح الاتّفاق مع الولايات المتّحدة والدول الأخرى المشاركة في المفاوضات لطهران بتخفيف القبضة الخانقة.

التقرير