الاقتصاد الإيراني يدفع ثمن عقود من الفساد والنهب

الاقتصاد الإيراني يدفع ثمن عقود من الفساد والنهب

 

تشير البيانات والتقارير الدولية إلى أن تسارع وتيرة تردّي الوضع الاقتصادي في إيران في ظل حكم المؤسسة الدينية، هو الدافع الرئيسي للاحتجاجات التي تعيشها معظم مدن البلاد حاليا.

وتؤكد معظم المؤشرات أنها نتيجة مباشرة لاستشراء الفساد وسوء الإدارة وتسخير الثروات للأجندات السياسية الخارجية وبرامج التسلح العسكري والنووي، في مقابل حرمان الشعب منها وغياب السياسات الاقتصادية الفعالة لتحسين الأوضاع الاقتصادية.

ويرى إسفنديار بتمانقليج مؤسس مجموعة “أوروبا إيران بزنس فوروم” أن دوافع الإيرانيين الأساسية هي تراكم المشكلات الاقتصادية والإحباط من عدم وجود فرص عمل وغموض مستقبلهم.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه “لا شك أن الإجراءات الاقتصادية في إيران صعبة، لكن صبر الناس لا بد أن ينفد من هذه التدابير” الضعيفة وغير المقنعة.

وتحتل إيران مراكز متأخرة على مؤشر منظمة الشفافية العالمية إذ تمّ تصنيفها العام الماضي في المرتبة 131 عالميا في مكافحة الفساد من بين 176 دولة يرصدها المؤشر، ما يعني أن معظم مؤسسات الدولة داخل دائرة المحسوبية والاستغلال.

ويتكوّن الاقتصاد الإيراني الذي يزداد غرقا مع انعدام رؤية واضحة للخروج من المأزق من ثلاثة قطاعات أساسية هي العام والخاص وشبه الحكومي الذي يتضمن مؤسسات دينية وعسكرية وجمعيات والتأمين الاجتماعي وصناديق المعاشات التقاعدية.

ويتفق محللون على أنه كنتيجة لعمليات الخصخصة المشبوهة خلال سنوات حكم نظام ولاية الفقيه تم نقل ملكية مؤسسات حكومية عليا إلى القطاع شبه الحكومي، وبالتالي بدأ هذا القطاع تدريجيا يتحوّل إلى أكبر دائرة في اقتصاد الدولة.

ويقول متابعون للشأن الاقتصادي الإيراني إن أحد أبرز اللاعبين الرئيسيين في القطاع شبه الحكومي شبكة الشركات التي تعمل لحساب الحرس الثوري.

ورفعت طهران في موازنة العام القادم التي تبدأ في شهر مارس المقبل، في مخصصات الحرس الثوري إلى نحو 7.6 مليارات دولار، في حين كانت بحدود 4.5 مليارات دولار في الموازنة الحالية، وسط اتهامات بتوفير تلك الأموال من قوت المواطنين.

وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية في وقت سابق أن الرئيس حسن روحاني يحاول الحد من نفوذ ميليشيات الحرس الثوري إذ يرى أن فسادها أضرّ بالاقتصاد الذي يزداد وضعه سوءا يوما بعد يوم، لكن دون جدوى على ما يبدو.

وأدّت تلك العوامل مجتمعة إلى ارتفاع البطالة إلى نسبة 60 بالمئة بين الشباب في معظم أنحاء البلاد حيث تحتاج السوق المحلية إلى 800 ألف فـرصة عمل جديـدة سنويا لامتصاص البطالة، وهو أمر غير ممكن حاليا.

وانعكست تلك الوضعية على معدلات الفقر في البلاد إذ تظهر بيانات حكومية أن 35 بالمئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، غير أن محللين يشككون في تلك النسبة ويقولون إنها تتجاوز ذلك لتصل إلى حدود 43 بالمئة.

ومع ذلك، تؤكد إحصائيات غير رسمية أن أكثر من نصف السكان في إيران يعانون الفقر المدقع بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة.

وتعيش مدن إيرانية منذ أسبوع، على وقع احتجاجات تختلف حدتها من مدينة لأخرى، رفضا لإجراءات التقشف ورفع الأسعار في عديد السلع الرئيسية في موازنة 2018 والتراجع عن قرار رفع الدعم عن ملايين الأفراد المستحقين له.

ووصلت مستويات التضخم إلى معدلات غير مسبوقة فاقت 10 بالمئة، بحسب تقديرات غير رسمية، في حين كانت النسبة 3.8 بالمئة في عام 2016.

ويأتي ارتفاع معدلات التضخم في السنوات الماضية تزامنا مع استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران التي رفعت عنها شكليا قبل عامين بعد توصلها إلى اتفاق مع القوى العالمية على كبح برنامجها النووي المثير للجدل.

ويمكن إضافة سببين آخرين لنفاد صبر الإيرانيين على النظام الحاكم، أولهما أن البنوك التي أعلنت إفلاسها في إيران مؤخرا، معظمها من مدينة مشهد، وقد فقد الكثير من أهالي المحافظة أموالهم فيما لم تقم الحكومة بتعويض المتضررين حتى الآن.

أما السبب الثاني فهو خسارة 160 ألف عائلة في مشهد أموالها في مشروع “شانديز” السكني عبر عملية احتيال واسعة تشير أصابع الاتهام إلى تورط مسؤولين متنفذين بالنظام فيها.

ولا تقف الأزمة عند تلك الحدود، فقد أشارت بيانات البنك الدولي العام الماضي إلى أن إيران من بين أسوأ دول العالم في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، وهو ما يثبته تردد دخول الشركات الأجنبية حتى اليوم رغم رفع العقوبات الاقتصادية عنها.

وتعد تكلفة التمويل أو الاقتراض في إيران من بين أعلى المستويات عالميا، حيث تبلغ 18 بالمئة، ما يجعلها تاسع أعلى دولة من حيث أسعار الفائدة من بين 150 بلدا.

ووفق الخبراء أدى فشل السياسات الاقتصادية الحكومية في إيران، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إلى بلـوغ نسبة الدين العام إلى حوالي 35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

صحيفة العرب اللندنية