أمل الشعب الإيراني

أمل الشعب الإيراني

إن من أكثر الأشياء غرابة في الاحتجاجات الحالية فيإيران -وهي الأكبر منذالحركة الخضراء عام 2009- أن الناس الموجهة ضدهم هم نفسهم الذين بدؤوها في المقام الأول.

ذلك أن الثيوقراطيين المحافظين في إيران يعتقدون أنهم بإثارة الغضب على الاقتصاد في قلب نظامهم السياسي، سيقوّضون الرئيس المعتدل حسن روحاني. ولكنهم فشلوا في توقع مدى استياء الشعب الإيراني من الوضع الراهن، وخاصة دورهم فيه.

ولكن من الواضح أنه رغم الاحتجاجات الواسعة النطاق من غير المرجح أن يتمكن المتظاهرون من إسقاط النظام الإيراني. إن قوات الأمن الإيرانية جد قوية، ولديها الكثير على المحك في النظام الحالي الذي يسمح لها بالسيطرة على الاقتصاد الإيراني بشكل كبير.

“حتى الآن، لم يرغب روحاني أو بالأحرى لم يتمكن من استخدام سلطة الرئاسة لإصلاح إيران. لكنه -بسبب الاحتجاجات- كان متحمسا أكثر من أي وقت مضى لتحسين الظروف الاقتصادية المحلية. وفي حالة فشله في القيام بذلك، فإن إيران قد تواجه موجة كبرى من الاحتجاجات، مع قيادة للمحتجين أقوى وأهداف أكثر وضوحا”

وعلاوة على ذلك، يفتقر المتظاهرون إلى قيادة قوية وأهداف واضحة. وبغض النظر عن مدى تشجيع القوى الغربية لهم؛ فإن الاحتجاجات تبدو غير مؤكدة، مع تشبث المتشددين الإسلاميين بقواعد سلطتهم، وسيطرة قوات الحرس الثوري الإسلامي على معظم دواليب الدولة وأنشطتها الأمنية. ولكن هذا لا يعني أن شيئا لن يتغير، كما أنه لا يعني أن الغرب ليس لديه أي نفوذ يمارسه.

من الممكن مثلا أن يتخلى روحاني عن منصبه في نهاية المطاف سواء بالقوة أو بالاختيار، لكن هذا يكاد يكون بمثابة نجاح للمتظاهرين. وعلى كل حال؛ فإن روحاني هو المسؤول المعتدل المفترض في دولة لم ينحدر دستورها -في نظر النخبة الدينية- من العالم الدنيوي.

وإذا كانت حماية النقاء الديني لحكومتهم -ومعه مكاسبهم غير المشروعة- تتطلب قمع شعبهم بوحشية وإعادة إيران إلى العصور المظلمة، فإن المتطرفين الذين سيتولون زمام الأمور سيفعلون ذلك بلا تردد.

سواء أتنحى روحاني أم لا، فإنه من الواضح الآن استحالة استمرار الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى، بل ربما يظل لفترة ليست طويلة. وقد تم إبلاغ الإيرانيين بأن الاتفاق النووي الذي عُقد عام 2015 من شأنه أن يُخرجهم من الأزمات الاقتصادية.

ولكن بسبب الفساد المستمر (تحتل إيران المرتبة الأدنى عالميا في هذا المجال) فإن نسبة التضخم السنوي تجاوزت 10%، وبلغت نسبة البطالة بين الشباب 25%. ووفقا لمؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي؛ فإن مواطني العراقوجنوب السودان هم أكثر تشاؤما بشأن مستقبلهم.

حتى الآن، لم يرغب روحاني أو بالأحرى لم يتمكن من استخدام سلطة الرئاسة لإصلاح إيران. لكنه -بسبب الاحتجاجات- كان متحمسا أكثر من أي وقت مضى لتحسين الظروف الاقتصادية المحلية. وفي حالة فشله في القيام بذلك، فإن إيران قد تواجه موجة كبرى من الاحتجاجات، مع قيادة للمحتجين أقوى وأهداف أكثر وضوحا.

يجب على أي جهد مبذول لإصلاح الاقتصاد الإيراني أن يُدرك السخافة المكلفة للسياسة الخارجية التوسعية للبلاد. إن تمويل حرب بالوكالة في اليمن، ودعم حزب سياسي وجماعة إرهابية في لبنان، والسعي للسيطرة على سوريا والعراق؛ تكلف كلها مليارات الدولارات سنويا. ولا ينبغي أن نفاجَأ بشعار المتظاهرين: “دعوكم من سوريا.. فكروا في شأننا”.

فالمواطنون الإيرانيون ليسوا الوحيدين المعارضين للسياسة الخارجية لبلدهم. إن معظم الحكومات الغربية والشرق أوسطية تشعر بقلق بالغ من سلوك إيران، الذي يعكس رفض المعايير الدولية مثل احترام السيادة الوطنية. إن تهديدات إيران العلنية بتدمير أميركا ودول الخليج لا تساعد في حل الأمور.

إن إشكالية السياسة الخارجية الإيرانية ليست نتيجة لسوء الإدارة، بل نتيجة لأيديولوجيا سامة. وفي الواقع، هناك مفهومان يؤكدان ذلك؛ يتمثل المفهوم الأول في اعتقاد قادة إيران أن الجغرافيا السياسية العالمية لا أهمية لها، وهو اعتقاد مشترك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ربما يفسر هذا التحالف الوثيق الذي شُكل بين روسيا وإيران).

“المواطنون الإيرانيون ليسوا الوحيدين المعارضين للسياسة الخارجية لبلدهم. إن معظم الحكومات الغربية والشرق أوسطية تشعر بقلق بالغ من سلوك إيران، الذي يعكس رفض المعايير الدولية مثل احترام السيادة الوطنية. إن تهديدات إيران العلنية بتدمير أميركا ودول الخليج لا تساعد في حل الأمور”

ويكمن المفهوم الثاني -وهو الأكثر خطورة- في اعتقاد قادة إيران أن لديهم حقا أعطاهم الله إياه في توحيد المسلمين الشيعة في ظل خلافة واحدة. والنتيجة هي نظام عدائي يعتبر نجاح جيرانه بمثابة تهديد له، وهو مستعدّ لشن حرب من أجل ذلك.

ستكون القيادة الإيرانية مترددة للغاية في الانسحاب من المناصب التي اكتسبتها البلاد عبر الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، وهي مراكز هجومية يعتبرها المتشددون في النظام أصولا حاسمة للأمن القومي والسياسة الخارجية.

ولكن لدى الغرب -في ظل الاحتجاجات الراهنة- فرصة لدفع إيران إلى تعليق طموحاتها الإقليمية، والتركيز على وضعها الداخلي اليائس. وفي حالة التوصل إلى اتفاق يمكن خفض العقوبات القائمة؛ وإذا رفض قادة إيران التنحي فإنه يمكن فرض عقوبات جديدة.

ومن المؤكد أنه إذا تولى المتطرفون الدينيون السيطرة على جميع مستويات الحكومة الإيرانية، فإن النداءات القائمة على الآفاق الاقتصادية الإيرانية سيتم تجاهلها.

لكن إذا ظل روحاني في الرئاسة -أو حل محله معتدل آخر- فمن المرجح أن يوفر هذا الضغطُ الحمايةَ الكافية للحد من المغامرة الإيرانية الأجنبية وإصلاح الاقتصاد المحلي. ومن شأن ذلك أن يقلل من خطر العنف الحاد في إيران، وسيحفز المعارضة على محاربة المتطرفين الدينيين.

تمر إيران بنقطة تحول، ويجب على العالم الآن أن يبعث برسالة واضحة إلى نظامها، يكون مضمونها: وقف زعزعة استقرار المنطقة، ومساعدة الشعب الإيراني على الازدهار.

جيفري هون

الجزيرة