اقتحام تكريت الإيراني.. المخرج الإنقاذي

اقتحام تكريت الإيراني.. المخرج الإنقاذي

580

سقطت كل الحجج وكل التغطيات الوهمية لحرب النظام الحاكم في العراق الموالي لإيران على مدن الاستقلال العراقي ذات الغالبية السنية التي وضعت بين فكي كماشة ونفذت عليها داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) كالعادة مصيدة متدحرجة تمكن إيران ومشروعها الطائفي من البطش بكل روح مستقلة عن هيمنتها في العراق، في ظل مذابح واستباحة واسعة للإنسان العربي في هذه المدن التي تحولت فيها صفقة الغرب الكبرى مع إيران وما قبلها إلى جحيم يصب عليها بلا هوادة.

لكننا اليوم، نبحث في مخرج إنقاذ متوازن ينقذ المدنيين ويوقف عملية الهولوكوست والآبارتايد التي تنفذ على سنة العرق وأتباع الشيخ الصرخي وأي روح استقلال يمكن أن تجد مرفأ تتنفس منه، فتسحقها ميلشيات إيران المتعددة، أو تدحرج عليها مشاريع داعش، وتتكامل عليها مصالح انتهازية لبعض سياسيي سنة العراق، الذين سيعود العبادي المصنوع طائفيا وميلشياويا للبطش بهم إن لم يباركوا بقية خطة التطهير.

هذا الطرح يحتاج إلى عمق وفهم دقيق لمسارات الاستثمار وإعادة صناعة التحالفات من كل طرف حريص على العراق وأهله، لتحقيق قاعدة يقوم عليها توازن يتحول لصالح هذه المدن.

تغيير موازين المعادلة القائمة يقوم على عدة أضلاع يؤسسها اجتماع إقليمي مصلحي تقوده الدول الثلاث السعودية وتركيا وقطر، ليكون محور دعم مقابل محور واشنطن والغرب وطهران وروسيا الداعم لنصر مطلق للإيرانيين ولمذابحهم الطائفية في العراق”

إنه ليس بروباغندا إعلامية أو منبرا للمشاتمة مع داعش التي تهيمن على بعض الشارع السني في الخليج العربي، وتدفع ضحايا الغدر الإيراني في العراق لمجرد تصفية الذات أو التورط في تقاطعات عسيرة تسحق مدنهم وإنسانهم، في زمن يغيب فيه فقه المصالح الشرعية السياسية وأيقونة الحديبية عن تفكير الرأي العام الإسلامي والعربي.

ولتفكيك المشهد نقول، إن مشروع إيران وصفقة الغرب تستفيد من حجم توظيف دول قُطرية كبيرة في الوطن العربي وتركيا للمشاركة في هذا التحالف، وقد نجح هذا الاستثمار بعد تطرف شديد من حماقات داعش التي أسست لأرضية قلق لدى كل هذه الدول لوضع داعش خطرا أول، في حين أنها اليوم تستخدم للدحرجة واستثمار ما بعد الحرب باسمها، لإعلان العراق كليا، تحت قبضة ولي الفقيه، وهي حرب وجودية لإيران ستعاني منها المنطقة كثيرا.

بل إن إنجاز هذا المشروع، سوف يضرب فكرة عاصفة الحزم ومواجهة المشروع الإيراني في مفصل رئيسي، يؤدي إلى تكريس تمكنه من سوريا واليمن ولبنان، وعليه سيتحول إلى الخليج العربي وتركيا ذاتها التي تستدرج إلى الموصل، ولذلك فإن إعادة رسم خيوط التفكير الإقليمي باتت ضرورة لدول المنطقة، وضبط هذا التحرك ووقف استثمار واشنطن وإيران لإمكانياتهم، ضد مصالح العرب والشرق ومصالح هذه الدول، فهل هذا ممكن التحقق؟

نقول نعم ممكن وبمساحة أمن أفضل للشركاء الإقليميين ومخاطر أقل، وبفرصة تحول هذا الاستثمار إلى اتجاه مركزي نحو الهدف الكبير لأمن الشرق الإسلامي من صفقة الغرب وطهران، وهو الاحتواء المزدوج لإيران وداعش.

ومن المهم جدا أن نؤكد على حقيقة كبرى يسهل رصدها، وهي أن ثمرة ما يجري اليوم في جبهة الموصل وما قبلها يتوجه لعكس هذا الهدف، فهو سيقوي إيران ويقوي تحالفها مع الغرب ضد الشرق الإسلامي وضد الإنسان العراقي، وسيبعثر شظايا داعش لتضرب في مسارات الأمن الإستراتيجي لدول المشرق العربي.

وتغيير موازين المعادلة، يقوم على عدة أضلاع يؤسسها اجتماع إقليمي مصلحي تقوده الدول الثلاث السعودية وتركيا وقطر، ليكون محور دعم مقابل محور واشنطن والغرب وطهران وروسيا الداعم -مع مشاركات عربية- لنصر مطلق للإيرانيين ولمذابحهم الطائفية، التي تجري في اجتياحهم نحو جبهة الموصل.

أما عناصر التفعيل والتغيير الوطني على الأرض، فهي غرفة عمليات لتحالفات من العراقيين، تقوم على اقتناعهم جميعا بمنع هذا الخطر وتأمين الموصل ومحيطها، من هذا الهولوكوست وما بعده، وهو هنا يقوم على تشكيل عشائري مندمج ضمنيا بقواعد الثوار في فصائل المقاومة، ككتائب ثورة العشرين وجيش النقشبندية، وبعض كبار ضباط الجيش العراقي السابق، ليكوّن فريقا عسكريا أمنيا، يضمن انسحاب كل مقاتلي داعش من هذه الجبهات.

“التقدم لصناعة سياسية جديدة، ضرورة أمام الشرق الإسلامي بمحوره المستقل وشعوبه، والتأخير مكلف للغاية، وهذا الحضور الإستراتيجي سيخضع له الغرب اليوم حين تتحالف دول له معها مصالح، لكنه لن يفعل شيئا غدا، حين يكتمل الهلال الطائفي لصفقة واشنطن وإيران”

هذا هو العنصر الميداني الأهم، وعبره تستطيع دول المحور الإقليمي الإسلامي التي يمكن ضم باكستان لها مستقبلا ودول أخرى، أن تضغط بقوة على واشنطن لمنع هذا الاجتياح، وتشكيل نقاط مراقبة من قواتها، ثم البدء بتأمين إطار سياسي فوري من مجلس مشترك بين هذا التشكيل وبعض السياسيين، الذين لم يتورطوا في التأييد المطلق لعمليات الاجتياح الإيرانية في صلاح الدين وغيرها.

إن كل منصف يعرف الفرق بين عشائر وفصائل المقاومة التي أيدت عاصفة الحزم والتي انضبطت شرعيا وإنسانيا في كفاحها، وبين مراهقات وجرائم داعش، وفصل هذا البنيان العراقي المهم عن مشروع الشرق الإسلامي، خطيئة كبرى تتحول اليوم إلى كارثة متدحرجة، تمكن للخصم الإيراني وصفقاته.

وهذا السيناريو ليس مشروعا متكاملا يستدعي تحول العراق إلى استقلال تام، أو هزيمة مطلقة للمشروع الإيراني، لكنه مخرج لسلامة المدنيين ولملف مصالح الشرق الإسلامي الذي طالما أخضع لقواعد اللعبة الغربية الإيرانية ومصالحها، وهو هنا يضع قواعد اللعبة لصالحه.

كما أن شدة الصراع بين السنة العراقيين يجب ألا تمنع مثل هذا التوحد على هذه التقاطعات، فالمشروع الإنقاذي حين ينجح يمكن أن يحول إلى أداة ضغط داخل الملف السياسي العراقي، برعاية من المحور الجديد، مع ترتيبات نسبية متصاعدة تحد من قدرات احتلال إيران السياسي للعراق.

إن ترك المشهد بين مشاعر عاطفية تدفع هذه المناطق الشجاعة إلى آخر طلقة تستثمرها داعش ثم تسحقها إيران والغرب، ورفض أي فرصة أو صناعة أي مخرج، أو منع التعامل مع أي قوة إقليمية مصلحيا لدفع هذا البأس، هو انحراف مخالف لمنهج السياسة الشرعية. وقد عانت المنطقة ومدنيوها من تكرار هذه المشاهد، وغياب تنسيق القوى الاجتماعية مع المحور الإقليمي الذي غاب طويلا، في حين ظلت إيران تحصد المنطقة قتلا واحتلالا، ثم من بعد نطلق البكائيات على أطلال الضحايا.

وعليه فإن التقدم لصناعة سياسية جديدة، ضرورة أمام الشرق الإسلامي بمحوره المستقل وشعوبه، والتأخير مكلف للغاية، كما أن هذا الحضور الإستراتيجي سيخضع له الغرب اليوم حين تتحالف دول له معها مصالح، لكنه لن يفعل شيئا غدا، حين يكتمل الهلال الطائفي لصفقة البيت الأبيض الإيراني.

مهنا الحبيل

نقلا عن الجزيرة