إدارة ترامب تدفع الناتو إلى استنساخ تجربته الأفغانية في العراق

إدارة ترامب تدفع الناتو إلى استنساخ تجربته الأفغانية في العراق

بدأت الولايات المتحدة الأميركية مرحلة العمل الجاد على تثبيت وجود عسكري دائم لها في العراق بعد أن أتاحت لها مشاركتها الفاعلة في الحرب على تنظيم داعش فرصة تدارك ما تعتبره إدارة الرئيس دونالد ترامب “خطأ” الانسحاب من البلد في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

ويشمل العملُ بحثَ واشنطن عن إطار صلب لذلك الوجود، موجّهة أنظارها نحو حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليوفّر لها الغطاء السميك لذلك على غرار ما هو جار منذ عشرية من الزمن في أفغانستان.

وأجمعت تصريحات المسؤولين الأميركيين مؤخرا حول قضية إبقاء القوات في العراق، على أنّ ذلك سيتم بالتوافق مع حكومة بغداد. لكن ذلك لا يبدو غطاء موثوقا في وقت حرّكت فيه إيران أذرعا قوية تابعة لها وشريكة في الحكم بالعراق ضدّ المسعى الأميركي.

ويمكن لرفض تواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية أن يتحوّل إلى قانون ملزم لحكومة حيدر العبادي عن طريق كتل نيابية مكونة من أحزاب شيعية موالية لطهران.

وبعد أن هدّدت ميليشيات بدر وعصائب أهل الحقّ وحزب الله -وثلاثتها شيعية موالية لإيران- باستهداف أي قوات تبقيها الولايات المتحدة في العراق، قال النائب بالبرلمان عن ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود، الثلاثاء، إنّ “مجلس النواب سيكون له موقف خلال الأسبوع المقبل بشأن الوجود العسكري الأميركي حيث سيتم حسم الموضوع في الجلسات المقبلة”.

وإزاء هذه الصعوبات تتجه واشنطن لالتماس سند لوجود قواتها في العراق، لدى حلف الناتو. ونقلت وكالة رويترز، الأربعاء، عن دبلوماسيين قولهم إن الولايات المتحدة تجدد ضغوطها على شركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي لبدء مهمة طويلة الأجل في العراق للتدريب وتقديم المشورة لتفتح من جديد قضية خلافية في التحالف المتوجس بعد أن مضت عشر سنوات على مهمته المتخبطة في أفغانستان.

وقال خمسة دبلوماسيين كبار في الحلف إن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس بعث برسالة إلى مقرّ الناتو في يناير تدعو إلى تشكيل بعثة رسمية للحلف في العراق بقيادة دائمة أو شبه دائمة لتدريب القوات العراقية.

وبعد تجربة الحرب الصعبة ضدّ تنظيم داعش على مدار نحو ثلاث سنوات، تسوّق الولايات المتحدّة الأسباب الأمنية لضمان بقاء قواتها في العراق، قائلة إن خطر التنظيم ما زال قائما وإنّ عودته ممكنة.

ومن المتوقع أن يبحث وزراء الدفاع بدول حلف شمال الأطلسي المطلب الأميركي في بروكسل الأسبوع المقبل ومن المحتمل أن يصدر قرار في هذا الشأن في قمة تعقد في يوليو القادم.

وقال الدبلوماسيون إن ماتيس ترك في رسالته الكثير من التفاصيل مفتوحة لكنه أشار إلى تطوير الأكاديميات العسكرية وعقيدة عسكرية لوزارة الدفاع العراقية.

وقال دبلوماسي كبير في الحلف مشترطا إخفاء هويته “الولايات المتحدة تضغط بشدة من أجل دور لحلف شمال الأطلسي في العراق، ليس دورا قتاليا بل مهمة طويلة الأجل”.

وأضاف الدبلوماسي “هذا الأمر يبدو مثيرا للريبة مثل أفغانستان” مشيرا إلى الحرب الدائرة منذ فترة طويلة والتي يمول فيها الحلف القوات الأفغانية ويدربها. وقال “قلة قليلة من الحلفاء تريد ذلك”.

وامتنع جوني مايكل المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية عن مناقشة ما إذا كان ماتيس قد أرسل رسالة للحلف أم لا، لكنه قال “الإدارة مستمرة في البحث عن سبل يمكن من خلالها أن يبذل الحلفاء المزيد للتصدي للتنظيمات الإرهابية”. وقال مسؤول في الحلف إن التحالف “يدرس السبل التي يمكن لنا بها أن نعزز جهودنا في التدريب”.

وقال الدبلوماسيون إن رؤساء الأركان في دول الحلف سيقدمون للوزراء عددا من الخيارات لتأسيس مهمة في العراق في حين أن ينس شتولتنبرغ أمين عام الناتو بحث هذه المسألة مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يؤيد الفكرة.

ويمثل الضغط الأميركي جزءا من مطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يتجاوز التحالف الغربي مهمته الأساسية المتمثلة في الدفاع عن أراضي دوله ويساعد في وقف التشدد والإرهاب.

وكان ترامب وجه لوما شديدا للحلفاء في مايو الماضي في قمة عقدت ببروكسل حذر فيها من وقوع المزيد من الهجمات في أوروبا إذا لم يبذل حلف الأطلسي المزيد لوقف المتشددين.

وترى الولايات المتحدة أن خبرة الحلف الطويلة في أفغانستان تجعله في وضع مثالي لتأهيل القوات العراقية بعد استعادة الأراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش. وللولايات المتحدة أكثر من 5000 جندي في العراق.

غير أن الحلفاء الأوروبيين يخشون الانجرار إلى مهمة خارجية أخرى مفتوحة باهظة الكلفة لا تحظى بتأييد شعبي في الداخل وتنطوي على مخاطر.

وفي لفتة موجهة إلى ترامب وافق الحلف المؤلف من 29 دولة العام الماضي على الانضمام إلى التحالف. ومع ذلك فقد أصرت فرنسا وألمانيا على أن القرار رمزي في الأساس.

لم تتطرق المناقشات إلى حجم أي مهمة يحتمل أن يقرها الحلف غير أن الدبلوماسيين قالوا إن من الضروري أن تكون هذه القوة أكبر كثيرا من الفريق الحالي لتهدئة ترامب. وربما تشمل المهمة مراكز تدريب إقليمية خارج بغداد.

ومن شأن تنفيذ مهمة رسمية لحلف شمال الأطلسي زيادة التمويل وتجميع القوات وترتيب وضع يسمح ببقائها في الميدان لفترة أطول.

ومن المشاكل الصعبة ما إذا كان المدربون العسكريون سيحتاجون حماية ومن سيوفرها لهم.

كما قال الدبلوماسيون إن الحلف لأجل أن يتسنى له الذهاب إلى العراق سيحتاج إلى طلب رسمي تتقدم به الحكومة العراقية. وسيتوقف الأمر على الأرجح على فوز رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بولاية جديدة في الانتخابات التي ستجري في مايو القادم.