حلفاء الولايات المتحدة يشتبكون، والقتال ضد “داعش” يتعثر

حلفاء الولايات المتحدة يشتبكون، والقتال ضد “داعش” يتعثر

في سياق بحثهما اليائس عن حليف إقليمي قوي في المعركة ضد تنظيم “داعش”، عملت إدارتا ترامب وأوباما بشغف مع القوات الكردية في سورية، على الرغم من أن حلفاء تلك القوات كانوا يشنون تمرداً عبر الحدود في تركيا، الدولة الحليفة في الناتو.
والآن، أصبحت النجاحات التي حققتها الولايات المتحدة ضد “داعش” تحت التهديد بسبب الهجمات التي تشنها تركيا على الأكراد السوريين. ويمكن لهذا الاشتباك، الذي كان الكثيرون يخشون اندلاعه منذ فترة طويلة، أن يثير حرباً أوسع نطاقاً ويفضي إلى تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ. وسوف يتطلب وقفه التزاماً دبلوماسياً من جميع الأطراف -الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
بدأت المواجهات قبل نحو أسبوعين، عندما عبرت القوات التركية الحدود إلى داخل سورية وهاجمت القوات الكردية التي تسيطر على بلدة عفرين شمال غرب البلاد. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت الأحداث؛ حيث هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنقل القتال إلى مدينة منبج التي يسيطر عليها الأكراد، وحيث تتمركز أيضاً قوات العمليات الخاصة الأميركية. وهو يتحدث أيضاً عن طرد الأكراد واستخدام المنطقة لإعادة توطين اللاجئين السوريين.
يهيمن الأكراد، المعروفون باسم “وحدات حماية الشعب”، على قوات سورية الديمقراطية، المنظمة المظلة الجامعة التي تتلقى التدريب والأسلحة والدعم الجوي من الولايات المتحدة. ويعتبر الأتراك أفراد هذه المنظمة إرهابيين لا يمكن فصلهم عن حزب العمال الكردستاني الذي شن حرباً انفصالية في تركيا منذ أكثر من 30 عاماً. وفي حين تقلل المجموعة السورية من شأن صلاتها بحزب العمال في تركيا، ووجود اختلافات بين الجهتين، فإن الروابط توجد فعلاً. ومع أن للمجموعتين جذور مشتركة، فإن الخبراء يقولون إن الفرع السوري حافظ إلى حد كبير على وعد كان قد قطعه في العام 2012 بعدم تقديم الدعم المادي للأكراد الأتراك الذين صنفتهم الولايات المتحدة وأوروبا رسمياً مجموعة إرهابية.
على الرغم من التعقيدات التي ينطوي عليها عمل الأميركيين مع مجموعة كردية بينما تشن مجموعة أخرى منهم تمرداً ضد دولة حليفة في “الناتو”، فإن هذا القرار كان منطقياً. كانت تركيا مركِّزة على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في سورية، حتى أنها رفضت مساعدة أميركا في محاربة تنظيم “داعش”. كما تركت حدودها مفتوحة على مصراعيها، مما مكن المقاتلين الأجانب من تضخيم صفوف التنظيم الإرهابي. ومن ناحية أخرى، أراد الأكراد محاربة “داعش” الذي هدد قواتهم، وكانوا جيدين في ذلك.
شعرت تركيا بالقلق إزاء التعاون الأميركي مع القوات الكردية بعد العام 2012، عندما أنشأت تلك القوات دويلة شبه حكم ذاتي في شمال شرق سورية. ويريد الأتراك الآن منع الأكراد من ربط ثلاثة جيوب يسيطرون عليها على طول الحدود لتصبح منطقة كردية موحدة. وهم قلقون من أن هذا يؤدي هذا التوطيد إلى تشجيع المقاتلين الأكراد في سورية على مساعدة الحزب الكردي داخل تركيا.
وهي مخاوف مفهومة، لكن السيد أردوغان يجعل الأمور أكثر سوءاً بمهاجمة الأكراد في سورية، الأمر الذي قد يتسبب بتصاعد للنزعة القومية الكردية في المنطقة. ويشكل هذا الهجوم الأخير جزءاً من استراتيجية كان قد خطط لها منذ فترة طويلة من أجل حشد الدعم المحلي قبل انتخابات العام 2019، والتي تعتمد بشكل كبير على تصوير الولايات المتحدة كعدو. وبدأت هذه الخطة بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأميركية خططاً لتشكيل قوة حدودية جديدة تتكون من 30 ألف شخص وتدعمها الولايات المتحدة في سورية، وهو ما تعتبره تركيا محاولة لإقامة جيب كردي يتمتع بالحكم الذاتي في سورية.
وعندما ردت تركيا على هذه الخطوة بغضب، تنصل البيت الأبيض من هذه الخطط، وألمح إلى أنه بصدد تخفيف الدعم الأميركي للأكراد، لكن وزارة الدفاع قالت إن تشكيل قوة بقيادة كردية ما يزال قيد العمل.
لإرضاء تركيا، أعطتها واشنطن الضوء الأخضر لشن هجومها على عفرين، مدعية أن الأكراد في تلك المنطقة ليسوا حلفاء أميركيين. لكنها حذرت من توغل مماثل في بلدة منبج، حيث يمكن أن يصبح الأتراك على تماس مباشر مع القوات الأميركية هناك.
هذه الرسائل المختلطة تزرع الارتباك وتفعل القليل لمنع تفاقم الصراع، سواء كان ذلك بطمأنة الأتراك أو بدعم الأكراد. وقد أصبحت تركيا في ظل حكم الرئيس أردوغان الاستبدادي حليفاً لا يمكن الاعتماد عليه، والذي يثير المشاعر المعادية لأميركا في الداخل ويذهب أقرب إلى روسيا باطراد. ولكن، مع وجود اقتصاد كبير، وجيش كبير وقاعدة عسكرية حيوية في إنجرليك، فإنه يجب جذب تركيا أقرب إلى الغرب بدلاً من تركها تفلت.
مع ذلك، تحتاج الإدارة الأميركية إلى الأكراد. وقد افترضت إدارتا ترامب وأوباما دائماً أنهما إذا أعطتا السيد أردوغان الحرية لشن حرب ضد الأكراد في داخل تركيا، فإنه سيعطي أميركا حرية العمل مع الأكراد في سورية. لكن هذا الافتراض كان متفائلاً بشكل أعمى، وأفضى إلى ترك واشنطن مع حليفين في الحرب، وبطريقة تخدم مصلحة الرئيس الأسد وداعمَيه؛ روسيا وإيران، فضلاً عن بقايا “داعش”.
يجب على الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي دفع السيد أردوغان إلى استئناف محادثات السلام مع الأكراد الأتراك، والتي تم تعليقها في العام 2015. كما يجب طمأنة الرئيس التركي إلى أن قيام منطقة شبه مستقلة للأكراد السوريين، الأقلية المهمشة هناك منذ فترة طويلة، لن يهدد بلاده ولن يؤثر على الأكراد الأتراك. ويحتاج الأكراد إلى الموافقة على تلك الشروط، والوعد باحترام معايير حقوق الإنسان، والسماح لغير الأكراد بالعيش في منطقتهم، والقبول بحقيقة أن المنطقة لن تصبح دولة مستقلة.
بينما ينخرط الأتراك والأكراد في المواجهة، يسعى الرئيس الأسد إلى إعادة تأكيد سيطرته على سورية، في حين تناور كل من روسيا وإيران لضمان حصولهما على وجود ونفوذ دائمَين في البلاد. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من التزامها العسكري، فإن الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤوليتها عن مستقبل سورية السياسي. ولن ينتهي العذاب السوري الطويل أبداً طالما ظل القادة الذين يجب أن يروا قيمة في تعزيز الاستقرار الإقليمي، مستمرين في تمزيق البلد وتقطيع أوصاله.

صحيفة الغد