حتى مع تزايد حدة التوتر، إيران وإسرائيل لا تريدان الحرب

حتى مع تزايد حدة التوتر، إيران وإسرائيل لا تريدان الحرب

 كانت سلسلة الأحداث التي وقعت فوق سورية في وقت مبكر من يوم السبت هي أقرب مدى وصلته إسرائيل وإيران على الإطلاق إلى اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة. لكن الضربات المتبادلة بين إسرائيل وسورية وإيران انطوت أيضاً على عدد من الأمور التي حدثت لأول مرة.
كانت هذه أول مرة تخترق فيها طائرة إيرانية من دون طيار الفضاء الإسرائيلي -في السابق، كان الذي يشغِّل الطائرات إيرانية الصنع التي تتسلل إلى المجال الجوي الإسرائيلي هو حزب الله الذي يطلقها من لبنان. لكنها كانت هذه المرة عملية إيرانية بالكامل، بقيادة قوة القدس، من حيث القرار، والإطلاق، والسيطرة التشغيلية والإرشاد.
وكانت هذه أيضاً هي المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة حربية إسرائيلية بواسطة صاروخ معادٍ (سوري) منذ العام 1982 أيضاً. وكان ما تلاها أكبر هجوم إسرائيلي يُشن على البطاريات السورية المضادة للطائرات منذ العام نفسه خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
بعد الاشتباك، تفاخر كلا الجانبين بإنجازاتهما. وقد أشاد الجنرالات الإسرائيليون بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة التي ساعدت القوات الجوية الإسرائيلية على رصد وتحديد طائرة إرهابية إيرانية متقدمة ومتابعتها وإسقاطها في نهاية المطاف.
وفي المقابل، أشار ضابط كبير في القوات المسلحة الإيرانية إلى أن الطائرة مصممة على غرار طائرة أميركية من دون طيار كانت إيران قد اعترضتها في وقت سابق. واحتفل محور إيران- حزب الله- سورية بهذه الضربة التي تم توجيهها إلى القوة الجوية الإسرائيلية الفخورة.
متابعة الاستراتيجيات
ومع ذلك، لم يتغير الواقع الأساسي والمصالح المتضاربة. ما تزال إسرائيل أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وتثبت قواتها الجوية واستخباراتها هذا الواقع يومياً تقريباً، حتى في هذا الحادث الأخير.
وبشكل عام، يشير الحادث إلى أن التوتر بين إسرائيل وإيران حول تورط الأخيرة في سورية ولبنان آخذ في التزايد ولا يبدو أنه ينتهي. وهما مصممتان على مواصلة اتباع استراتيجياتهما.
وتكمن مصالح إيران في تعميق تدخلها في سورية والاستفادة من المكاسب الاقتصادية بعد ذلك بمجرد أن تنتهي الحرب وتتم استعادة الاستقرار الكامل. وفي الوقت نفسه، تسعى طهران إلى استخدام سورية كمنصة انطلاق مستقبلية ضد إسرائيل.
ولهذا الغرض، فإنها ترغب في إنشاء مراكز استخبارات بالقرب من الحدود السورية الإسرائيلية، وبناء مرافق لإنتاج الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، بشكل أساسي لتزويد حليفها، حزب الله، بها. كما تعتزم إيران أيضاً إنشاء مواقع إنتاج مماثلة في لبنان نفسه.
ومن جهة أخرى، تريد إسرائيل الحفاظ على حرية عملها في سورية ولبنان لمنع نشر القوات الإيرانية أو الوكلاء الإيرانيين (الميليشيات الشيعية الدولة و/ أو حزب الله)- بالقرب من حدودها، ولوقف إمدادات الأسلحة إلى حزب الله ومنع بناء مصانع الصواريخ.
تحقيقاً لهذه الغاية، تستخدم إسرائيل كلاً من الدبلوماسية والقوة العسكرية. وهي تستخدم روسيا كوسيط لنقل رسالتها إلى محور سورية- إيران- حزب الله. وإذا لم يلتقطوا هذه الرسائل، فإن إسرائيل تستخدم سلاحها الجوي الذي هاجم منذ بداية الحرب الأهلية السورية أهدافاً سورية وإيرانية في 100 مناسبة على الأقل. وفي معظم الحالات، لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها علناً عن الهجمات، من أجل ترك عملياتها مبهمة.
لكن إسرائيل لا تريد أن تجد نفسها في مواجهة عسكرية مباشرة مع هذا المحور الثلاثي. ومن الواضح للقادة العسكريين الإسرائيليين والحكومة أنه إذا اندلعت حرب جديدة، فإنها ستجري على جبهتين -سورية ولبنان. ومع ترسانة تلك البلدان الضخمة التي تضم أكثر من 100.000 صاروخ، فإن السكان المدنيين الإسرائيليين سيعانون بشدة.
مخاوف إسرائيلية
ظهر هذا الخوف الإسرائيلي بوضوح في عملية صنع القرار التي تكمن وراء إسقاط الطائرة من دون طيار فوق إسرائيل وليس فوق سورية.
وكانت إسرائيل تعرف مسبقاً أن إيران تعتزم إطلاق الطائرة من دون طيار، ولذلك تعقبتها منذ لحظة إطلاقها، وقررت أن لا تطلق النار عليها فوق المجال الجوي السوري أو الأردني، وإنما فقط بعد دخولها المجال الجوي الإسرائيلي. لماذا؟ من أجل عدم استفزاز إيران وتزويدها بذريعة للانتقام.
ولكن، يبدو من رد إيران أنها لا تريد هي أيضاً تصعيد الأمور. لم تطلق إيران صواريخ على الطائرات الاسرائيلية التي حلقت فوق سورية بعد إسقاط الطائرة. وكانت سورية هي الطرف الوحيد الذي أطلق النار عليها.
كما نفت إيران في البداية أن تكون إسرائيل قد أسقطت إحدى طائراتها الجوية، ووصفت النسخة الإسرائيلية من الرواية بأنها “كذبة”. ثم ادعت طهران أن الطائرة أسقطت فوق سورية وليس فوق إسرائيل.
كانت ردود الفعل هذه كلها دليلاً على أن طهران تمارس ضبط النفس من أجل منع حدوث تصعيد غير مرغوب فيه. وفي واقع الأمر، يواصل الجانبان جهودهما الرامية إلى اتباع استراتيجياتهما ومصالحهما من دون أن ينجرا إلى خوض حرب.
اسم اللعبة التي تمارسها الدولتان هو “الاحتواء”. فهما تحاولان رمي الطعم لاختبار رد فعل الجانب الآخر وحدوده؛ وإذا أدركا أنهما قطعا شوطاً بعيداً جداً، فإنها تتوقفان بسرعة.
بل إن اللعبة الروسية أكثر تعقيداً. فمصلحة الكرملين النهائية هي تحقيق الاستقرار للنظام السوري، ثم جني ثمار اقتصادية في نهاية المطاف. وفي الوقت نفسه، تلعب روسيا لعبة مزدوجة.
إنها ما تزال بحاجة إلى إيران ووكلائها كقوات على الأرض لإنهاء جيوب المقاومة المتبقية لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. لكنها تسمح أيضاً للقوات الجوية الإسرائيلية، التي أقامت معها قنوات اتصال رسمية، بالعمل بحرية ضد حلفائها.
أما بالنسبة للأسد، فهو يعلم جيداً أن إسرائيل هي القوة الرئيسية التي لها القدرة على منعه من تحقيق هدفه المتمثل في استعادة سلطته الكاملة على كل سورية.
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن اللاعبين في الشرق الأوسط لا يمكن التنبؤ بهم في بعض الأحيان. ويظهر لنا ماضي المنطقة وتاريخها أن الحروب تندلع في بعض الأحيان بسبب سوء التقدير، وعلى عكس نوايا أحد الطرفين أو كليهما.