تركيا وروسيا.. تقارب لا تحالف

تركيا وروسيا.. تقارب لا تحالف

أنتج التقارب التركي – الروسي في الفترة الماضية سلسلة تفاهمات سياسية، تجلت أساسا في جوانب محددة من الأزمة السورية، فعلى وقع تفاهمات أستانة، أبدل كل من القيصر والسلطان لغة التهديدات بلغة براغماتية، تجلت في اللقاءات والاتصالات المتكرّرة بينهما، ولعل ثلاثة أسباب رئيسية وقفت وراء التفاهمات السابقة، وهي توتر علاقاتتركيا مع الغرب، بشقيه الأميركي والأوروبي، حيث رأت أنقرة في سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية خيانةً لثوابت العلاقة بين البلدين، خصوصا بعد أن أصرت الإدارة الأميركية على دعم كرد سورية بالسلاح، فيما رأت روسيا في هذا التوتر فرصة لكسب تركيا إلى جانبها. وثانيا، البعد الاقتصادي الذي يشكل عاملا حيويا في العلاقة الروسية – التركية، حيث صفقات النفط والغاز والأسلحة. وثالثا، أن التدخل العسكري الروسي في سورية أنتج معادلة جديدة على الأرض، رأت تركيا أن من الأفضل التعامل معها، في ظل تغير موازين القوى والاصطفافات الإقليمية لصالح النظام السوري وحلفائه.
لعل من أهم نتائج هذه التفاهمات إطلاق تركيا عملية درع الفرات في 24 أغسطس/ آب عام 2016، ومن ثم العملية العسكرية التركية في إدلب، في إطار مناطق خفض التصعيد، وأخيرا عملية عفرين المستمرة، إذ بدا الموقف الروسي متفهما وموافقا على هذه العمليات، لتحقيق جملة من الأغراض، أهمها الحد من تصاعد دور التحالف الكردي – الأميركي، في إطار الصراع الروسي – الأميركي على أوراق القوة والنفوذ في الأزمة السورية، وكذلك جلب تركيا إلى المساهمة في القضاء، أو ترويض الجماعات المسلحة في الشمال السوري، حيث تقاطعت المصالح بين الطرفين، كل طرف لأسبابه الخاصة: تركيا في منع إقامة كيان كردي مرتبط بقنديل، حيث قيادة حزب العمال الكردستاني. وروسيا في إدارة المرحلة الراهنة تطلعا إلى حسم المعارك العسكرية لصالح محوره. وفي العمق، أراد كل طرف استخدام الآخر لتحقيق استراتيجيته تجاه الأزمة السورية.
أمام التطلعات التركية – الروسية هذه، بدا أن التفاهمات السابقة بين الجانبين محدودة، إذ

سرعان ما كشفت التطورات حدودها على شكل اختبار للعلاقات بين البلدين، إذ لكل طرف استراتيجية مختلفة، إن لم تكن متناقضة تجاه مجموعة من القضايا، لعل من أهمها:
أولا، تركيا، وعلى الرغم من قفزها فوق شعار إسقاط النظام في سورية، إلا أنها في العمق ترى أن التطورات العسكرية والميدانية لا بد أن تفضي إلى التخلص من النظام، فيما جوهر السياسة الروسية تقوم على إنتاج النظام وفق الظروف الجديدة، ولعل هذا هو الهدف الأساسي من أستانة، ومن ثم سوتشي.
ثانيا، حدود العملية العسكرية التركية في إدلب، إذ مع مواصلة تركيا هذه العملية، بدا وكأن كل طرفٍ يحاول تنفيذها وفقا لرؤيةٍ مختلفةٍ، تركيا في جعلها منطلقا لعملية أوسع، الهدف منها إخراج عفرين من سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، وروسيا في جعلها منطلقا لعملية ضد الفصائل المسلحة، لا سيما بعد إسقاط مقاتلة لها في ريف إدلب.
ثالثا، على الرغم من الموافقة الضمنية لروسيا على عملية عفرين، إلا أن ثمة اعتقادا بأن هذه الموافقة كانت أقرب إلى سياسة توريط تركيا في عمليةٍ غير مضمونة النتائج، فالعملية التي كان متوقعا أن تكون سريعة، أياما قليلة، باتت عملية طويلة محفوفة بالصعوبات. فيما يشي موقف حلفاء روسيا في سورية بالتحرك ضد العملية التركية، لا سيما بعد دعوة طهران تركيا إلى وقف عمليتها.
رابعا، تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أخيرا إلى أوكرانيا، وحديثه عن تأييد بلاده وحدتها، في إشارة إلى أن أنقرة لا توافق على ضم روسيا جزيرة القرم، وهو ما استدعى ردا روسيا أن الموقف التركي لن يؤخر أو يقدم بالقضية في شيء.
تؤكد هذه القضايا الخلافية وغيرها من جهة محدودية التفاهم التركي – الروسي، ومن جهة ثانية حقيقة أن التقارب بين البلدين ليس في موقع التحالف الاستراتيجي، كما تحدث خبراء كثيرون في الفترة الماضية، وإنما هو أقرب إلى التكتيكي الذي فرضته جملة من الظروف المتعلقة بتطورات الأزمة السورية، وبتوتر العلاقات التركية مع الغرب، بشقيه الأميركي والأوروبي، بعدما رأت أنقرة أن سياسة واشنطن في سورية والعراق باتت تستهدفها مباشرة، وهو ما التقطته موسكو لحظة سياسية ذهبية، لإبعاد تركيا عن المنظومة الغربية أولا، ولأسباب اقتصادية حيوية للسياسة الروسية ثانيا.

خورشيد دلي
صحيفة العربي الجديد