دعم استثنائي لمحمد بن سلمان في بريطانيا

دعم استثنائي لمحمد بن سلمان في بريطانيا

لندن – يتصاعد زخم أنشطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في بريطانيا، عبر لقاءات مكثفة اتسمت بطابع احتفالي أحيانا، ضمن زيارة “تاريخية” يعوّل الجانبان عليها لنقل العلاقات إلى مستوى كاف لدعم جهود الرياض في مواجهة نفوذ إيران المتصاعد في المنطقة، ويعزز رؤية لندن لبريطانيا “أكثر عالمية” بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويريد الأمير محمد الاستثمار في مستقبل بريطانيا “التي تسير منفردة” بعيدا عن التكتل الأوروبي وتبحث عن استقلالية تعيد لها وزنها على الساحة الدولية مرة أخرى، وفي المقابل تسعى الطبقة السياسية البريطانية إلى الاستثمار في عهد الأمير الشاب، وبناء تحالف استراتيجي معه، باعتباره عاهلا سعوديا قادما، من المتوقع أن يبقى في الحكم لعقود.

واستهل الأمير محمد ارتباطاته، الأربعاء، بزيارة إلى قصر بكنغهام لإجراء محادثات مع الملكة إليزابيث، وتناول الغداء معها، وهو تكريم نادر يقتصر على رؤساء الدول.

وبعدها التقى ولي العهد السعودي برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ودشنا “مجلس الشراكة الاستراتيجية” البريطاني- السعودي. وركز اللقاء على اتفاقات اقتصادية يتوقع أن يوقعها الطرفان، كما ركز على الإصلاحات المتسارعة التي يقودها في الداخل، لكنّ الجانبين الأمني والسياسي كانا محور المباحثات.

وبعد الاجتماع دافعت ماي عن العلاقات السعودية مع بريطانيا، ردا على سؤال طرحه زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين، خلال جلسة في البرلمان، قائلة إن التعاون مع السعودية أنقذ أرواح المئات من الأشخاص.

وأضافت “الصلة التي تربطنا بالسعودية تاريخية. إنها مهمة وأنقذت أرواح المئات من الأشخاص على الأرجح في هذه الدولة”.

وقال عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين ليو دوتخيرتي لـ”العرب” إن “بريطانيا تدعم الأمير محمد شخصيا، وتدعم رؤية 2030 الإصلاحية التي يتبناها”.

وأضاف “خلال هذه الزيارة سنؤكد لولي العهد السعودي أن بريطانيا تقف بجانب المملكة في تحدي النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي وجه الإرهاب”.

ومن المتوقع أن يبني الجانبان موقفا موحدا، كجزء من استراتيجية تتبناها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحصار النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

ويحتل ملف دور إيران في اليمن خصوصا أولوية كبرى على أجندة الأمير محمد، بالتزامن مع تنظيم نشطاء معارضين للحرب احتجاجات صغيرة أمام مقري الحكومة والبرلمان، قبيل اجتماع ولي العهد السعودي وماي.

ويحاول المسؤولون السعوديون دحض المخاوف البريطانية من التداعيات الإنسانية للحرب، انطلاقا من تفهم موقف حكومة ماي الصعب في مواجهة الانتقادات.

وقال مسؤول سعودي ضمن وفد الأمير محمد، طالبا عدم نشر اسمه، لـ”العرب” إن الرياض “لم تتحدث إلى الغرب بالشكل الصحيح عن الحرب في اليمن، ولم توضح أبعاد استراتيجية التحالف بطريقة وافية، وبالتالي فنحن نتفهم الضغوط التي تتعرض لها الحكومة من قبل حزب العمال وجماعات الضغط اليسارية، واللوبي الإيراني في لندن، وسنعمل على إيضاح الصورة”.

وقال كواسي كوارتينغ، العضو عن حزب المحافظين، “السبب الرئيسي لوجود الدبلوماسية هو طرح المسائل الخلافية بين الحلفاء للنقاش بصراحة، لكن دعنا نكون واضحين هنا، نحن لسنا في موضع اختيار جانب على حساب آخر، بل نقف مع السعودية إلى النهاية ضد إيران”.

وقالت مصادر دبلوماسية في لندن إن الأمير محمد بن سلمان سيطرح ملف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي يتخذ من لندن معقلا له في أوروبا، كما سيطرح موقف دول المقاطعة العربية من قطر، ومحاولاتها الضغط على الغرب لاتخاذ موقف منحاز في الأزمة الخليجية يخدم مصالحها.

وسبقت زيارة الأمير محمد لافتات ترحيب كبيرة انتشرت في بعض الشوارع والطرق الرئيسية في لندن، تقدّمه بوصفه قائدا عربيا إصلاحيا يتبنى التغيير في أحد أكثر بلدان المنطقة محافظة وتمسكا بالتقاليد.

وانعكس ذلك على اهتمام سياسيين وأعضاء برلمان نافذين، تحدثت إليهم “العرب”، بمقابلة الأمير الشاب واكتشاف رؤيته للعلاقات التي ستجمع “السعودية الجديدة ببريطانيا الجديدة”.

وأحد هؤلاء كوارتينغ، الذي التقى عدة مرات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد في الرياض.

وقال كوارتينغ لـ”العرب” إن الأمير محمد “شخصية ديناميكية، ويملك رؤية واضحة واستراتيجية متماسكة لتحقيق هذه الرؤية”.

وقالت تشارلوت ليزلي، عضو البرلمان سابقا، ورئيسة مجلس الشرق الأوسط في حزب المحافظين، “عندما قابلت ولي العهد السعودي على رأس وفد برلماني العام الماضي في الرياض فوجئت بديناميكيته ورغبته الحقيقية في التغيير”.

وأكدت لـ”العرب” أن “السعودية وبريطانيا تجمعهما روابط تاريخية، واليوم كلتا الدولتين تمران بتغييرات عميقة، وهذا مبرر لتعزيز التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والاستثمار في التعليم والرياضة والطاقة النظيفة، ضمن رؤية 2030 السعودية”.

وفاجأ ولي العهد السعودي الغرب بإجراءات إصلاحية حاسمة، شملت السماح للمرأة بقيادة السيارة، والسماح لها بحضور الفعاليات الرياضية والاحتفالات الوطنية، ووضع خطط لجعل المرأة ثلث القوى العاملة في السعودية خلال أكثر من عقد بقليل.

وتشهد السعودية أيضا افتتاحا لدور سينما ومسارح وحفلات غنائية، في وقت يزداد فيه الضغط كل يوم على رجال دين متشددين، لطالما هيمنوا على المجال العام في المملكة.

وأحد أهم جوانب رؤية الأمير محمد، تحويل الاقتصاد من الاعتماد الكلي على الصادرات النفطية وقطاع الطاقة بشكل عام إلى اقتصاد أكثر تنوعا ومرونة. وترى بريطانيا في ذلك فرصا كبرى لها في المستقبل.

ومن بين هذه الفرص التي تطمع بريطانيا في اقتناصها خلال زيارة ولي العهد السعودي إدراج شركة أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم، في بورصة لندن، ضمن خطة لطرح 5 بالمئة من أسهمها في السوق.

وقال وزير الدولة البريطاني أليستر بيرت في البرلمان، الأربعاء، إن بريطانيا ستواصل تقديم مسوغات كي يكون الإدراج الجزئي لشركة أرامكو في لندن.

وأبلغ البرلمان قائلا “نرغب في أن يكون إصدار أسهم أرامكو في المملكة المتحدة، وسنواصل الدفع بأن مدينة لندن ستكون الموقع الأفضل له”.

وإذا حدث ذلك فسيمثل نقلة نوعية لصورة بريطانيا ومرونتها في مفاوضات شاقة للخروج من الاتحاد الأوروبي، كما سيعزز موقفها الذي تحاول من خلاله إثبات أن لندن ستستمر بعد بريكست، مركزا ماليا عالميا قادرا على جذب الاستثمارات.

وقال ديفيد باتر، الخبير الاقتصادي في المعهد الملكي للأبحاث تشاثام هاوس، لـ”العرب” إن “السعوديين لديهم مشكلة بعد أن هددوا بسحب استثماراتهم من الولايات المتحدة في أعقاب إقرار قانون جاستا، وبالتالي فتفضيل إدراج أسهم أرامكو في بورصة لندن، وليس في نيويورك، أمر منطقي”.

وبعد إعلان ماي عزم بريطانيا الخروج من السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي، ستكون للبلاد الحرية، إذا حدث ذلك، في عقد اتفاقات تجارة حرة بحرية في المستقبل. وإحدى أهم الدول المستهدفة للوصول معها إلى اتفاق تجاري هي السعودية.

وقال باتر “قانونيا لا تستطيع بريطانيا عقد اتفاق تجارة خارج نطاق الاتحاد الأوروبي، لكن السعوديين ينتظرون مرحلة ما بعد الخروج”.

وقال دوتخيرتي “إلى جانب الحلف التاريخي، السعوديون يؤمنون بأن بريطانيا ستصبح قوة عالمية مستقلة بعد بريكست، ويتصرفون على هذا الأساس.

العرب