مصر تعمل على احتواء السودان بعيدا عن المحور التركي

مصر تعمل على احتواء السودان بعيدا عن المحور التركي

القاهرة – تسعى مصر لفرض حصار على نفوذ تركي متمدد في المنطقة ترى فيه تهديدا وشيكا، وفق استراتيجية يتحول السودان مع الوقت إلى مركزها، بعد عقده تحالفات وثيقة مع تركيا وفرت لها موطئ قدم استراتيجيا على البحر الأحمر.
وتحاول مصر الالتفاف على التحركات التركية، المبنية على رؤية تتجنب اختراق المنطقة من العمق، وتعمل بدلا من ذلك على تطويقها عبر بناء نفوذ تدريجي في أطرافها الرخوة.
وتنعكس تلك الرؤية في زيارات متتالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دول أفريقية تفتقر إلى استثمارات تحتاجها اقتصاداتها الوطنية، وتعاون أمني وعسكري لمواجهة حركات متشددة صاعدة بقوة. وجعلت هذه التحديات من دول عدة، تقع جنوب الحزام العربي التقليدي من المحيط الأطلنطي إلى الخليج العربي، ملاذا لطموح تركيا في تحقيق مكاسب استراتيجية على حساب العرب.
ومن بين هذه المكاسب، اتفاق على استغلال تركيا جزيرة سواكن السودانية، التي تحظى بموقع استراتيجي على البحر الأحمر، وتمثل منطلقا لتهديد المصالح المصرية بشكل مباشر. وقالت مصادر في القاهرة إن محاذير مصر كانت إحدى ركائز النقاشات بين الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس المخابرات العامة المصرية بالوكالة اللواء عباس كامل، الذي زار الخرطوم والتقى نظيره السوداني صلاح عبدالله (قوش) ووزير الخارجية إبراهيم غندور ووزير الدفاع عوض بن عوف.
وتشكل مصر ودول خليجية نافذة عائقا أمام “غزو” ثقافي تركي، يحاول تعويض انحسار التأثير السياسي الذي تمتعت به أنقرة إبان حكم الإخوان المسلمين في مصر وتونس.
وباتت خطط تركيا الإقليمية مبعثا لقلق عام من سعي أردوغان إلى إجبار المنطقة على خوض “حرب باردة” لزعزعة استقرار الدول العربية الرئيسية، في مرحلة ما بعد القضاء عل داعش.
وقال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تغريدة على موقع تويتر، السبت، “لا يخفى على المراقب أن العلاقات العربية التركية ليست في أحسن حالاتها، ولعودة التوازن، على أنقرة أن تراعي السيادة العربية وأن تتعامل مع جوارها بحكمة وعقلانية”.
وأضاف “التعرض للدول العربية الرئيسيّة ودعم حركات مؤدلجة تسعى لتغيير الأنظمة بالعنف لا يمثلان توجها عقلانيا نحو الجوار، وأنقرة مطالبة بمراعاة سيادة الدول العربية واحترامها”.

وقررت مجموعة إم بي سي، المملوكة لشخصيات سعودية، إيقاف عرض المسلسلات التركية المدبلجة، فيما اعتبره مراقبون رسالة سعودية لتقويض “القوة الناعمة” التركية في العالم العربي.
ويقول دبلوماسيون، تحدثت إليهم “العرب” في القاهرة، إن المسؤولين المصريين “يشعرون بتغيير جذري في نظرة السعودية ودول خليجية أخرى للموقف التركي من المنطقة، ونتوقع أن نشهد المزيد من الخطوات لحصار نفوذ أنقرة في المستقبل”.
وتشعر مصر والسعودية، المطلتان على البحر الأحمر مباشرة، أن اتفاق جزيرة سواكن، الذي وقعته تركيا والسودان خلال زيارة أردوغان للخرطوم في ديسمبر الماضي، شكل خطوة نوعية وإنذارا بضرورة احتواء السودان. وأدت نقاشات عقدتها لجنة رباعية مصرية – سودانية، ضمت وزيري الخارجية ورئيسي المخابرات من الجانبين، إلى إعادة السفير عبدالمحمود عبدالحليم، الذي سحبته الخرطوم من القاهرة مطلع يناير الماضي.
ورغم ذلك، لا تزال الثقة المصرية والخليجية في تطلعات السودان مفقودة.
والأحد، التقى البشير وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في الخرطوم، بعد لقاء جمعه بنظيره السوداني، وتم خلاله الاتفاق على إنشاء “لجنة تشاور سياسي تنعقد مرتين في العام بالتناوب”.
وأوضحت زيارة الشيخ محمد بن عبدالرحمن إصرار السودان على عدم التخلي عن الخيارات التركية والقطرية، في ما يتعلق بملف الماء مع إثيوبيا، أو معارضة التقارب المصري السعودي بعد أيام من زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتعاون الأمني السوداني مع تركيا في ليبيا والقرن الأفريقي.
وأجرى رئيس الأركان التركي خلوصي آكار، ومعه قائد القوات البحرية، زيارة إلى الدوحة لدعمها في مواجهة المقاطعة العربية.
وقالت مصادر في القاهرة لـ”العرب” إن مسؤولين سودانيين عبروا لدبلوماسيين قطريين في الخرطوم عن دعم بلادهم لموقف قطر في الأزمة الخليجية، إثر المقاطعة التي تفرضها السعودية ومصر والإمارات والبحرين منذ يونيو من العام الماضي.
وأضافت المصادر أن الدبلوماسيين القطريين أعربوا عن تفهمهم لعدم قدرة السودان على الإعلان عن موقفه بشأن الأزمة، في وقت تشارك فيه قوات سودانية ضمن صفوف التحالف العربي في الحرب على ميليشيات الحوثيين المدعومة من قبل إيران في اليمن.
كما يسعى السودان إلى “الحصول على مقابل” من هذه المشاركة، في صورة مساعدات واستثمارات سعودية تدعم الاقتصاد السوداني، لكن إلى الآن لم تتحقق تطلعات البشير في رفع مستوى العلاقات مع السعودية، سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي، نظرا لاستمرار غياب الثقة بين الجانبين.
وتقود مصر ملف التعامل مع السودان بتوافق عربي، رغم صعوبة توقع تصرفات البشير أو نواياه.
وقال هاني رسلان المتخصص في شؤون السودان لـ”العرب”، إن القاهرة “تسعى إلى سدّ الذرائع أمام السودان، لأنها لا تطمئن له، وتعتبره دولة غير مأمونة الجانب، وربما ‘عدوا’، لذلك ذهب اللواء عباس كامل لاستكمال ما تم من تفاهمات حول عدد من النقاط الأمنية المشتركة، مستفيدا من وجود قيادات على رأس بعض الأجهزة الأمنية لديها ميول جيدة نحو التعامل مع القاهرة”.

العرب