صدمة السلفيين في مصر من التحولات بالسعودية.. شهادات مرتبكة

صدمة السلفيين في مصر من التحولات بالسعودية.. شهادات مرتبكة

القاهرة – يسعى التيار السلفي في مصر إلى امتصاص صدمة التغييرات الجارية في المملكة العربية السعودية، على المستوى الديني والثقافي والاجتماعي، كي لا تنعكس سلبًا على أوضاعه الداخلية، في وقت يعاني فيه من أزمات حادة وتراجع في مكتسباته الاجتماعية والسياسية.

المقصود بالتيار السلفي هنا، هو جناح الدعوة السلفية العلمية التي يمثلها في المشهد السياسي حزب النور السلفي ومركزها في مدينة الإسكندرية على البحر المتوسط، أما جناحا السلفية الحركية والسلفية الجهادية، فموقفهما منحاز لجماعة الإخوان وقطر وتركيا، ويتعاملان مع المستجدات كورقة مضافة إلى مزيد من التحريض ضد التوجهات الحضارية التي تتبنّاها السعودية ومصر والإمارات والبحرين.

وبحسب استطلاع “العرب”، حرصت غالبية من قيادات وأعضاء الدعوة السلفية في مصر، على وصف توجّهات الانفتاح العام بالمملكة كونها “موجة انفتاح تغريبي”، والذريعة لدى هؤلاء أن الأمر “مجرد إجراءات سياسية مفروضة من الغرب”.

هل جنت عليهم رعونة الإخوان؟
ذهب وائل مجدي عبدالمنعم، عضو الدعوة السلفية بالمنصورة في شمال القاهرة، إلى أن ما يدور في السعودية شبيه بما جرى في مصر بسبب “رعونة وتهور جماعة الإخوان التي تبنّت الثورية للوصول السريع للسلطة، فأثر ذلك على مكتسبات الإسلاميين وفي مقدمتهم ما أحرزته الدعوة السلفية من مكاسب خلال فترة وجيزة”.

تقدّم الإصلاحات والتطويرات المجتمعية في المملكة العربية السعودية بخطى مدروسة وعلى وتيرة مرتفعة ودون عراقيل تذكر، أربك الأوساط السلفية في مصر، وجعلها تبحث عن مبررات متوخية في ذلك النقد الذاتي وتحميل المسؤولية لسلوك التيار الإخواني تارة، ومتبنية نظرية المؤامرة الخارجية تارة أخرى، ومن هذه الجماعات من ينأى بنفسه ويميل إلى القول بالخصوصيات والتفريق بين الحالتين المصرية والسعودية.. لكنّ الرفض واضح والانحناء للعاصفة لم يعد ذا جدوى

ووضع عبدالمنعم، التيار السروري في السعودية مكان جماعة الإخوان في مصر، وقال “إن تبنّي هذا التيار النهج الثوري وطابع التمرّد ضد الحكم في المملكة العربية السعودية، أدّى إلى إتاحة الفرصة أمام دعاة الانفتاح من ليبراليين وعلمانيين”.

وقال أحمد نادر الأمير، عضو الدعوة السلفية بالقاهرة، إن التيارات التي تتبنّى الصدام مع الحكّام مثل الإخوان في مصر وجماعة جهيمان والسرورية في السعودية هي “من عمّقت الفجوة بين العلماء والقصر، وأدت الريبة تجاه التيار الإسلامي بسبب هواجس السعي إلى الانفراد بالسلطة واستخدام العنف إلى سيطرة العلمانيين على مشهد النخبة، وهي المقدمة الطبيعية لمحو ما رسخه التيار السلفي من مفاهيم”.

لم يفُت البعض من المنتمين إلى التيار السلفي في مصر الإشارة لوجاهة سعي السلفية في مصر إلى أن تتبوأ مراكز صنع القرار والتشريع بعد الثورات، محتجّين بمنهج علماء السلف قديمًا لكي لا ينفرد بالقرب من الحكام الداعين إلى المنكرات والمفاسد.

وحرّض عضو الدعوة السلفية حسن السرس، على عدم ترك الساحة ليستأثر بها العلمانيون سواء في مصر أو في السعودية، حيث قال “لا يصحّ ترك الدعوة إلى الحكومات على طول الخط ولا يصح للدعاة ترك الحكومات من غير دعوة، إما بالبعد وإما بالصدام كي لا يُستبدَلوا بغيرهم ممن لا يشغلهم هَمّ الدين”.

ويرفض القطاع الكبير من السلفيين التكيّف مع المستجدّات والإيمان بأن ثمّة تغيّرات تدور في العالم المعاصر تتطلب إجراء تعديلات هيكلية على الرؤية والخطاب وتتناسب مع متطلّبات المرحلة التي تتسم بالإيقاع السريع، ويصرّ هؤلاء على التمسّك بسياسة الانغلاق التي توفر لهم فرصة كبيرة للسيطرة على أتباعهم وتوسيع نطاق النفوذ، ما يحقق مكاسب تفوّق ما يمكن جنيه من وراء أيّ تجديد ممكن.

انتهازية سياسية وتوجس
ورفض صالح أبوالعباس الداعية السلفي بالإسكندرية، دعوات اللجوء إلى الصدام والعنف، لافتًا إلى أن ترتيب الحكام للمقاصد يختلف عن ترتيب الفقهاء الذين يجعلون المقصد الديني هو الأولى بالرعاية.

وأضاف “مخالفات الحكام وتفاقم المنكرات لا تدفع للصدام، ولو تبنّى السلفيون الصدام لما اختلفوا عن الإخوان وباقي الجماعات في شيء، والحل في تبنّي الطريق الإصلاحي الذي يتيح على المدى الطويل امتلاك حضور طاغ وسط الكتل المجتمعية، وهي التي تضغط بالطرق السلمية ونفوذها الشعبي لإصلاح ما أفسده الآخرون”.

واستبعد الداعية السلفي تامر عزت، الصدام مع الأنظمة في السعودية ومصر، وقال “نتعايش مع الوضع القائم بطريقة لا توصلنا إلى نتائج كارثية، كما فعل الإخوان”، مشيرا إلى “أن هناك فروقا كبيرة بين منهج الإخوان والمنهج السلفي، والتوجه سيظل نحو الحفاظ على أمن البلدين مع انتقاد ما يحدث”.

حاولت الدعوة السلفية في مصر إجراء تغييرات تتأقلم مع مقتضيات الواقع السياسي، وهو ما أحدث انشقاقًا داخل التيار السلفي، وانحاز البعض لرؤية الرموز الرافضين لتلك التغييرات، ومنهم أبوإسحق الحويني وأحمد النقيب وإسماعيل المقدم.

وقالت البعض من الدوائر السلفية إن التغييرات مسّت ثوابت راسخة لدى السلفيين، فتأسيس حزب سياسي (النور) يعني الإيمان بالديمقراطية التي كانت تعدّ كفرًا وقبول بالمشاركة في تشريع القوانين الوضعية، وقبلوا مبدأ وضع المرأة والأقباط على قوائم الحزب الانتخابية.

ويرجع صمت السلفيين بمصر، إلى أنهم يعدون مظاهر الملبس والتشدد في مسائل الأغاني والحفلات والاختلاط بين الجنسين أمرًا دينيًا، يؤدي التنازل بشأنه لفقدانهم السمت المميّز لهم. ويعدّون القضايا المرتبطة بالتأثير المباشر على أوضاعهم ومكتسباتهم السياسية من قبيل المواءمات، ويجدون لها مخارج شرعية من باب الضرورات التي تبيح المحظورات أو وضعها تحت بند “المصالح المرسلة”.

ويعود ذلك للحرص على ما يربط سلفيي مصر بالمملكة العربية السعودية، وكي يفّوتوا الفرصة على الفصائل الإسلامية المناوئة لهم في الساحة المصرية، التي “يعتقدون أنها تتصيّد لهم الأخطاء وتسعى إلى المزيد من تشويه الصورة لدى جمهور الحالة الإسلامية”.

وقال سامح عبدالحميد، القيادي السابق بحزب النور السلفي، إن التغييرات السعودية “لا تؤثر على السلفيين بمصر فلا تنازل عن الثوابت لأن الحفلات الغنائية حرام ولن نغيّر قناعاتنا تقليدًا لأي أحد أو جهة أو دولة، فنحن نستمد الشرع من القرآن والسنّة وليس من دولة أو حكومة”.

وشدّد الوجه السلفي عبدالحميد على أن لكل مجتمع خصوصياته وللسلفيين في مصر منهجهم وعلماؤهم وواقعهم الخاص بهم، وقال “إن قيادة المرأة للسيارة بمصر تقيها ما تلاقيه من مضايقات وتحرش في المواصلات العامة، الأمر الذي يختلف عن الواقع السعودي”.

وأكد تامر عزت “السلفي الحقّ لا يتنازل عن منهجه لكن قد يضطر لقبول الوضع القائم طالما لا يستطيع تغييره للأفضل بطريقة لا توصل إلى ضرر أكبر، فالقبول ليس رضًا بالواقع إنما من باب دفع مفاسد أعظم”.

وصف سامح عبدالحميد ما أقدم عليه حزب النور في ملفي المرأة والأقباط أثناء الانتخابات بالمواءمات السياسية التي تدخل في باب الضرورة، مؤكدًا أن السلفيين في مصر لا يقدمون تنازلات مجانية، متسائلًا عن جدوى ومردود زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للكاتدرائية ولقائه بالبابا تواضروس الثاني؟

وفسّر أحمد هلال القيادي بالدعوة السلفية الإسكندرية دعوة البابا تواضروس والمسيحيين إلى زيارة المملكة كونها توجّها جديدا “قد تكون نتيجة إملاءات خارجية وضغوط دولية فرضت عليه”.

وقال محمد بيه فرج عضو الدعوة السلفية بدمنهور في شمال مصر، “سواء كانت الدعوة والزيارة طواعية أو بإملاءات، المهم أنها تؤدي إلى طريق واحد وهو فرض العلمانية”.

وأوضح هلال، أن المنهج السلفي “لا يخضع ولا يتكيّف مع المخالفات الشرعية التي أقدمت عليها السعودية، ورفض علماء السلفية هذه المخالفات، والمنهج السلفي لا يتلوّن ولا يتغيّر لأننا لا نستقيه من الأشخاص لكن نستمده من الكتاب والسنّة”.

سلفيون يقرنون بين تركهم للسياسة وانعزالهم الشأن العام وهيمنة العلمانيين على مشهد التأثير وتوجيه الأحداث

يتجاوز السلفيون في مصر فرضية كون التغييرات السعودية حالة خاصة بوضعية تركيبة السلطة المرتبطة بظروف النشأة، الأمر الذي بات حملًا ثقيلًا على المملكة بالنظر لتحديات الصراعات الإقليمية وتحديات ملف الإرهاب.

انحناء لمرور العاصفة
وجاءت مزايداتهم انطلاقًا من واقع مختلف شهد قيام دولة مدنية قبل عقود طويلة وتعتبر السلفية أمرا دخيلًا عليه منذ سبعينات القرن الماضي، وهذه المفاهيم المتشدّدة الخاصة بالمرأة والحريات الفردية والعلاقة بالآخر المختلف في العقيدة محصورة داخل النطاق السلفي.

ويجتهد سلفيو مصر لاستغلال الحدث السعودي بغرض إحراز نقاط لصالحهم من جهة محاولة إظهار أنفسهم كتيار يحمي المجتمع من الانهيار الأخلاقي، ومن جهة إظهار رفضهم لمسيرة التغيير بالسعودية، على الرغم من أنها تقود لتنوع وحريات لا تقارن بما عليه الواقع المصري.

واعتبر القيادي السلفي عبدالحميد الزرقا، التغييرات بالسعودية “نذير شؤم ونسأل الله أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن وننتظر رد فعل العلماء هناك”.

ودعا الزرقا إلى التحرك بفاعلية لوقف ما أسماه “الانحدار السريع للدولة المحافظة التي هي ثمرة السلفية وليس العكس”.

لم يختلف الموقف الرسمي للدعوة السلفية كثيرًا، لكن تمّ التعبير عنه بلغة أقلّ حدّة وأكثر دبلوماسية، وأبدى جمال متولي عضو اللجنة التشريعية لحزب النور وعضو الهيئة العليا للحزب احترامه لخيارات الشعب السعودي، فيما شدّد على أنّ التغييرات مسألة تخصّه وحده.

وأوضح متولي أن التغييرات ينبغي أن تتوافق مع ثوابت المجتمعات وما استقرّت عليه، مشددًا على أنّ التغيير الحقيقي مرتبط بالتطوّر التقني والعلمي والنهوض الاقتصادي.

انقسام حاد
وكي لا تضاف إجراءات الانفتاح السعودية كورقة جديدة يوظفها خصوم السلفيين في الصراع معهم، انقسم التيار بشأن أسلوب التعاطي مع الحدث، فمنهم من آثر السكوت، متعلّلًا بأنه شأن داخلي يخصّ السعودية، ومنهم من هوّن وقع الحدث وتأثيره على عموم السلفيين، متعلّلًا بأن ما يتمّ استحداثه في السعودية هو موجود بمصر قبل مئة عام، والعلماء يقومون بدورهم في الإنكار والنصح.

وذهب البعض منهم إلى إظهار الحالة السلفية المصرية كمستقلة عن نظيرتها في السعودية فكريا واقتصاديا.

وقال العضو بالدعوة السلفية بالمنصورة هشام الخطيب، إن للسلفية جذور أصيلة وهي قديمة منذ أن تم تأصيلها على يد أحمد بن حنبل، ومن بعده ابن تيمية الذي أسس مدرستها العلمية على أسس واضحة ومتينة، ثم رسم ملامحها حديثًا وترجمها لواقع عملي محمد بن عبدالوهاب، وذلك كله كان قبل ظهور آبار النفط.

وقال شريف غانم، عضو الدعوة بالإسكندرية، إن الدعوة السلفية “لا تتلقى دعما ماديا من أي جهة خارجية، والدعم السعودي للدعوة بالبلاد العربية توقف بعد تفجيرات سبتمبر عام 2001، بعد نشأة مصطلح السلفية الجهادية وتوظيف ممارسات زعيم القاعدة أسامة بن لادن، بغرض تشويه المملكة العربية السعودية. ويدرك رموز التيار السلفي في مصر أبعاد الأزمة التي يواجهها عموم التيار الإسلامي في مصر بعد عزل الإخوان عن السلطة.

وتتكرّر مطالبات إقصاء السلفيين عن السياسة لخلطهم الدعوي والحزبي ولتشددهم في قضايا تؤثر بالسلب على وحدة النسيج الوطني المصري، كما تكثر الشكوى من الفتاوى التي يصدرها السلفيون وتعكّر على المصريين صفو حياتهم في مناسبات احتفالاتهم وأعيادهم.

كما يخوض السلفيون معركة تحدّ مع الفصائل الإسلامية الأخرى، ويراهن شيوخهم على ما يوظفونه من بعض المخارج الشرعية لإقناع القواعد بالمواءمات التي يضطرون إليها، لمجرد إبقائهم في المشهد والحفاظ على نفوذهم وحضورهم الدعوي في المحافظات.

وينظرون إلى التغييرات في السعودية من زاوية كونها خطوة داعمة بشكل أكبر مما سبق في اتجاه التحالف بين مصر والسعودية، الأمر الذي يعدونه أهمية قصوى للتصدي للخطر الإيراني والتمدّد الشيعي في المنطقة العربية وأفريقيا.

ويؤكدون أولًا على ضرورة مواصلة حضورهم وأنشطتهم المجتمعية، معتبرين المجتمع أصل التغيير، ولم تنجح القرارات الأخيرة في المملكة إلا بعدما أن حظيت بقبول مجتمعي من قطاعات لديها الرغبة في امتلاك الحرية، مع التغييرات الهائلة التي تشهدها المجتمعات المجاورة ومع ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة.

ويرون ضرورة أن يسند الحضور المجتمعي مظلة سياسية وتأثير نخبوي سلفي في قمة هرم السلطة، ويعلّلون ظهور التيارات المتشددة والمسلحة بعزوف التيار السلفي عن المشاركة السياسية، والأهم أنهم يقرنون بين تركهم للسياسة وانعزالهم الشأن العام وهيمنة العلمانيين على مشهد التأثير وتوجيه الأحداث.

وانطلاقًا مما تميّزوا به من براغماتية وتأقلم مع التحوّلات والمتغيرات الكبيرة، يؤكدون على ضرورة مواصلة حضور دعاتهم في المشهد السياسي والفضاء الإعلامي، ممن لديهم “بصيرة بالفتن لأن باب المصالح والمفاسد كبير لا يحسنه أي أحد حتى لا يحدث شطط يصيب العقيدة”.

العرب