كوريا الشمالية وضعت الكرة في ملعب ترامب

كوريا الشمالية وضعت الكرة في ملعب ترامب

جاءت موافقة كوريا الشمالية الأخيرة على إجراء مباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية حول التخلي عن أسلحتها النووية لتكون بمثابة الغوث، بعد أن واجه العالم أشهراً من التوتر بسبب إقدام بيونغ يانغ على اختبار تلك الأجهزة ورد واشنطن بخطاب حربي.
أولاً، كان الرئيس ترامب الذي أعلنه في تغريدة معقولاً. وقال الرئيس الأميركي في تغريدته: “يجري إحراز تحقيق تقدم محتمل في المباحثات مع كوريا الشمالية. لأول مرة في سنوات عديدة، تبذل كل الأطراف المعنية جهوداً جدية. العالم يراقب وينتظر! قد يكون هذا أملاً زائفاً، لكن الولايات المتحدة مستعدة للذهاب بقوة في أي من الاتجاهين!”.
كما ألمح الرئيس، يجب أن يكون التفاؤل مصحوباً بالحذر، نظراً لأن على العمل القاسي اللازم لتحقيق حل سلمي أن يتغلب على سنوات من عدم الثقة ومرارة المفاوضات الفاشلة. ولكن، يبدو أن هناك في نهاية المطاف فرصة للمفاوضات، ولذلك يجب يجب على إدارة ترامب استغلالها.
الأخبار التي تحدثت عن أن الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أيل، قد وافق على بحث إنهاء برنامج بلاده النووي في مقابل ضمانات أمنية، وأنه سيقوم بتعليق اختبارات أسلحته وصواريخه خلال المفاوضات، جاءت من دبلوماسيين كوريين جنوبيين رفيعي المستوى بعد مباحثات جرت في بيونغ يانغ مع السيد كيم. وكان هؤلاء الدبلوماسيون أول ممثلين للجنوب يجتمع مع السيد كيم منذ مجيئه إلى السلطة قبل ستة أعوام. وبينما لم يصدر الشمال بيانه الخاص عن المباحثات، فإن حقيقة التقاء وفد كوري جنوبي مباشرة مع الرئيس كيم كانت مهمة في ذاتها.
يبدو أن هجوم سحر الأولمبياد للرئيس الكوري الجنوبي، مون جيه-إن، قد تمكن من أخذ التزام من كوريا الشمالية، والذي كانت الإدارة الأميركية قد سعت إليه.
ويبدو أن موقف كوريا الشمالية هو نفسه -أنها لن تكون بحاجة إلى الأسلحة الذرية إذا لم تواجه بأي تهديد من الولايات المتحدة ، بما في ذلك التواجد العسكري الأميركي في الجنوب. وقال الكوريون الجنوبيون في بيان، إن كوريا الشمالية “أوضحت أنه لن يكون لديها أي سبب للاحتفاظ بأسلحة نووية إذا زال التهديد العسكري الموجه للشمال، وتم ضمان أمنها”.
كانت هذه الصيغ في الكثير من الأحيان موضوع مباحثات سابقة مع الولايات المتحدة. وكان الرئيس بيل كلينتون قد أعطى هذه الضمانات الأمنية كجزء من صفقة 1994 النووية، التي شهدت تجميد كوريا الشمالية برنامجها للبلوتونيوم في مقابل الغذاء والمساعدات الأخرى. لكن الشمال غش عبر تأسيس برنامج منفصل لتخصيب اليورانيوم. ثم انهارت الصفقة في عهد إدارة جورج دبليو بوش.
وكانت إدارة ترامب محجمة عن الدخول في مفاوضات تعتقد أنها ستؤول إلى نفس المصير، وقد تحركت في اتجاه تشديد القيود الصارمة أصلاً على كوريا الشمالية. وتقول واشنطن إنها لن تقبل بأي شيء أقل من إلغاء “كامل، ولا رجعة فيه، وقابل للتحقق منه” للبرنامج النووي الكوري الشمالي.
لكن رسالة الإدارة كانت في أغلب الأحيان متغيرة ومربكة، بينما أصبح حمل كوريا الشمالية على التخلي عن برنامجها النووي أكثر صعوبة. ويوجد لدى الشمال حالياً ما لا يقل عن 20 رأساً نووياً ومجموعة من الصواريخ في ترسانته، بما فيها صاريخ يمكنه الوصول إلى أرض الولايات المتحدة الأميركية.
أحد الأسئلة التي تتبادر الآن هو ما قد يطلبه الكوريون الشماليون في مقابل وقف التجارب النووية والدخول في المفاوضات. ويبدو أن السيد كيم لم يعترض على التمارين العسكرية الأميركية الكورية الجنوبية المقرر إجراؤها في الشهر المقبل، ولم يصر على وقف فوري للعقوبات. ويقول خبراء إن هذا يعود إلى أنه يريد أن يرى قمة الشمال-الجنوب المقررة في الشهر المقبل وهي تمضي بهدوء. لكن هذه المسائل ومواضيع أخرى سوف تكون موضوعة على طاولة المفاوضات في المستقبل.
لسوء الحظ، لا يوجد أي دليل على أن الولايات المتحدة تمتلك أي آليات لتطبيق استراتيجية للمباحثات. ليس هناك سفير أميركي لدى سيول، كما أن وزير الخارجية الأميركية (حتى كتابة هذا المقال)، ريكس تلرسون، نزع أحشاء وزارة الخارجية إلى حد أنه لن يكون قادراً على المضي بفعالية إلى الأمام. بالإضافة إلى أن جوزيف يون، كبير مبعوثي أميركا إلى كوريا الشمالية والشخصية الرفيعة التي تعرف فعلاً حقيقة الملف والذي التقى بالكوريين الشماليين، استقال من منصبه مؤخراً، في قرار يمكن تفسيره على أنه إشارة أخرى إلى عدم معالجة الإدارة العاجزة للمسألة.
ثمة العديد من العوامل التي ساعدت على جلب هذا الانفتاح، بما في ذلك كل من تصميم كوريا الجنوبية على تجنب الحرب، ورغبة السيد ترامب في دراستها، بالإضافة إلى العقوبات الساحقة. ولذلك، فإن هذه فرصة لا يمكن هدرها.
سوف يتطلب ذلك استخدام دبلوماسية خلاقة ومستدامة، بالإضافة إلى الحزم والصبر ورئيس يستطيع أن يكون منضبطاً بما يكفي لإبقاء أفكاره هول الوضع بعيدة عن “تويتر”. ويجب أن يكون واضحاً أن أي أمل بتحقيق السلام، مهما كان ضعيفاً، يظل موضع ترحيب أكبر بكثير من تهديد الحرب.

صحيفة الغد