لوموا ترامب عندما تسرع إيران نحو القنبلة

لوموا ترامب عندما تسرع إيران نحو القنبلة

أصبح الاتفاق النووي مع إيران معلقاً على خيط رفيع. وقد تسبب تعيين جون بولتون -المدافع المتحمس عن الحرب مع إيران- مستشاراً للأمن القومي الأميركي، بالاحتفال بين منتقدي الاتفاق الإيرانيين. وأدى الإعلان عن أن المحادثات النووية مع كوريا الشمالية ستعقد في الوقت نفسه الذي يتعين فيه على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يقرر ما إذا كان سيبقي على الاتفاق الإيراني أو يقتله، إلى المزيد من تعقيد الصورة. ومع ذلك، ثمة القليلون في واشنطن ممن يدركون كيف أن مقامرة ترامب مع بيونغ يانغ قد تؤثر على حسابات طهران النووية.
تقول الرواية السائدة إن ترامب سيكون أحمق إذا قام بقتل الصفقة الإيرانية (المعروفة رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة) إذا كان يسعى حقاً للوصول إلى اتفاق مع الكوريين الشماليين. فإذا أظهر ترامب أنه لا يحترم الاتفاقيات التي تبرمها أميركا، فلماذا ستعقد بيونغ يانغ صفقة معه؟
لكن ترامب دائماً ما كان أي شيء سوى أن يكون تقليدياً. ودائماً ما سار منطقه في الاتجاه المعاكس للمألوف، وسيكون بولتون سعيداً للغاية إذا تمكن من تنشيط أسوأ غرائز ترامب. ومن خلال قتل اتفاقية العمل الشاملة المشتركة، يعتقد ترامب أنه سوف يبعث برسالة إلى الكوريين الشماليين، والتي تفيد بأنه يجب أن لا يكون لديهم أدنى شك في أنه مستعد للتخلي عن المحادثات إذا لم يحصل على ما يريد. فبعد كل شيء، سيكون التخلي عن مفاوضات جارية أسهل بكثير من قتل صفقة قائمة.
قد يعرف ترامب عن الصخب والوعيد، لكنه لا يعرف عن الدبلوماسية. وقد ينفع المتعاقدون من الباطن من ذوي الإمكانات القوية في سوق العقارات في مانهاتن، لكن ذلك لن يعمل في مجال الدبلوماسية الدولية. ولا تتصرف الدول ذات السيادة مثل المهندسين المعماريين والكهربائيين الذين يعملون من الباطن.
كيف سيكون رد فعل إيران إذا تابع ترامب السير في هذا الطريق؟ بالنسبة لطهران، لم تكن خطة العمل الشاملة المشتركة تدور مطلقاً حول القضية النووية. كانت اختباراً لمعرفة ما إذا كان الغرب يمكن أن يتصالح مع الجمهورية الإسلامية ويقبل بإيران كقوة إقليمية. ومن خلال اختبار هذا الاقتراح، أصبحت المحادثات مع الغرب موضوعاً لمواجهة حاسمة بين مدرستي الفكر السائدتين داخل النخبة الإيرانية.
تقول المدرسة الأولى، التي تهيمن عليها عناصر محافظة في الحكومة والجيش، إن الولايات المتحدة -التي تتعرض إلى ضغوط من إسرائيل والسعودية- معادية لإيران بطبيعتها، ولن تعترف أبداً بها كقوة إقليمية أو تتصالح مع نظامها، بغض النظر عن السياسات التي تنتهجها إيران أو التنازلات التي تقدمها. ولا يمكن أن يتحقق التقبل والدمج في الإقليم الذي تطمح إليه طهران إلا من خلال إجبار الولايات المتحدة وحلفائها على القبول بواقع القوة الإيرانية. ويرجع تشكيك المتشددين في نهج الدبلوماسية ومقاومتهم فكرة تقديم التنازلات في جزء منه إلى اعتقادهم بأنه لا يمكن لأي تنازل إيراني أن يغير واقع عداء واشنطن لطهران.
وفي المقابل، تدرك المجموعة الثانية الأكثر اعتدالاً من صانعي السياسة في إيران حقيقة أن أفعال البلد نفسه قد أسهمت في نشوب الصراع الملتهب، وأن لدى الولايات المتحدة مخاوف مشروعة بشأن السياسات الإيرانية. ويقول المعتدلون إن القبول الأميركي باندماج إيران في الهيكل الأمني الإقليمي يمكن الحصول عليه من خلال الدبلوماسية والأخذ والعطاء الحقيقيين. وإذا قدمت إيران تنازلات، فكذلك سيفعل الغرب، حسب منطق هذه الأطروحة.
كان الجدل الجاري بين هاتين المدرستين نظرياً إلى أن بدأت المفاوضات النووية بشكل جدي. وعلى الرغم من أن طهران بذلت العديد من محاولات التقرب الدبلوماسية من الغرب في الماضي، فإنه لم يتم أبداً اختبار مدى استعداد الولايات المتحدة للتصالح مع إيران من خلال تسوية متبادلة يوقع عليها الطرفان.
كان ذلك هو واقع الحال إلى أن تم التوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. وجسدت الصفقة النووية الإيرانية المرة الأولى التي تتوافق فيها الولايات المتحدة وإيران على تبادل يعتد به في التنازلات، والتي لم تؤد فقط إلى إغلاق طرق إيران نحو الوصول إلى القنبلة في مقابل رفع العقوبات عنها، وإنما وضعت حداً لما يقرب من أربعة عقود من الجهود الأميركية لعزل إيران بالكامل أيضاً. وأشرت الصفقة أيضاً على أن أميركا أصبحت، بعد 36 سنة من قيام الثورة الإيرانية، تتصالح مع إيران.
من خلال الصفقة النووية، وافق الطرفان على تقديم تنازلات مؤلمة، وواجها معارضة سياسية داخلية شرسة، واعترف كلاهما بأن الاتفاق يؤشر على افتراق كبير عن السياسات السابقة. كانت أميركا تتصالح مع إيران. وكانت الجمهورية الإسلامية تتحدث عن الولايات المتحدة -ليس على أنها الشيطان الأكبر، وإنما كشريك في المفاوضات. وشكل ذلك انتصاراً كبيراً للمدرسة الفكرية الثانية في إيران -في الوقت الراهن على الأقل.
لكن خطة العمل الشاملة المشتركة أصبحت تتحول باطراد إلى انتصار للمتشددين. فعلى الرغم من التنازلات التي قدمتها إيران وامتثالها لشروط الاتفاق النووي (وهو ما أكدته 10 تقارير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الأقل)، رفض ترامب والمملكة العربية السعودية وإسرائيل بوضوح إدماج إيران في الإقليم تحت أي ظرف. وتبيّن أن التغييرات التي حدثت في السياسات الإيرانية غير كافية، بحيث لا يمكن أن يرضي حلفاء ترامب على ما يبدو سوى استسلام إيران الكامل.
لن يكون من الممكن تجنب الوصول إلى هذا الاستنتاج في طهران في حال قتل ترامب خطة العمل المشتركة المشتركة من أجل التوصل إلى اتفاق مع بيونغ يانغ. وسوف يعزز مثل ذلك الرواية الإيرانية المتشددة القائلة إن خطأ طهران كان أنها حصلت على قدرات التخصيب فقط -وإنما ليس على قنبلة- قبل أن توافق على التفاوض بجدية. ولو أنها صنعت قنبلة -مثلما فعل الكوريون الشماليون- لما كان لدى الولايات المتحدة خيار سوى إظهار الاحترام لإيران، والتوصل إلى اتفاق معها، والالتزام باحترام ذلك الاتفاق. وبذلك، سوف يحفز ترامب إيران على أن تصبح مسلحة نووياً بشكل أساسي.
في نهاية المطاف، لن ينفع هذر ترامب الصاخب. فهو يفتقر إلى وزارة خارجية مزودة بموظفين مناسبين يتمتعون بالقدرة على التفاوض، ويعارض مستشاره الجديد للأمن القومي فكرة الدبلوماسية أيديولوجياً. وبقتله الصفقة الإيرانية من أجل التأثير على بيونغ يانغ، سوف يدمر ترامب صفقة أسلحة عاملة من دون تأمين الحصول على واحدة جديدة. وفي هذه العملية، سوف يميل الميزان لصالح أولئك في طهران من الذين جادلوا كل الوقت بأن أميركا لا تفهم سوى لغة القوة.

تريتا بارسي

الغد