أول قصف إيراني إسرائيلي متبادل.. هل بدأت الحرب؟

أول قصف إيراني إسرائيلي متبادل.. هل بدأت الحرب؟

قبل أن يجف حبر قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي، تبادلت إيران وإسرائيل رسائل “صاروخية” غير مسبوقة انهمرت على عشرات الأهداف الإيرانية والإسرائيلية في سوريا، وفتحت المجال واسعا أمام افتراضات وتساؤلات عن الخطوة التالية.

فقد أطلقت إسرائيل فجر اليوم الخميس عشرات الصواريخ نحو أهداف قالت إنها تابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بعد أن استهدف هذا الفيلق مناطق وأهدافا إسرائيلية في الجولان المحتل بدفقات من الصواريخ، قالت إسرائيل إنه تم إسقاطها ولم تخلف أضرارا بشرية.
وجاءت هذه التطورات بعيد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وهي الخطوة التي رحبت بها إسرائيل وأعلنت إثرها الاستنفار في الجولان وقصفت مواقع في سوريا يعتقد أنها تابعة لإيران.

روايات
وما زالت العديد من تفاصيل التطورات العسكرية الكبيرة التي كانت سوريا مسرحا لها البارحة لم تكشف بعد، في ظل روايات لا تتناقض كثيرا ولكنها بالمقابل لا تتطابق.

فقد تحدث الجيش الإسرائيلي عن استهداف صواريخه مواقع وأهدافا من بينها: مواقع استخبارية إيرانية يديرها فيلق القدس، ومقرات قيادة لوجستية تابعة لفيلق القدس، ومجمع عسكري ومجمع لوجيستي تابعيْن لفيلق القدس في الكسوة، ومعسكر إيراني في سوريا شمال دمشق، ومواقع لتخزين أسلحة تابعة لفيلق القدس في مطار دمشق الدولي، وأنظمة ومواقع استخبارات تابعة لفيلق القدس، وموقع استطلاع ومواقع عسكرية ووسائل قتالية في منطقة فك الاشتباك.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه دمر معظم البنى العسكرية الإيرانية في سوريا وفق بنك أهداف أعد سلفا، ولكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يقول إن المهمة لم تنته، في ظل حالة استنفار بدأها منذ يومين.

في المقابل، ذكرت قناة الميادين المقربة من إيران أن عشرات الصواريخ استهدفت أربعة مجمعات عسكرية إسرائيلية أساسية في الجولان المحتل، تضم كل منها عدة مراكز عسكرية، من بينها: مراكز للاستطلاع الفني والإلكتروني، ومركز عسكري رئيسي لعمليات التشويش الإلكتروني، ومركز عسكري رئيسي للتنصت على الشبكات السلكية واللاسلكية بالسلسلة الغربية، ومحطات اتصالات لأنظمة التواصل والإرسال وغيرها.

وقالت وكالة “سانا” السورية الرسمية إن الدفاعات الجوية السورية دمرت عددا من الصواريخ الإسرائيلية، ونقلت عن مصدر عسكري قوله إن بعض الصواريخ الإسرائيلية أصابت هدفها ودمرت موقعا للرادار ومستودعا للذخيرة، بعد أن استهدفت عددا من كتائب الدفاع الجوي.

كما قال التلفزيون السوري إن الصواريخ الإسرائيلية استهدفت محيط مطار الخلخلة واللواء 150 في محافظة السويداء.

وجاءت الرواية الأخيرة من روسيا، الفاعل الدولي الأهم في سوريا؛ حيث ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن القصف الصاروخي الإسرائيلي استهدف مواقع إيرانية ودفاعات جوية سورية، وتم من خلال 28 طائرة حربية أطلقت نحو سبعين صاروخا، وعشرة صواريخ تكتيكية أرض أرض، كما أكدت أيضا أن نصف الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل تم إسقاطها.

صمت وقلق
وباستثناء دعوة من الرئاسة الفرنسية لوقف التصعيد بعد ضربات الليلة البارحة، لم تصدر حتى الآن مواقف غربية وإقليمية واضحة من هذا التصعيد الذي ينذر بجر الأوضاع نحو مواجهة شاملة في سوريا.

فإيران ما زالت تلتزم الصمت على المستوى الرسمي السياسي والعسكري، ولم تقدم روايتها لما حدث كما فعلت غريمتها إسرائيل، وإن كانت وسائل إعلام مقربة منها ساقت أخبارا وروايات عن تطورات البارحة ولكنها لم تنسبها لمصادر إيرانية.

الصمت ذاته التزمته روسيا لساعات، قبل أن يصدر بيان عن وزارة الخارجية الروسية عبرت فيه عن قلقها من الضربات الصاروخية المتبادلة بين الإيرانيين والإسرائيليين، بينما قال متحدث عسكري إسرائيلي إن “إسرائيل أخطرت روسيا قبل الضربات التي نفذتها الخميس على عدة أهداف في سوريا، من خلال الآليات القائمة لدينا”.

كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو قوله “من المستبعد أن تسعى روسيا للحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا”.

وقام نتنياهو -قبيل ساعات من هذا التصعيد- بزيارة خاطفة إلى العاصمة الروسية موسكو، التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين، ومن المؤكد أن الوضع في سوريا والتصعيد الإسرائيلي ضد إيران كان على جدول أعمال اللقاء.

التطور الأخطر
“لم يعد التوتر المتصاعد في شمال إسرائيل مجرد مسألة كلمات، بل تحول إلى معطى عسكري لأول مرة”؛ هكذا بدأت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا لها حول الضربات الصاروخية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، والتي تمثل تطورا غير مسبوق في الحرب الدائرة بشكل أو بآخر بين الطرفين منذ عقود من الزمن.

وتقول الصحيفة الفرنسية إن ما حدث الليلة البارحة هو الأخطر منذ عام 1973 في الجولان السوري المحتل، فلأول مرة تم إطلاق الصواريخ التي تنسب إلى إيران على إسرائيل التي يبدو أنها “قررت مواجهة الوجود الإسرائيلي في سوريا ولو بشكل منفرد”، بحسب تقرير آخر في الصحيفة نفسها.

وخلال الأسابيع الماضية، استهدفت إسرائيل أكثر من مرة مواقع قيل إنها تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، وحدث ما وصفه الكاتب توماس فريدمان -في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية تحت عنوان “هل تتجه إيران وإسرائيل لحرب مباشرة؟”- ببوادر حرب أشمل من خلال مواجهتين مباشرتين في سوريا: الأولى في العاشر من فبراير/شباط الماضي، عندما أسقطت إسرائيل طائرة إيرانية مسيرة انطلقت من قاعدة التيفور بسوريا، وقال الجيش الإسرائيلي إن مسار الرحلة وتحليل الطائرة يشيران إلى أنها “كانت تحمل متفجرات” وأن مهمتها هي “عمل تخريبي في إسرائيل”.

أما المواجهة الأخرى، فكانت نتيجة للأولى، حيث شنت الطائرات الإسرائيلية في 9 أبريل/نيسان الجاري ضربة صاروخية على قاعدة التيفور لأول مرة، مما أسفر عن مقتل سبعة من أفراد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، من بينهم العقيد مهدي دهقان الذي يقود وحدة الطائرات المسيرة.

هل بدأت الحرب؟
ورغم ما يظهر أنه بداية ساخنة لحرب على الأبواب، فإن موقع ستراتفور الأميركي يشير إلى أن إيران تحاول تجنب حرب كبيرة مع إسرائيل، خاصة أنها تحاول ترسيخ قدمها في سوريا والحفاظ على زخم القوى الموالية للنظام هناك.

ويبدو أن إسرائيل تنتقي اللحظة المناسبة بعناية للإجهاز على المصالح الإيرانية في سوريا؛ فصناع القرار الإيرانيون مشتتون حاليا بين مطالب الداخل وإكراهات الخارج وتحديات العقوبات الجديدة التي تسعى إدارة الرئيس الأميركي ترامب إلى فرضها على إيران بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي، وهو ما يجعل انخراط طهران في أي مواجهة أو حرب شاملة مع إسرائيل -وفي هذا التوقيت بالذات- خيارا في غاية الصعوبة.

وهو خيط يلتقطه موقع ستراتفور ضمن حديثه عن الضربات الإسرائيلية اليوم، حيث يقول إن إيران تعتمد الآن على الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي لإبقاء هذا الاتفاق بعد الانسحاب الأميركي منه، وهو أمر قد تكون رغبتهم فيه أقل إذا صعدت إيران نزاعها بشكل كبير مع إسرائيل في سوريا.

وبينما تشير صحف غربية إلى أن من غير المحتمل أن تحاول كل من إيران وإسرائيل توسيع صراعهما إلى ما وراء ساحة المعركة السورية، يخشى الكثيرون من خروج الأمور عن السيطرة واندلاع مواجهة شاملة وفي أكثر من ساحة.
ويعتقد البعض أن حفاظ الإيرانيين على أعصاب هادئة في التعامل مع ما يصفونه بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في سوريا سيكون مربوطا إلى درجة كبيرة بمصير الاتفاق النووي، حيث يستبعد على نطاق واسع أن تقبل إيران الانخراط في مواجهة أشمل خلال الأسابيع المقبلة التي تخوض فيها مفاوضات ونقاشات مع الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي -وفي مقدمتهم الأوروبيون- سعيا لإبقائه على قيد الحياة.

وتبدو إسرائيل أكثر اندفاعا لتثبيت ما تصفه بالخطوط الحمراء في سوريا، واهتبال الفرصة لضرب الوجود العسكري الإيراني التي تصفه بأحد أكبر المخاطر الأمنية والعسكرية على حدودها.

وكان لافتا ما نقلته رويترز قبل قليل عن أن ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي الأسبق، وليون بانيتا المدير السابق للمخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) يخشيان عملا عسكريا محتملا في الشرق الأوسط، كما يخشيان أيضا عواقب غير مقصودة لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي.

وهي مخاوف تعززها تغريدات كتبها الرئيس ترامب الليلة البارحة، هدد فيها بشكل غير مباشر بعمل عسكري ضد إيران حين قال إن شيئا ما سيحدث إذا لم تقبل إيران التفاوض على اتفاق جديد.

ويرى العديد من المحللين أن الظروف الحالية مهيأة أكثر من أي وقت مضى لاندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، خصوصا مع إدارة أميركية هي الأكثر انحيازا وقربا من إسرائيل واندفاعا نحو الخيارات العسكرية في تسوية الملفات الخارجية، وتشتتٍ وتشرذم عربي غير مسبوق، وتبلور “حلف” عربي من دول ذات وزن كبير في العالم العربي يتماهى مع إسرائيل بشكل كلي في الموقف من الملف الإيراني وفي طريقة التعاطي معه.

المصدر : الجزيرة + وكالات,الصحافة الأميركية