الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي والرد الإيراني عليه

الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي والرد الإيراني عليه

معمر فيصل خولي*

 استكمالًا مع سياسة الانسحاب من الاتفاقيات الدولية أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 آيار/مايو الحالي أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من الاتفاق النووي مع إيران وتعتزم فرض عقوبات مشددة عليها وقال ترامب في كلمة ألقاها في البيت الأبيض إن الاتفاق مع إيران لم يجلب السلام حتى لو التزمت به بشكل كامل، وستظل على شفا حيازة أسلحة نووية. وكان من بين أهم ما قاله ترامب إنه بات يعرف “أنّ النظام الإيراني يتصدر الدول الراعية للإرهاب في العالم”. أضاف “إنه يصدّر صواريخ خطرة ويشعل الصراعات في الشرق الأوسط ويدعم التنظيمات والميليشيات الإرهابية مثل حزب الله وحماس وطالبان والقاعدة. وعلى مدى السنوات الماضية، قام وكلاء إيران بتفجير السفارات الأميركية والقواعد العسكرية الأميركية، فقتلوا مئات الجنود الأميركيين واختطفوا وسجنوا وعذّبوا مواطنين أميركيين”.  إدارة ترامب، على خلاف إدارة باراك أوباما، تعرف أن المشكلة مع إيران ليست محصورة بالملف النووي. حصر المشكلة بالملفّ النووي الإيراني كان بمثابة تحايل على المنطق والحقيقة ولا شيء غير ذلك. المشكلة في السلوك الإيراني في المنطقة وفي مشروع يعتمد أوّلا وأخيرا على إثارة الغرائز المذهبية. لو لم يكن الأمر كذلك كيف يمكن تفسير استفزازات “حزب الله” لأهل بيروت السنة خصوصا في اليوم الذي تلا الانتخابات؟

أظهرت إدارة ترامب أنها جدية في التعاطي مع إيران. هناك متابعة دقيقة لهذا الموضوع. بعد خطاب تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي، جرت عملية إعادة هيكلة للإدارة. شملت العملية حلول مايك بومبيو في وزارة الخارجية مكان ركس تيلرسون، وجون بولتون مكان هربرت مكماستر كمستشار لشؤون الأمن القومي. ترافق ذلك مع عملية استيعاب لكوريا الشمالية التي اختارت التخلي في مرحلة معيّنة عن ترسانتها النووية، وأن تقيم كدولة طبيعية وسط محيط فيه دول تتمتع كل منها باقتصاد عملاق هي الصين واليابان وكوريا الجنوبية. لا تكمن أهمية خطوة ترامب تجاه كوريا الشمالية في أنّه استطاع استيعاب خطرها فحسب، بل في أن كوريا الشمالية تصدّر أيضا تكنولوجيا الصواريخ لإيران وغير إيران، ولأنظمة مارقة مثل النظام السوري.

تصورات ترامب نابعة من عقيدتين متوازيتين على المستويين الداخلي والخارجي.

على المستوى الداخلي، يؤمن ترامب أنه كلما اتخذ مسافة أوسع بعيدا عن أوباما وإرثه، كلما حصل على عدد أكبر من أصوات مؤيديه. مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر، كان الاتفاق النووي مع إيران، الذي ينظر إليه باعتباره بصمة أوباما في السياسة الخارجية، ضربة استباقية للديمقراطيين الذين يأملون في استعادة الأغلبية من الجمهوريين في هذه الانتخابات.

على المستوى الخارجي تتلخص ثقافة الانسحابات المتتالية في أن ترامب لا يرغب في الجلوس مع كيان موحد بتفاهمات مشتركة كالاتحاد الأوروبي أو الناتو أو مجموعة دول جنوب شرق آسيا أو مجموعة 5+1 التي وقعت الاتفاق النووي مع إيران. يميل ترامب أكثر إلى الاستفراد بكل دولة، سواء فرنسا أو كوريا الشمالية أو إيران أو اليابان، للتفاوض معها على حدة، ضامنا بذلك تفوقا اقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا للولايات المتحدة، التي ستوظف هذا التفوق لتحقيق مصالحها من أي عملية تفاوض. ومن جانبه هاجم خامنئي، الرئيس الأمريكي بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، قائلاً إن “الانسحاب الأمريكي لا يحدد خط السياسة الثورية الإيرانية في مواجهة الغطرسة الأمريكية”. وقال خامنئي إن “مشكلة الولايات المتحدة مع إيران ليست هي البرنامج النووي، بل وجود النظام لأن النظام الإيراني هو النظام الوحيد في العالم الذي يواجه أمريكا وإسرائيل”. وتابع “سنستمر في الاتفاق النووي مع الدول الأوروبية الثلاث، رغم أننا لا نثق في هذه الدول الثلاث. منذ اليوم الأول للاتفاقية، قلت مراراً وتكراراً، لا تثقوا في الولايات المتحدة، لقد أخبرت الدبلوماسيين الإيرانيين إذا كنت ترغب في الحصول على الصفقة والحصول على الضمانات، يجب أن تضيفوا شرطًا واحدًا أن يوقع الرئيس الأمريكي على الاتفاقية النووية”. وقامت الحكومة الإيرانية باصدار بيانا للرد على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية جاء فيه: “إن الحديث السخيف الذي اطلقه ترامب ضد شعب إيران العظيم ينم على جهله واتهاماته الواهية واللاعقلانية والتي لا اساس لها ضد الجمهورية الاسلامية الإيرانية. ومن المؤسف ان شخص مثله يحكم الولايات المتحدة الامريكية المتحضرة”. كما جاء في البيان: “إن ما قام به رئيس الولايات المتحدة هذا ليس منحصراً بالاتفاق النووي فحسب وانما هي جزء من سياسة نكث العهود ومخالفة المعاهدات التي تتحلى بها الولايات المتحدة في هذه الفترة، والتي تتضمن الخروج من اتفاقية تغير المناخ واتفاقية المحيط الهادئ. ولكن التوافق والاجماع العالمي والصلابة الداخلية الموجودة في الاتفاق النووي جعل من اعلان  انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يستمر لمدة ستة عشرة شهراً”. تلقت خطوة الرئيس ترامب هذه دعما متحمسا ومخلصا من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنامين نتنياهو، بينما لقيت معارضة كل الحكومات الأخرى التي تشكل جزءا من الاتفاق. وفي شهر آذار (مارس) من العام 2015، وأمام كل من مجلسي الكونغرس الأميركي، قال نتنياهو: “لقد قيل لنا أن عدم وجود صفقة هو أفضل من وجود صفقة سيئة. حسنا، هذه صفقة سيئة. إنها صفقة سيئة للغاية. وسوف نكون أفضل حالا من دونها”. هذا الانسحاب يطرح العديد من الأسئلة منها: ماذا يعني انسحاب أميركا من الاتفاق النووي؟

في الظاهر يمثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني مجرد انسحاب طرف واحد من ضمن ستة أطراف وقعت هذا الاتفاق الذي اكتسى لاحقا صبغة دولية بعد اعتماده من مجلس الأمن الدولي، ولكن الواقع أن انسحابواشنطن منه يمثل في رأي العديد من الخبراء إصدار شهادة وفاة له.يحاول الأوروبيون امتصاص الصدمة التي تركها انسحاب الرئيس دونالد ترامب من هذا الاتفاق ويؤكدون أنه لم يمت، كما تجنبت طهران الانسحاب الفوري منه وآثرت منح شركائها الآخرين في الاتفاق فرصة “لا تتعدى أسابيع” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الاتفاق وفق تعبير مسؤول أوروبي. بيد أن المعطيات وحقائق الواقع تؤكد -وفق كثير من المحللين والمتابعين- أن خروج الولايات المتحدة يعني انهياره بشكل كامل، حيث تتحكم بما نسبته أكثر من 90%من العقوبات على إيران، كما تتحكم في النظام المالي العالمي ومن خلاله تستطيع فرض عقوبات تخشاها جميع الأطراف.

وفي هذا السياق نتساءل عن أثر قرار ترمب  على الاقتصاد الإيراني؟ ظل الاقتصاد الإيراني يواجه صعوبات رغم تخفيف العقوبات عام 2016، إذ يبلغ متوسط معدل البطالة 12%، ويرتفع إلى ما يقرب من 30% بين الشباب، الذين يشكلون أكثر من 30% من سكان إيران البالغ عددهم ثمانين مليون نسمة.فبعد رفع هذه العقوبات فتحت إيران أبواب قطاعاتها الاقتصادية للشركات الأوروبية الأميركية، وتمكنت هذه الشركات من عقد الكثير من الصفقات مع الطرف الإيراني، كما شطبت واشنطن بموجب هذا الاتفاق من لوائحها السوداء أربعمئة اسم لأفراد وشركات وكيانات كانوا متهمين بانتهاك التشريع الأميركي بشأن العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي.كما ألغيت عقوبات تمس أجانب ممنوعين من التعامل مع الإيرانيين في قطاعات اقتصادية مختلفة، بينها البنوك والتأمين والنفط والغاز والبتروكيميائيات والنقل البحري والموانئ وتجارة الذهب والسيارات.ووفقا للقرار الجديد لن تعود فقط هذه العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق السابق، بل يمكن أيضا فرض عقوبات جديدة إذا رأت الإدارة الأميركية ما يستدعي ذلك.فعودة ضد النظام الإيراني  كابوس يؤرق الشعب الإيراني.

وقالت الخزانة الأميركية -بعيد إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق- إن الولايات المتحدة ستعيد فرض مجموعة واسعة من العقوبات المتعلقة بإيران، ولكنها لن تفرضها دفعة واحدة وعلى الفور، بل ستكون هناك فترة تخفيف في العقوبات تتراوح ما بين 90 و180 يوما.وبعد انتهاء هذه الفترة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، سيتم إلغاء تراخيص تسمح للشركات الأميركية بالتفاوض على صفقات تجارية مع إيران، حسب بيان للخزانة الأميركية.وتقول إيران إنها قد تواجه متاعب خلال شهر أو شهرين من بدء سريان العقوبات الأميركية الجديدة، ولكنها قادرة على التكيف معها في النهاية كما تكيفت معها في السابق.وتركز العقوبات المنتظرة على البنك المركزي الإيراني، وستطال مجالات وقطاعات شتى منها صادرات الطائرات إلى إيران وتجارة المعادن وأي جهود تقوم بها طهران للحصول على دولارات أميركية.

فبعد يومين على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المُبرم بين طهران والدول الست، فرضت واشنطن عقوبات على أفراد وكيانات اتهمتهم بتمويل «الحرس الثوري» الإيراني الذي اعتبر أن الولايات المتحدة وأوروبا «في جبهة واحدة»، ورأى أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لمواجهة الأعداء». واستهدفت العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية 6 أفراد و3 كيانات، اتُهموا بالعمل في إطار «شبكة واسعة لتبادل العملات الأجنبية حوّلت ملايين الدولارات الى فيلق القدس التابع للحرس الثوري». وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين ان «النظام الإيراني ومصرفه المركزي استغلا الوصول إلى كيانات» في دولة شرق أوسطية للحصول على دولارات أميركية من أجل تمويل «النشاطات الخبيثة» لـ»فيلق القدس»، بما في ذلك «تمويل مجموعاته الإقليمية بالوكالة وتسليحها».

وعلى أثر ذلك الانسحاب تتزايد المخاوف في الشارع الإيراني من التبعات الاقتصادية لقرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع مع طهران والدول الكبرى. وتخيم أجواء من التشاؤم على المواطنين الإيرانيين الذين يخشون من زيادة الضغوط الاقتصادية على حياتهم اليومية وعلى كلفة المعيشة.  حيث أكد مختصون بالشأن الإيراني أن “النظام الإيراني سيواجه أزمات سياسية واقتصادية على وقع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، مشيرين إلى أن “الأداء الفاشل للحكومات المتعاقبة في إيران، والإرهاب الإيراني في الداخل والخارج، والسياسات القمعية تجاه الشعوب غير الفارسية، والسرقات، والفساد الاقتصادي والإداري، وتدهور البنية التحتية، وسرقة النفط والمياه كلها عوامل أدت إلى ضرب الاقتصاد ومن ثم الإطاحة بالعملة الإيرانية”. وتوقعوا في تصريحات لـ “الوطن” “زيادة الضغوط الأمريكية على إيران، لذلك سيواجه النظام الإيراني أزمات اقتصادية وسياسية ستؤدي إلى اضطرابات ضد النظام، ولذلك، فإن حكومة الولايات المتحدة سوف تستغل الاضطرابات لمواجهة النظام الإيراني بعد فشل النظام في التعامل مع الاتفاق النووي الذي ابرم مع الدول الكبرى “5 + 1″ في يوليو 2015”. وعمق الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران جراح طهران الاقتصادية، وزاد مخاوف السلطات من اتساع رقعة الاحتجاجات ضدها، لا سيما أن الاحتجاجات الأخيرة استندت بالأساس إلى أسباب اقتصادية. وستزداد الضغوط على الحكومة الإيرانية عندما تخفض العقوبات الأميركية صادرات النفط -التي تمثل محرك الاقتصاد الإيراني- مما يفتح الباب لمزيد من الاضطرابات.

ومُنيت العملة الإيرانية بخسائر تاريخية بعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من الاتفاق النووي حيث انخفض قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار وكذلك الذهب والمسكوكات، حيث بلغ سعر صرف العملة الإيرانية 80 ألف مقابل الدولار الواحد، في رقم قياسي يسجل انهيارًا تاريخيًا، أما سعر المسكوكة الذهبية الإيرانية فبلغ 21 مليونا و300 ألف ريال، أي شهدت زيادة فورية بمقدار 300 ألف ريال. كما ارتفع سعر الذهب إلى مليونين و750 ألفا أي بزيادة قدرها 180 ألف ريال.وكان رئيس البنك المركزي الإيراني، ولي الله سيف، قدم الثلاثاء استقالته، وذلك بعد أيام من تسجيل ثاني انهيار للعملة في غضون أسابيع، حيث بلغ سعر صرف الريال الإيراني 63 ألفًا مقابل الدولار الأمريكي الواحد. وتراجع الريال الإيراني قبيل إعلان واشنطن موقفها من الاتفاق النووي، في حين صرح رئيسُ البنك المركزي الإيراني، أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي لن يكون له تأثيرٌ كبير على الاقتصاد الإيراني، وهو ما لم يحدث تماما بعد الانهيار التاريخي للعملة مقابل الدولار مع انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي. سوف تؤدي إعادة فرض العقوبات على إيران بالتأكيد إلى التأثير على قدرة إيران على عقد صفقات اقتصادية مع الدول الأخرى، مما يؤدي إلى ذهاب وضع البلد الاقتصادي السيئ مسبقا إلى مزيد من السوء. لكنها سوف تؤدي أيضا إلى رفع منسوب التوترات في الشرق الأوسط، وتعميق الصراع بين إسرائيل وإيران، بل وحتى التأثير على الاتفاق المحتمل مع كوريا الشمالية، التي ربما تعتبر الولايات المتحدة شريكاً غير جدير بالثقة وغير قادر على احترام عهوده والوفاء بوعوده.

والسؤال الذي يُطرح في هذا الإطار : ما مصير الاتفاقيات  الاقتصادية التي وقعتها طهران مع شركات ومؤسسات في عواصم الدول الكبرى؟

 بما أن الاتفاق مع إيران تم التوقيع عليه في 2015، فإن العديد من الشركات الكبيرة قد بدأت إنشاء أعمال في إيران، وأي عقوبات جديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ستجعل الأمور أكثر صعوبة.أي عقوبات جديدة ستفرض على حلفائها الاختيار بين التعامل تجاريا مع إيران أو مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد بدأت إيران في إعادة اندماجها مع الاقتصاد العالمي منذ العام الماضي، وطورّت روابط تجارية مفيدة مع شركات كبيرة مقيمة في الدول التي أبرمت الاتفاق النووي مع إيران.وعلى سبيل المثال، وقعت إيران هذا الصيف اتفاقية بقيمة خمسة مليارات دولار مع شركة توتال الفرنسية ومؤسسة النفط الوطنية الصينية الحكومية، لتطوير حقل بارس الجنوبي للغاز الطبيعي. وكان الاتحاد الأوروبي قد بدأ بالفعل يتخذ خطوات لحماية أعماله التجارية من أي رد أميركي، ويبحث المسؤولون الأوروبيون في الإجراءات التي اتخذت في التسعينيات لحماية الشركات والأفراد من العقوبات الأميركية الثانوية.وربما تكون العقوبات الأميركية قد سهلت على الشركات الأوروبية المنافسة في إيران.

وقال روبرت لتواك عضو مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الخبير في الأمن الدولي بمركز وودرو ويلسون -لقناة “سي أن بي سي”- إن سحب الولايات المتحدة الأمريكية موافقتها من الاتفاق النووي لن ينهي بالضرورة الاتفاق، وما سيحدث هو فقط أنها لن تعود شريكا فيه، وإن الأوروبيين لن يعودوا للعقوبات سريعا. وإذا مكّن الانسحاب شركة إيرباص من التغلب على شركة بوينغ الأميركية في المنافسة بإيران، فسيكونون سعداء لذلك. وبالإضافة إلى العقوبات التي ستفرضها واشنطن على مختلف المجالات الحيوية في إيران، ينتظر أن تكون لقرار ترامب تأثيرات جمة: فعلى مستوى إيران ينتظر أن يواجه اقتصادها المنهك أصلا متاعب كبيرة لا أحد يعرف إلى ماذا ستقود.كما ستتضرر الشركات الأوروبية والروسية والصينية وحتى الأميركية التي ستفقد مئات المليارات التي حصلت عليها في مشاريع وصفقات أتاحها الاتفاق النووي.وعلى المستوى السياسي، يتوقع محللون أن يعمق القرار الأميركي من الفجوة بين الأوروبيين وإدارة ترامب، كما سيزيد من احتمالات انفجار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وزيادة وتيرة السباق النووي. ولكنه -في المقابل- سيقوي الأواصر بين إسرائيل ومحور عربي تسير في ركابه السعودية والإمارات والبحرين، وهي الدول التي رحبت  كثيراً لقرار ترامب. والسؤال الذي يُطرح في هذا السياق: كيف سيرد النظام الإيراني على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية؟ 

ووافقت إيران على تقييد برنامجها النووي في مقابل رفع بعض العقوبات عنها، غير أن انسحاب الولايات المتحدة سيؤدي على الأرجح إلى انهيار الاتفاق. وإذا حدث ذلك، فيمكن لإيران أن ترد بالنيل من مصالح واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط.

وفيما يلي بعض التصورات المحتملة:

أولًا- العراق

عندما سيطر تنظيم داعش على مساحات كبيرة من العراق في 2014، سارعت إيران تقديم إلى الوقوف إلى جانب الحكومة العراقية. وساعدت طهران منذ ذلك الحين في تسليح وتدريب آلاف المقاتلين الشيعة في العراق، وباتت قوات الحشد الشعبي تلك قوة ذات ثقل سياسي كبير أيضا. وإذا انهار الاتفاق، فيمكن لإيران تشجيع فصائل الحشد الشعبي التي تريد أن تغادر الولايات المتحدة العراق على تصعيد انتقاداتها وربما شن هجمات عسكرية على القوات الأمريكية. وربما يشمل ذلك هجمات بالصواريخ أو قذائف المورتر أو القنابل المزروعة على الطريق غير مرتبطة بشكل مباشر بفصيل شيعي محدد، وهو ما سيسمح لإيران بإنكار أنها غيرت موقفها القائم على تجنب الصراع المباشر مع القوات الأمريكية في العراق. وما سيزيد من الضغط الايراني على العراق هو امتلاكها تأثيرًا استخباريا ودينيا ولديها تواجد عسكري من المؤيدين لها  ولعقيدة ولاية الفقيه.أما اقتصاديا فقد تضغط إيران على الاقتصاد العراقي للإستفادة من الدولار الأمريكي، حيث سيتم اغراقه بالسلع الإيرانية رخيصة الثمن للحصول على الدولار الأمر الذي يتطلب من البنك المركزي العراقي مراقبة نافذة بيع العملة القيادية. وتحاول إيران الآن التأثير في نتائج الانتخابات النيابية العراقية بما يخدم حلفائها في العراق ويخدمها أيضًا فالعراق سيكون إحدى الأوراق التفاوضية المستقبلية مع الإدارة الأمريكية.

ثانيًا-سورية

تشارك إيران وحلفائها من غير الدول مثل حزب الله اللبناني في الحرب السورية منذ 2012. وسلحت إيران ودربت آلاف المقاتلين الشيعة لدعم الرئيس السوري بشار الأسد..وجعل الوجود الإيراني في سوريا، طهران في صراع مباشر مع إسرائيل للمرة الأولى من خلال سلسلة اشتباكات بارزة وقعت في الأشهر والأيام القليلة الماضية. ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم لن يسمحوا أبدا لإيران أو حزب الله بإقامة وجود عسكري دائم إلى جوارها في سوريا.إذا انهار الاتفاق النووي، فلن تجد إيران حافزا يذكر لمنع حلفائها من الفصائل الشيعية المسلحة في سوريا من شن هجمات على إسرائيل.وقد تثير إيران والقوات التي تسيطر عليها في سوريا متاعب أيضا لنحو 2000 جندي أمريكي منتشرين في شمالي وشرق سوريا لدعم مقاتلين بقيادة الأكراد.

ثالثًا-لبنان

في العام 2006، خاض حزب الله حربا مع إسرائيل في قتال استمر 34 يوما وانتهى إلى طريق مسدود. ويقول مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون إن إيران تساعد حزب الله الآن على بناء مصانع للصواريخ دقيقة التوجيه أو تزويد صواريخ أطول مدى بأنظمة توجيه دقيقة. وهاجمت القوات الإسرائيلية حزب الله مرارا في سورية حيث تقود الجماعة كثيرا من الفصائل الشيعية الإيرانية. واحتدمت لهجة الخطاب بين إسرائيل وإيران في الأسابيع القليلة الماضية. وبرغم أن حزب الله وإسرائيل يقولان إنهما غير مهتمين بالدخول في صراع، إلا أن التوتر يمكن أن يتطور بسهولة إلى حرب لبنانية أخرى.

وقال حزب الله العام الماضي إن أي حرب تشنها إسرائيل على سوريا ولبنان يمكن أن تجر إليها آلاف المقاتلين من دول بينها إيران والعراق، في إشارة إلى أن الفصائل المسلحة الشيعية قد تأتي إلى لبنان لمساعدة حزب الله.وحزب الله قوة سياسية رئيسية في لبنان أيضا، وقد يعزز وضعه في انتخابات مقررة في السادس من مايو أيار. وحاليا، تتعاون الجماعة مع خصومها السياسيين، لا سيما رئيس الوزراء سعد الحريري المدعوم من الحكومات الغربية.لكن إذا انهار الاتفاق النووي، فقد تضغط إيران على حزب الله لعزل خصومه وهو تطور يعتقد خبراء أنه قد يزعزع استقرار لبنان. وقال هلال خشان أستاذ الدراسات السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت “حزب الله يتحكم حرفيا في الحياة السياسية اللبنانية”. وأضاف “إذا فعلوا (حزب الله) ذلك فسيشكل هذا إزعاجا شديدا”.

رابعًا-اليمن

لم تعترف إيران قط بالمشاركة عسكريا بشكل مباشر في الصراع باليمن. لكن مسؤولين أمريكيين وسعوديين يقولون إنها تمد المقاتلين الحوثيين بالصواريخ وأسلحة أخرى. وأطلق الحوثيون صواريخ على الرياض ومنشآت نفطية سعودية، قائلين إنهم يردون على غارات جوية باليمن. وتخوض إيران والسعودية صراعا على النفوذ بالمنطقة. ويقول مؤيديون للاتفاق النووي إنه يحول دون تحول الصراع إلى حرب مفتوحة. وإذا انهار الاتفاق فقد تزيد إيران الدعم للحوثيين، فيما قد يثير ردا عسكريا من السعودية وحلفائها الخليجيين ومنهم الإمارات العربية المتحدة.

خامسًا- الاتفاق النووي

لدى إيران أيضا خيارات متعلقة بالبرنامج النووي. وقال مسؤولون إيرانيون إن أحد الخيارات التي يبحثونها هي الانسحاب التام من معاهدة حظر الانتشار النووي المصممة لوقف انتشار الأسلحة النووية. ويقول الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي إن البلاد ليست مهتمة بتطوير أسلحة نووية. لكن إن انسحبت إيران من المعاهدة فسيدق ذلك نواقيس الخطر عالميا.ويقول علي ألفونه وهو زميل كبير في مجلس الأطلسي “هذا بالطبع سيكون مسارا كارثيا للجمهورية الإسلامية لأنها ستجد نفسها معزولة”.

وحتى إن لم تنسحب إيران من الاتفاقية فقد أشارت إلى أنها ستكثف على الأرجح من أنشطة تخصيب اليورانيوم التي حدها الاتفاق بشدة للمساعدة في تهدئة المخاوف الخاصة باستخدامه لصنع مكونات قنبلة نووية. وبموجب الاتفاق النووي على إيران أن تلتزم بمعدلات تخصيب لليورانيوم في حدود 3.6 بالمئة. وتوقفت إيران عن إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة وتخلت عن أغلب مخزوناتها في إطار الاتفاق الموقع في 2015.

واليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمئة من النقاء الانشطاري يتخطى النسبة المطلوبة في وقود مفاعلات الطاقة النووية للأغراض المدنية وهي خمسة بالمئة لكنه يقل كثيرا عن النقاء المطلوب لقنبلة نووية البالغ نسبته ما يتراوح بين 80 و90 بالمئة.وقال علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية هذا الأسبوع إن إيران أصبحت قادرة على تخصيب اليورانيوم بمعدلات أعلى مما كانت قادرة عليه قبل إبرام الاتفاق النووي.ويقول محللون إن رد فعل إيران سيتأثر بالكيفية التي سترد بها الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق على انسحاب الولايات المتحدة المحتمل منه. وسيعتمد ذلك على مدى إصرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا على أن شركاتهم يمكنها أن تستمر في العمل مع إيران بموجب اتفاق دولي صدق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع ومستوى الدعم الدبلوماسي الذي ستتلقاه إيران من روسيا، شريكتها في سوريا، وسيعتمد أيضا على مدى رغبة الصين في ربط إيران بمبادرة الحزام والطريق للتجارة الخارجية والاستثمار.سيكون الأمر بمثابة اختبار إرادات إذا أعادت إدارة ترامب فرض العقوبات وهددت من يخالفونها بمنعهم من التعامل مع النظام المصرفي الأمريكي. والصين، أكبر مشتر للنفط الإيراني، وحدها من بين الدول الموقعة الأخرى على الاتفاق التي بمقدورها أن تخفف من تأثير إعادة فرض العقوبات على إيران.

انتهت حالة الانتظار  في البيئة العربية والإقليمية والدولية حينما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وربما ستدخل هذه البيئة في تلك الحالة في انتظار الرد الإيراني والأوروبي علىه. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل سيصمد الاتفاق حتى مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه أم أن انسحابها يعد بمثابة شهادة وفاة له؟

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية