هل اقتربت إيران من الحرب الكبرى في سوريا؟

هل اقتربت إيران من الحرب الكبرى في سوريا؟

كانت عمليات تبادل الضربات الصاروخية الأخيرة بين إيران وإسرائيل داخل سوريا؛ مؤشرا مهما للغاية – لكنه ليس السبب الرئيسي – على شبح الصراع المسلح الذي بدا يلوح في الأفق على نطاق واسع بالمنطقة. وفي واقع الأمر، وبصرف النظر عن قرار الولايات المتحدة هذا الأسبوع، والخاص بانسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، فإن التطورات الإقليمية والدولية الأخرى تشير إلى أن الظروف باتت مهيأة لإثارة الحرب ضد إيران. ولابد أن نؤكد هنا، على أن مفهوم الحرب في هذه الحالة لا يقتضي بالضرورة، ضرب طهران بالقنابل والصواريخ، بل أن مجرد إحساس صانع القرار السياسي الإيراني باقتراب الحرب منه، أو من مناطق نفوذه، هو بحد ذاته إشعال لفتيل هذه الحرب، علما أن التطورات الخارجية والداخلية المتعلقة بإيران، توحي بأن هناك شيئا ما سيحدث.

فعلى الصعيد الداخلي الإيراني، أصبح الصراع السياسي على أشده بين مختلف التيارات، فمن جهة، بات الحرس الثوري غير مقتنع بالتصرفات التي تقوم بها حكومة الرئيس روحاني، خاصة الاقتصادية والأمنية منها، وفي السياق نفسه نجد بأن موضوع قداسة سلطة “ولاية الفقيه” أصبحت في حاجة اليوم، لمراجعة مدى شرعية مرشدها الأعلى ـ علي خامنئي ـ الذي يتربع على قمة هرم الدولة، علما أنه  أصبح المحور الرئيس لكل الانتقادات الموجهة للنظام السياسي الإيراني، وتحديدًا فمنذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية بإيران في ديسمبر من العام الماضي، لم يسلم علي خامنئي من سهام النقد الموجهة إليه، سواء من قبل أحمدي نجاد أو من القيادات الإصلاحية، أو التيار الشيرازي، أو حزب نهضة آزادي، أو حركة التحرير وغيرها، والتي تشي جميعها، بأن التصدع العظيم بدأ ينخر جسد هذا النظام.

ومن جهة أخرى، فإن الشعب الإيراني لا يزال هو الآخر، ينتظر الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي تعهدت بها الحكومة الإيرانية، والتي لم ينفذ منها أي شيء حتى الآن، سوى المزيد من جرعات التخدير التي تبتغي امتصاص حالة الغضب الشعبي المتنامية في الشارع الإيراني، وعلى ما يبدو فإن هذا الشارع أضحى يتحين الفرصة المناسبة، للتفاعل مع أي جهد دولي يستهدف إسقاط النظام السياسي. فحالة الأزمة الاقتصادية وصلت اليوم، إلى أدنى مستوياتها، خاصة بعد الهبوط الحاد في قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار الأمريكي، والتي قد تستمر لمدة أطول في ظل العديد من المؤشرات، إذ تزامنت مع تحديات أخرى، من قبيل: تصاعد العقوبات الدولية على إيران، وقيام الحرس الثوري الإيراني بتهريب الكثير من رؤوس أمواله إلى خارج البلاد، والذي كان له الأثر السلبي على قيمة العملة الإيرانية والسيولة النقدية من العملة الصعبة بالبلاد.

وأما الواقع الاجتماعي فهو ليس بأفضل حال من الواقع السياسي، فبعد أزمة الحجاب والتلغرام والتضييق على الحريات، لازالت المظاهرات الاحتجاجية مشتعلة في الأحواز العربية وغيرها من المحافظات النائية، وكلها تؤكد بما لا يقبل الشك، على أن هناك أزمة كبرى قد لا يستطيع النظام الإيراني مواجهتها، وحتى لو نجا منها؛ فإن تناقضاته الداخلية الواضحة تمثل حافزاً للقوى الخارجية على توجيه ضربة عسكرية رادعة لإيران، نتيجة تدخلاتها الخارجية المفرطة.

فقد ذكرت صحيفة “شرق رزنامة” المقربة من التيار الإصلاحي في إيران، بأن هناك ترتيبات سياسية تجري خلف الكواليس، للإعداد المبكر لمرحلة ما بعد خامنئي، ينقض فيها الحرس الثوري الإيراني على السلطة، من أجل الحفاظ عليها، مع اختيار مرشد جديد يأتمر بأوامر قيادة هذا الحرس، علمًا أنه لا يمكن لأي شخصية دينية أن تصبح مرشداً أعلى في إيران، دون أن تمر عبر قناة الحرس الثوري.

وأشارت الصحيفة نفسها إلى أن التيار المحافظ ومعه أركان الدولة العميقة، قد اقتنع بأنه إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه  داخليا وخارجيا، فإن شخصية رئيس الجمهورية القادمة ستكون عسكرية، وهو ما عبر عنه “حسين الله كرم”، الأستاذ في الجامعة الحرة الإسلامية، بأنه ينبغي أن تكون شخصية عسكرية استراتيجية، ووضع العديد من الخيارات ضمن إطار هذه الشخصية، كـ”قاسم سليماني (قائد قوة القدس)، ومحسن رضائي (القائد السابق للحرس الثوري الإيراني ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام)، إلى جانب محمد باقر قاليباف (قائد سابق  لسلاح الجو في الحرس الثوري ً و لمقر خاتم الأنبياء وعمدة طهران حالياً)، هذا إلى جانب شخصيات أخرى قد تكون قريبة من تفكير التيار المحافظ، كحسين دهقاني أو مسعود جزائري وغيرهما، ويبقى قاسم سليماني هو الأقرب والأكثر حظا بين هذه الشخصيات، وذلك بحكم علاقاته داخليا، مع أركان الدولة العميقة، وحتى خارجيا، مع مختلف التيارات السياسية والحركات المسلحة التي تدور في الفلك الإيراني.

أما على المستوى الدولي، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على أنها ستنسحب من سوريا في نهاية المطاف، إلا أن هذا الإعلان لا يمثل إشارة على التراجع الاستراتيجي، بقدر ما هو أسلوب تكتيكي، يهدف إلى النأي بالجنود الأمريكيين عن أي رد محتمل يمكن أن تتخذه إيران؛ إذا واجهت حرباً شاملة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تدفق المقاتلين المنتمين لتنظيم “داعش” على منطقة البادية السورية، يمثل تهديدا كبيراً لخطوط الإمدادات اللوجستيكية لإيران ولميلشياتها في سوريا. فقد نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية قبل بضعة أسابيع، تقريرا استخباراتيا عن تبادل الضربات الصاروخية الإسرائيلية – الإيرانية الأخيرة، أشارت فيه  إلى وجود تنسيق مسبق إسرائيلي- أمريكي؛ لتنفيذ هجمات عسكرية على الميليشيات الإيرانية في سوريا وعلى  حزب الله في لبنان.

ومن وجهة نظرنا، فإنه لا يمكن فصل هذه التطورات عن الجولة السابقة من الهجمات الكيميائية التي قام بها نظام الأسد ضد المتمردين المتبقين بالقرب من العاصمة دمشق، إذ أن الأهم ليس الهجمات نفسها، بل من أصدر الأمر بتنفيذها. وكما يعرف الجميع، فإن روسيا وإيران هما اللذان يتخذان القرارات الأمنية في سوريا، ولطالما نظرت روسيا إلى إيران كحليف مُرهق في سوريا، وذلك لعدة أسباب، منها: أن روسيا تنظر إلى الأزمة في سوريا بشكل مختلف. ورغم ذلك، فإن إيران تدرك جيداً أن روسيا لا تستطيع فعل أي شيء دون مساندتها، إذ أن القوة الإيرانية هي المسيطرة على الأرض، في حين تبقى القوة الروسية مقتصرة على العمليات الجوية. وقد تعلمنا من هذه الاستراتيجية أن اليد العليا تكون دائمًا، للقوى المسيطرة على الأرض, ولا يمكن لروسيا أن تغفل هذه الحقيقة، أما إيران فاغترارها بهذه الميزة؛ جعلها أحيانا تتصرف باللامبالاة، مادام  أولئك المقاتلون في سوريا غير إيرانيين، وإنما مجرد ميليشيات متنوعة:عراقية وأفغانية وباكستانية وجيش النظام السوري، وكلهم تحت إمرة المستشارين من الحرس الثوري الذين ترسلهم إيران، والذين يكتفون بتوجيه الأوامر من أماكنهم بالخطوط الخلفية.

ومن الاحتمالات القوية التي لها ما يبررها، أن تكون إيران هي صاحبة الأمر في تنفيذ الهجوم الكيماوي على مدينة “دوما”، فدوافعها تبدو أكثر من الدوافع التي قد تحث روسيا على القيام بذلك. إذ أن إيران غير راضية على وجود متمردي جيش الإسلام في تلك المنطقة، وتتوجس من علاقاتهم الجيدة إلى حد ما، مع الولايات المتحدة ، فهي تتخوف من أن يؤدي ذلك إلى تفكير الولايات المتحدة في خلق جبهة جديدة بدمشق. كما أن مقاتلي جيش الإسلام سيشكلون عقبة رئيسة أمام استكمال المشروع الإيراني الذي يسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة. فطهران لا تقبل وجود أي من المتمردين المسلحين السُّنَّة بالقرب من دمشق لأسباب عديدة، منها تخوفها من قيامهم   بلعب دور مهم في أي حرب محتملة من إسرائيل ضد إيران وميليشياتها في سوريا، خاصة بعد الأضرار الجمة التي تلقوها من طرف المعسكر الإيراني.

لقد أصبح لزاما على الولايات المتحدة وحلفائها العرب التفكير في توجيه ضربة عقابية ضد إيران ردا على تداعيات وجودها في سوريا، حتى ولو كانت ضربة محدودة ، على أن تتلوها في وقت لاحق، ضربات أكثر قوة حسب الحاجة، بينما تترك لإسرائيل مهمة إثبات هيمنتها العسكرية المطلقة في الجنوب السوري الذي أصبح مسرحاً حيوياً للعمليات. وهناك أيضا حاجة إلى قطع طرق الدعم اللوجستي الإيراني في مناطق جنوب سوريا حتى مدينة القلمون التي تستخدمها إيران كمنفذ لتقديم مساعدات عسكرية لحزب الله. علاوة على ذلك، هناك أيضا دور حيوي يمكن للأكراد أن يقوموا به، حيث ينبغي منحهم مساحة للمناورة في المناطق القريبة من مدينتي دير الزور والرقة، خاصة بعد انسحاب قوات الحرس الثوري الإيراني من تلك المناطق في نيسان/ أبريل 2018 عقب مفاوضات سرية مع الروس. كما يجب على الولايات المتحدة أيضاً، ممارسة المزيد من الضغط على الحكومة العراقية لإقناعها بقبول تلك العمليات العسكرية، أو على الأقل العمل على منع الميليشيات الإيرانية من العبور إلى سوريا.

بالمجمل يمكن القول بأن كل الظروف أصبحت اليوم، مهيأة للإجهاز على المشروع الإيراني في سوريا. ويمكن القول أيضًا، أن الإصرار الإيراني على التمسك بالاتفاق النووي، هو القشة الأخيرة التي قد تنقذها من الدمار الكبير. وعمومًا، أصبح الوضع الدولي والإقليمي اليوم، مهيأً للحرب ضد جحافل إيران في المشرق، خاصة بعد التوافق الأمريكي الفرنسي البريطاني في مختلف القضايا الدولية، والشهية الإسرائيلية المتصاعدة للحرب ضد إيران، والسياسات الخارجية والأمنية النشطة للمملكة العربية السعودية التي أضحت أكثر حماسة لمواجهة إيران في سوريا، بل إن هذه المواجهة صارت بمثابة عقيدة عسكرية ثابتة في نظر السعودية، خاصة مع استفادتها من الدعم الأمريكي المتزايد.

فراس إلياس

معهد واشنطن