إيران ستُجنّب «حزب الله» من نزاعها مع إسرائيل، في الوقت الراهن

إيران ستُجنّب «حزب الله» من نزاعها مع إسرائيل، في الوقت الراهن

وفقاً لتقارير وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، خلصت بعض تقييمات بعض المسؤولين والعسكريين الإسرائيليين إلى أن «حزب الله» يحاول التحرر من سمعته كـ “دمية إيرانية”. لكن هذه الادعاءات لا تشير بالضرورة إلى أن هذه الجماعة الإرهابية تسعى إلى الاستقلال فعلياً عن طهران: بل على العكس من ذلك، فقد أصبحت علاقتهما في السنوات القليلة الماضية أقرب من أي وقت مضى. وبدلاً من ذلك، تشير التقارير إلى أن الشريكيْن يحاولان عزل «حزب الله» عن النزاع الإقليمي الذي يلوح في الأفق بين إيران وإسرائيل.

دور أكبر، اعتماد أكبر

منذ تدخل «حزب الله» للمرة الأولى في الحرب السورية، تم تغيير هويته. فقد تغيّرت قوته القتالية، وعلاقته مع الميليشيات الشيعية الأخرى، والديناميكيات ضمن قاعدة دعمه. بالإضافة إن ذلك، تولّى الحزب مسؤوليات إضافية مثل تجنيد وتدريب وقيادة مجموعات أخرى من المقاتلين في سوريا والعراق واليمن. وفي جوهره، تطور الحزب ليصبح الذراع الحيوي لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و«فيلق القدس» التابع له، ليوفّر بذلك النسيج الضام لشبكةً متناميةً من الميليشيات الشيعية.

وقد أثبتت التحديات المرافقة صعوبتها بالنسبة إلى شاغلي المناصب العليا في «حزب الله»، حيث من المتوقع أن يتولى هؤلاء تدريب وقيادة قوة قتالية لديها مهام وأهداف جديدة. وفي ظل تطوّر دورها في المنطقة، أصبحت تتطلب تنسيق أوثق وبوتيرة أكبر مع قادة «الحرس الثوري الإسلامي».

من مغنية إلى سليماني

عندما اغتيل القائد العسكري السابق لـ«حزب الله» عماد مغنية في دمشق عام 2008، خلفه شقيق زوجته مصطفى بدر الدين. لكن حين قُتل بدر الدين في عام 2016، لم يتمّ تعيين أي شخص آخر لشغل منصبه بشكل رسمي. وبدلاً من ذلك، أصبح قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني القائد العسكري المفترض لـ«حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى التي تقاتل تحت إمرته.

وكانت علاقة «الحرس الثوري الإسلامي» مع مغنية مميزة للغاية. فقد عرفوه منذ أن كان مراهقاً ويكنون له احتراماً كبيراً. وقد خطط شخصياً ونفذ التفجيرات التي استهدفت السفارة الأمريكية ومقر القوات البحرية الأمريكية وغيرها من الأهداف في بيروت عام 1983، مما جعله رمزاً في الصراع ضد الغرب وإسرائيل. ودائماً ما أخذ صناع القرار الإيرانيون آرائه في عين الاعتبار عند صياغة أي سياسة خاصة بالمنطقة. واليوم، يتمتع الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وحده بهذا الامتياز – ولا يستطيع أي من القادة العسكريين في الجماعة أن يدّعي بأنه يحظى بهذا الشرف.

ويُعزى هذا الوضع على الأرجح إلى واقع أن «حزب الله» فشل في إيجاد قائد يمكنه مضاهاة مهارات مغنية. فحتى بدر الدين لم يتمكن من ملء الفراغ الذي تركه مغنية. وفي الواقع، أفادت بعض التقارير أن مواجهاته العديدة مع سليماني بشأن مهمة «حزب الله» في سوريا أدّت إلى حدوث توتر خطير بين الاثنين استمر حتى اغتياله.

وبعد ذلك، قرّر سليماني على ما يبدو اعتماد مقاربة عملية مباشرة على نحو أكبر إزاء العمليات العسكرية لـ «حزب الله». وفي حين أصبح القادة المتمرسون مثل ابراهيم عقيل وفؤاد شكر وطلال حمية صلة الوصل بين سليماني والأجنحة العسكرية في «حزب الله»، إلا أنهم لا يتمتعون بالثقة والقدرات الاستشارية التي كان يتمتع بها مغنية. وعلاوةً على ذلك، لا يزال أحدث القادة في الجماعة يفتقرون إلى الخبرة العميقة والقدرات العملياتية.

الالتزام بالولاء لخامنئي

قبل سنوات قليلة من بدء الحرب السورية بدأ يظهر الانتقال إلى إدارة إيرانية مباشرة بشكل أكبر. وقد جاء أحد المؤشرات على ذلك من الجهود الأخيرة لفرض عقوبات على إيران، التي كشفت أن تمويل البلاد لـ «حزب الله» قد ازداد خلال السنوات الست الماضية. وفي الشهر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية قيوداً ماليةً على محافظ البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف بتهمة مساعدة «الحرس الثوري» الإيراني على تحويل مئات الملايين من الدولارات سراً إلى «حزب الله». ويُقال إنه استخدم “مصرف البلاد الإسلامي” في العراق للقيام بهذه التحويلات، مما دفع بوزارة الخزانة إلى استهداف المؤسسة وأكبر مسؤولَيْن تنفيذيَيْن فيها، إلى جانب مسؤول ارتباط بين «الحرس الثوري» و«حزب الله».

وكان للاستثمارات المتزايدة آثار واضحة في لبنان، حيث فاز «حزب الله» وحلفاؤه السياسيون في الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً. ومن خلال التدخل في سوريا وأجزاء أخرى من المنطقة، كان «حزب الله» يردّ الجميل إلى إيران لقاء خدماتها السابقة، لكنه في خضم ذلك ربط نفسه بشكل أوثق بـ «الحرس الثوري الإسلامي».

فعلى سبيل المثال، نقل الموقع الإيراني المحافظ “فردا نيوز” في آذار/مارس الماضي عن نصرالله قوله إن حزبه تعهد بالولاء الكامل لآية الله علي خامنئي، وأن التزامه بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية يفوق التزامه بالدستور اللبناني. وحتى أن بعض التقارير قد أفادت أن نصرالله ذكر أنه عندما تُناقِش اللجنة المركزية في «حزب الله» قضية ما، فإنها تمتنع عن اتخاذ أي إجراء إذا اعتقدت أن خامنئي لن يرضى عنه. وفي حين ينفي «حزب الله» هذه التقارير، إلّا أنه سُمعت تصريحات مماثلة في مقابلات مع نائب نصرالله، نعيم قاسم، والقائد السابق لـ «الحرس الثوري» يحيى رحيم صفوي.

حدود الحرب بالوكالة في سوريا

في سوريا، أرادت إيران أموراً مختلفة من «حزب الله» في أوقات مختلفة. وتدعو عقيدة طهران القائمة على الحرب بالوكالة إلى نشر ميليشيات أجنبية تحت قيادة «فيلق القدس» – بدعم من عناصر متخصصة من القوات المسلحة الإيرانية – للتنافس عسكريا ضد الأعداء، ولكن دون التسبب باندلاع حروب شاملة تتطلب تدخله العسكري الكامل. وقد أظهر النصر المحقق في عام 2016 على جماعات المعارضة في حلب قوة هذه العقيدة في بعض الحالات.

ومنذ ذلك الحين، يبدو أنه حدث تغيّر في استراتيجية إيران في سوريا. فمع هزيمة المعارضة تقريباً، أصبحت مهمة «فيلق القدس» تتمثل بإقامة قواعد دائمة في جميع أنحاء سوريا. وقد استأجرت إيران مساحةً لها في أكثر من 20 منشأة عسكرية سورية لتخزين مدافع «الحرس الثوري» وأسلحته المدرعة وطائراته بدون طيار وصواريخه البالستية وإيواء الميليشيات الأجنبية الوكيلة. كما نشرت طهران وحدات من القوات الخاصة في سوريا، لكل منها مستودعاتها الخاصة للأسلحة، ومدارجها ومنصاتها لإطلاق صواريخ. ومن ناحية أخرى، أقام «فيلق القدس» ممراً برياً لربط قواعد إمداداته في إيران بقواته في سوريا.

ومع ذلك، فإن الجهود الواضحة التي تبذلها طهران لترسيخ موطئ قدمها في سوريا على المدى الطويل أدت إلى مواجهات مباشرة مع إسرائيل، ومن شأن أي مواجهة أوسع نطاقاً أن ترغم «الحرس الثوري» على تخطي مقاربة الوكالة التي يعتمدها «فيلق القدس». فالصراع الإيراني-الإسرائيلي على الأرض السورية قد يتفاقم بسرعة ليتحول إلى حرب مفتوحة، حيث قد تضرب القوات الإسرائيلية أهدافاً داخل إيران والعكس بالعكس. ورغم أن «حزب الله» سيؤدي دوراً مهماً في مثل هذه الحرب، إلّا أن مشاركته ستكتسي أهميةً ثانويةً.

وفي مطلع أيار/مايو، أطلقت القوات الصاروخية التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» في سوريا نحو 20 صاروخاً باتجاه مواقع إسرائيلية في هضبة الجولان، في ردّ محدود على هجمات إسرائيل السابقة على المنشآت الإيرانية في سوريا. وبدا أن إطلاق الصواريخ كان يهدف، على الأقل جزئياً، إلى اختبار رد إسرائيل، الذي اتضح في النهاية أنه كان واسع النطاق وغير متكافئ، مما أدى إلى ضرب جميع منشآت «فيلق القدس» في سوريا تقريباً. ومن شأن إدخال «حزب الله» في مواجهة بين القوات النظامية الإيرانية والإسرائيلية أن يزيد بلا شك من فرص نشوب تصعيد خطير – علماً أن طهران غير مستعدةً حالياً لمثل هذا الصراع.

«حزب الله» كالسبيل الأخير

في الوقت الذي أصبحت فيه سوريا المسرح الرئيسي المحتمل للمواجهات بين إيران وإسرائيل، يبدو أن طهران توكل «حزب الله» بمهمة بسط سيطرة شبه كاملة على لبنان، وهو قاعدة أمامية حيوية بالنسبة للجمهورية الإسلامية. فقد جمع «حزب الله» أكثر من100,000  صاروخ وقذيفة على مر السنين، وهو يعلم كيف يستخدمها. كما أنه قادر على إطلاق 1200 صاروخ في اليوم ويمكنه استهداف جميع المراكز السكانية الرئيسية والمواقع الاستراتيجية الكبيرة في إسرائيل بدقة تقريباً.

ومن هذا المنطلق، يُعتبر «حزب الله» الأداة الأجنبية الأقوى بيد إيران في مواجهة إسرائيل – ولكنه أيضاً ملاذها الأخير. فلا يمكن التضحية بسيطرة الحزب على لبنان في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل في هذه المرحلة. وعلى الرغم من إمكانية استمرار العمليات السرية في الخارج، فمن المحتمل أن تمنع إيران «حزب الله» من الانتقام عسكرياً من سوريا أو لبنان. ومن المستبعد أن يتمّ استخدام الحزب بشكل مباشر إلى أن تشعر إيران بأنها بحاجة إلى بعث رسالة قوية إلى إسرائيل أو شن حرب شاملة.

وقد يتطلب ردع «حزب الله» من الانخراط على المدى الأطول أنواعاً مختلفة من الضغط. فالحزب يستمد قوته من وضعه الاجتماعي- السياسي في لبنان وعلاقته العسكرية الداخلية مع «الحرس الثوري». ويصعب خرق هذه العلاقة الأخيرة، لكن ذلك يعتمد جزئياً على الجسر البري الإيراني عبر العراق وسوريا ولبنان. إن قطع هذا الطريق سيجعل «حزب الله» أكثر عرضة للهجوم عسكرياً، ويجعل إيران أكثر حذراً بشأن إشراك الحزب في مغامرتها الخارجية القادمة. أما بالنسبة إلى الوضع الداخلي لـ «حزب الله»، فيبدو أنه أقوى من أي وقت مضى بعد الانتخابات الأخيرة، لكنه لا يزال عرضة للتحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي يمكن استغلالها من خلال ممارسة ضغوط خارجية.