إذا كان الغرب يهدد روسيا بالسلاح النووي فبوتين لديه كأس العالم

إذا كان الغرب يهدد روسيا بالسلاح النووي فبوتين لديه كأس العالم

لندن – لا شك أن كأس العالم التي تستضيفها روسيا من 14 يونيو إلى 15 يوليو فرصة لروسيا من أجل استعراض حداثتها، وتمثّل أيضا فرصة ثمينة لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل استعراض أهمية بلاده على الساحة العالمية من الزاوية الرياضية كما هو الحال على الصعيد السياسي، الأمر الذي يشبهه متابعون ببطولة الألعاب الأولمبية عام 1936 حيث استغل هتلر المناسبة الرياضية للترويج والدعاية لنظامه الدكتاتوري. ورغم المخاوف من ممارسات عنصرية في المونديال من قبل الجانب الروسي أمام تقصير واضح من الفيفا، تقبل الجماهير على اللعبة المفضلة لديهم وتغض النظر عن الخلافات السياسية.

وعادة ما تخلو بطولة كأس العالم، أهم وأبرز بطولات كرة القدم حول العالم، من الاعتبارات السياسية بشكل كبير، حيث تتنحى الجوانب السياسية جانبا وتفرض كرة القدم نفسها على المشهد، لكن الوضع ربما يختلف في أول نسخة من البطولة تحتضنها روسيا، ثم تتسلمها قطر في الدورة التي تليها عام 2022.

الفيفا اضطرت إلى وضع معايير عالية خاصة بعد فضيحة سيب بلاتر الذي أقيل من منصبه على خلفية “ممارسات مشينة”

ورغم ما يحمله احتضان موسكو ثم الدوحة لفعاليات البطولة الأبرز من أسئلة حول مصداقية الفيفا في قرار اختيار العاصمة المستضيفة لكأس العالم، إلا أنّ مشجعي كرة القدم لا يكترثون إلا لأمر واحد فقط، وهو التركيز على منتخباتهم المشاركة بالمسابقة ولاعبيهم المفضلين، ولا شيء يمكن أن يحوّل أنظارهم بعيدا عن الملاعب.

وتعرّض رئيس الفيفا السابق السويسري جوزيف بلاتر، عند إعلانه أن اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم اختارت روسيا لاستضافة نهائيات كأس العالم 2018 وقطر لمونديال 2022، لانتقادات لاذعة حيث شكك الكثيرون في نزاهة قرارات الفيفا واعتبروا أن قادتها في زيوريخ ليسو بمنأى عن شبهات فساد بل تخطوا الحدود بقراراتهم تلك.

لكنّ عشاق كرة القدم لن يتخلوا عنها بل ما زالوا متشبثين بالتمتع بهذه اللعبة الأكثر شعبية مهما كان اسم البلد المستضيف كما قال الكاتب البريطاني نيك كوهين في صحيفة الغارديان.

ويضيف “اقرأ الصحف الرياضية أو أترك الأمر لضميرك، وستكتشف في كل الأحوال أن العالم لا يكترث لقرارات الفيفا، ولكن سيقف ويؤدي لها التحية أيضاً”. وتابع كوهين ساخرا “أنا لا أدعي الفضيلة، وسوف أنتهي من كتابة هذا المقال ثم أذهب لأتفحص تقارير حول كيف سيصل ماركوس راشفورد (لاعب منتخب إنكلترا) إلى قمة مجده تماما”.

ممارسات عنصرية
رغم أنّ النظام الروسي متهم بنهب اقتصاده الوطني، وبإسقاط الطائرات المدنية، وقتله للصحافيين، فيما يشكل قرار الفيفا المتمثل في تنظيم كأس عالم في دولة (روسيا) غزت واحتلت دولة أخرى، حججا قوية لمقاطعة هذا العرض الساخر. لكن قوة هذه الحجج لا تمثّل شيئا بجانب هوس المعجبين ومشجعي كرة القدم وقوة تشجيعهم لفرقهم المفضلة في المسابقة وإن استضافها الرئيس فلاديمير بوتين. ولا يعني ذلك أن السياسة والرياضة لا يمكن أن يتداخلا. فالرئيس الروسي يريد أن يعزز كأس العالم من هيبته السياسية، كما تحاول قطر أن توهم باقي دول الخليج، التي قررت مقاطعتها بعد أن ثبت تورطها في دعم الإرهاب أنها تفوّقت عليها عندما ظفرت بشرف تنظيم البطولة العالمية.

وقد أعاد تنظيم كأس العالم بروسيا إلى ذاكرة الغرب التشابه بين حكم بوتين لروسيا وهتلر لألمانيا عندما منحت اللجنة الأولمبية الدولية عام 1934 شرف تنظيم الأولمبياد الصيفية للعاصمة الألمانية برلين محاباة لهتلر، فيما تحظى موسكو اليوم بشرف تنظيم كأس العالم.

وفي ذلك الوقت تردد أن بوتين، رئيس الوزراء حينذاك، قد سافر إلى مدينة زيوريخ السويسرية في عام 2010 للترويج لملف روسيا لطلب استضافة مونديال 2018، قبل عملية التصويت المزدوجة المثيرة للجدل والتي شهدت منح روسيا وقطر حق استضافة بطولتي 2018 و2022 على الترتيب. وكانت عملية التصويت محورا واحدا من عدة تحقيقات في ادعاءات فساد بالاتحاد الدولي لكرة القدم.

ويعتقد المراقبون أن الممارسات العنصرية لن تغيب عن البطولة العالمية، وإذا كانت الجماهير تتساءل كيف كانت ستتفاعل مع أولمبياد هتلر في عام 1936، فيجب أن تبحث عن كيفية التفاعل مع كأس عالم بوتين 2018، إذ باختيار روسيا كدولة مضيفة، وضعت الفيفا سياسة العنصرية بشكل مباشر أمام أعين المشجعين، ومن الصعب الإفلات منها.

وأشار داني روز، مدافع منتخب إنكلترا لكرة القدم، أن عائلته لن تذهب لنهائيات كأس العالم بسبب مخاوف من تعرضها لإساءات عنصرية. ولم يكن قرار عائلة روز احتجاجا على تدخّل روسيا في أوكرانيا عام 2014، لكن هناك قلق حقيقي من ممارسات عنصرية. سواء بالنسبة للاعبين أو المشجعين. وقال روز “عندما استعد للمباراة، أفكر فقط في سلامة عائلتي”.

وانتقد روز الغرامة التي فرضتها فيفا على اتحاد الكرة الروسي، قائلا إنه لم تكن قريبة من المستوى الكافي لتكون رادعة. وعندما وجّه المشجعون الروس هتافات عنصرية ضد اللاعب بول بوغبا، تم تغريم الاتحاد الروسي لكرة القدم بمبلغ قدره 22 ألف جنيه إسترليني، وهو مبلغ زهيد لا تجرؤ أي من الدول المضيفة الطامحة لاستضافة بطولة كأس العالم على أرضها على عرضه كرشوة زهيدة على أحد ممثلي الفيفا.

ويظهر تقرير نشره باحثون في مؤسسة “89 أب” الاستشارية لحقوق الإنسان أن الفيفا لن تكشف عما إذا كانت سعت إلى إبرام التزام فعلي بحقوق الإنسان من موسكو عندما تفاوضت مع مسؤولي بوتين.

تواطؤ الفيفا

اضطرت الفيفا إلى وضع معايير عالية خاصة بعد فضيحة سيب بلاتر، الذي أقيل من منصبه على خلفية “ممارسات مشينة”، لذلك حاولت الفيفا إنقاذ بقايا سمعتها من خلال مزاعمها الالتزام “بالمسؤولية الاجتماعية وحقوق الإنسان وحماية البيئة والمساواة بين الجنسين”. حتى رئيس الفيفا، جياني إنفانتينو، بدأ يشعر أن لديه مسؤولية محددة للترويج لحقوق الإنسان.

لكن التقرير أظهر أن الفيفا لا تقوم بأي شيء من هذا القبيل. وقد زعمت محكمة سويسرية في عام 2017 بأن اتحادات التجارة الهولندية والبنغلاديشية لا يمكنها أن تطلب منها إجبار منظمي كأس العالم في قطر على حماية العمال المهاجرين الذين يموتون في مواقع تشييد الملاعب الجديدة.

وتمثّل الدوحة مصدر قلق بالنسبة للفيفا أمام شبهات الفساد والإرهاب. وقد تستنتج من خلال قراءة قواعد الفيفا الأخلاقية أن عليها مسؤولية خاصة لحماية السلامة والأمن ليس فقط للعمال، ولكن للاعبين والصحافيين والمشجعين الذين يحضرون مباريات كأس العالم.

ومن شأن ذلك أن يخوّل للفيفا التدخل في شؤون قطر الداخلية، لكن السؤال هنا: كيف يمكن أن تتدخل في ظل وجود شراكة عمل فقط بينهما؟ ومن هنا تقدم الفيفا ذلك العذر القديم قائلة “لا يمكنك الخلط بين الرياضة والسياسة”.

وتُظهر مطالب الفيفا تجاه الدول أن خطط دفاعها مخادعة بشكل مُهين ومحل شكوك. وإذا تم اعتبار أن الفيفا ما هي إلا مجرد شركة أعمال، فهي تبدو بذلك شركة عالمية تطالب بالحصول على خدمات من الحكومات الوطنية أو من المافيا التي توفر عنصر الحماية.

لذلك يجب على الدول المضيفة حماية ملكيتها الفكرية وإنشاء مناطق استبعاد حول الملاعب تسمح بالوصول غير المقيد إلى مندوبي الفيفا والشركاء التجاريين. وبعبارة أخرى، يجب على الدول تغيير قوانينها المدنية والجنائية لتتناسب ومدة البطولة.

وأعتبر ساشي ناثان، الباحث القانوني الذي أعد التقرير، أن “أصعب الأسئلة ستأتي من الفرق الأوروبية.. حيث يميل العنصريون من الروس إلى التخلّي عن الفرق الأفريقية السوداء. فمشهد للاعبين السود والبيض على نفس الجانب يثير حفيظتهم ويثيرهم لعزل وترهيب أهدافهم”.

وكانت مقابلة نيك كوهين الصحافي البريطاني مع روز مؤثرة وحزينة. وتحدث عن مقتل والده قائلا “استطعت سماع آخر كلماته وهو يقول لي ربما لن أحصل على فرصة أخرى لمشاهدتك وأنت تلعب في كأس العالم. روسيا بطريقة ما ستستضيف مباريات كأس العالم وعلينا أن نتعامل مع ذلك بشكل جيّد. ومهما نفعل لن نغيّر ما يحدث حولنا في جميع أنحاء العالم”.

ويبدو المشجعون من مختلف الدول على وعي بإساءة المعاملة من قبل الروس. وعلى الرغم من هوسهم بكرة القدم وبمباريات البطولة العالمية لن يستطيع هؤلاء التغاضي عن السلوك الروسي. كما لن يكون بمقدورهم الهروب من عالم السياسة وتداعياتها على لعبتهم المفضلة.

العرب