غزة هنا -ولن تذهب إلى أي مكان

غزة هنا -ولن تذهب إلى أي مكان

ولِدتُ وترعرعرت في عسقلان؛ وأنا أقيم الآن بجوار سديروت. وما أزال أتذكر غزة القريبة، على بعد ذراع فحسب. وبغض النظر عن كم القوة العسكرية التي تستخدمها إسرائيل، فإن غزة لن تذهب إلى أي مكان. وفيما يلي خمسة أشياء يمكنك أن تراها على بعد خمسة كيلومترات من حدود غزة، والتي يستحيل أن تراها من القدس أو تل أبيب:
إننا نخسر
ما من شك في أن الغزيين يخسرون، لكن ما لا يراه قادتنا هو أننا نخسر نحن أيضاً. إننا نخسر جيلاً كاملاً كبُر تحت نيران الصواريخ المستمرة والصدمات التي تأتي معها. ونحن نخسر ازدهاراً هائلاً ممكناً يمكن أن تقدمه منطقة غرب النقب. ونحن نخسر الكثير من الطاقة. ونحن نؤمن بوهم أن الاستثمار المالي الكبير (الموجود، بفضل الحكومة الإسرائيلية) يمكن أن يغطي هذه الخسائر. لكنه لا يفعل. ويحتاج المرء إلى أن يعيش هناك ليفهم ذلك. إن أهل غزة يخسرون أكثر بكثير، لكننا نخسر نحن أيضاً.
غزة هنا
عندما تحترق الإطارات في غزة، تختنق البلدات الإسرائيلية بالدخان. وتتدفق المياه العادمة من غزة إلى الجداول المجاورة وتلوث البيئة. كما تصل هذه المياه أيضاً إلى شواطئ عسقلان وزيكيم، وتجبرها في بعض الأحيان على الإغلاق. ويخشى خبراء الصحة من إمكانية اندلاع الأوبئة الإقليمية بسبب الأزمة الإنسانية في غزة.
إن حماس هي منظمة متشددة تسيء معاملة شعبها نفسه، لكن الذي جلب الآلاف من الناس للاحجاج عند سياج الفصل بين إسرائيل وغزة، على الرغم من الخطر القاتل الحقيقي، كان اليأس. وهذا اليأس لن ينتهي. في البداية أطلقنا النكات عن “الأنابيب الطائرة”، لكننا اضطررنا بعد ذلك إلى التعامل مع الصواريخ من كل نوع. وقد تعاملنا مع الأنفاق ومع محاولات الوصول إلى إسرائيل عبرها. وسوف نتمكن -كما يبدو- من التعامل مع الطائرات الورقية المحملة بالمولوتوف. ولكن، حتى لو أغلقنا أعيننا، فإن غزة لن تختفي.
الحل موجود على الطاولة
وكان دائماً موجوداً هناك. سبعة عشر عاماً من الحرب -منذ ضرب أول صاروخ “قسام” سديروت- يمكن أن تنتهي فقط بحل سلمي. سموه “هدنة” إذا أردتم؛ وقفاً لإطلاق النار، أو اتفاق سلام. ويجب أن تساعد إسرائيل على إعادة بناء البنية التحتية في غزة، وأن توفر تأشيرات العمل للغزيين، وتسمح بقدر أكبر من حرية التجارة، وتساعد على تطوير ميناء عامل في القطاع. ويجب أن تلتزم حماس بوقف نيرانها لسنوات مقبلة. وفي حين أنها لن توافق على نزع سلاحها، فإنها ربما توافق على إزالة بعض مواقعها العسكرية أو تخفيض ترسانتها. ويجب أن يكون هناك أيضاً تبادل للسجناء وإعادة لجثامين الجنود الإسرائيليين. هذا هو ما اقترحته حماس -بشكل أو بآخر- في الآونة الأخيرة. ويجب تحويل إبداعنا في صنع الحرب إلى إبداع سياسي وتعاون مع مصر، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وحتى تركيا، من أجل التوصل إلى اتفاق.
القوة العسكرية
هي أضعف سلاح في ترسانتنا
ما من شك هنا في من هو الأقوى. فقدرات إسرائيل العسكرية تتفوق بكثير على قدرات حماس. ولا تستطيع حماس أن تهزم الجيش الإسرائيلي، أو حتى أن تمنعه من إعادة احتلال قطاع غزة (بثمن باهظ) إذا كان هذا ما تقرر إسرائيل فعله. ومع ذلك، فإن القوة العسكرية تظل محدودة. إنها لا تحل مشكلات النقص في الكهرباء والمياه والبطالة. وهي لا تستطيع أن تتغلب على اليأس أو أن تهزم الرغبة في الحرية. والغطرسة التي تأتي مع القوة العسكرية تضع الإسرائيليين في أوضاع تكون فيها القوة هي خيارهم الوحيد. والعنف لا يولد سوى المزيد من العنف. وقد أثبتت سبع عشرة سنة من الحروب أن هذا لا يعمل. ولكن، ما الذي يمكن أن يعمل؟ المناورة الدبلوماسية، وتجديد الاتصال مع السلطة الفلسطينية. الاستثمار الاقتصادي. وهناك الآلاف من الطرق الأخرى -وقد حان الوقت لاستخدامها.
إننا نتقاسم هذا المكان
عندما يقف المرء على تلة كوبي، عند الحافة الغربية من سديروت وعلى بعد ثلاثة كيلومترات فقط من غزة، فإنه يستطيع أن يرى الأشياء هناك بوضوح. إن غزة هنا. وأنا لا أتحدث عن المنطقة العسكرية الفاصلة. إن منازل الناس موجودة حقاً على بعد مسافة قصيرة فحسب. وكشخص ولد في العام 1967 وترعرع في عسقلان، فإن ذكرياتي عن غزة ما تزال حية، من الطفولة وحتى الانتفاضة الأولى، ثم غوش قطيف قبل اتفاقات أوسلو. كان آلاف الغزيين يأتون للعمل في مدن إسرائيل الجنوبية كل صباح، وكان آلاف الإسرائيليين يأتون إلى الأسواق والمقاهي والشاطئ في غزة.
من المؤكد أنه كانت هناك علاقات قوة -أنا لا أتجاهل ذلك. وإنما كان هناك نوع من الاعتمادية المتبادلة. وإلى هذا اليوم، لدى الكثير من الإسرائيليين وسكان سديروت علاقات شخصية قوية وعميقة في غزة. وحتى وقت قريب هو العام 2006، كان ما يزال بوسع الغزيين أن يأتوا ويعملوا في المنطقة. ويمكن أن تتحول هذه الذاكرة الحية إلى رؤية للسلام، والتي تتعزز بعلاقات ذات معنى.