عراقيات في الموصل يؤجلن فرحة العيد انتظارا لعودة ذويهم المفقودين

عراقيات في الموصل يؤجلن فرحة العيد انتظارا لعودة ذويهم المفقودين

الموصل (العراق) – العيد عند العرب مناسبة للم شمل العائلة والأهل والأقارب والجيران حيث يلتقون على البهجة والمحبة وروح التسامح التي يجددونها في كل الأعياد، لكن ماذا يفعل من فقدوا أعزاء عليهم ولم يعرفوا مصيرهم؟ سيمضون أيام العيد تحسرا عليهم وشوقا إليهم، ليصبح العيد مناسبة حزن عندهم لأنهم يتذكرون فيه الأعزاء على قلوبهم.

في الوقت الذي تستعد فيه أغلب العائلات الموصلية للاحتفال بعيد الفطر بعد أن انزاح عنها الدواعش الذين نغصوا عليها أجواء رمضان وبهجة العيد، يزداد حنين بعض الأمهات لأولادهن أو أزواجهن المفقودين دون أن يعرفن مصيرهم، آملات في أن يرجعوا ذات يوم ويدقون عليهن باب المنزل.

وقبل أسبوع من يوم عيد الفطر، تحولت ساحة المنصة الواقعة في مدينة الموصل شمال العراق منذ استعادة المدينة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية قبل نحو عام، إلى موقع لتجمع سيدات يبحثن عن مصير مفقودين من عائلاتهن.

نساء يرتدين ملابس سوداء ويرافقهن أطفالهن وبعض الرجال ويحملن صور مفقودين، في مشهد يذكر بـ”أمهات ميدان مايو” اللواتي فقدن أطفالهن في عهد الدكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976- 1983).

حاولن الاقتراب من رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي عند زيارته الموصل في مارس، لكن عناصر حمايته حالوا دون ذلك ليزداد شعورهن بالأهمال والضياع كما ضاع فلذات أكبادهن وأزواجهن دون أن يسأل عنهم مسؤول ولا دائرة حكومية. لكل واحدة منهن مأساة، بينهن شيماء محمد التي تعيش مع أبنائها الستة على أمل العثور على زوجها علي أحمد الذي خطفه تنظيم الدولة الإسلامية بعد اقتحام منزلها في 25 نوفمبر 2016، وعثرت عليه قوات الأمن داخل سجن خلال معارك تحرير المدينة.

أحمد الذي كان شرطيا وأصبح اليوم في الأربعينات من العمر، لا يختلف حاله عن الآلاف من العراقيين خصوصا ممن كانوا عناصر في قوات الأمن اعتقلوا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل التي أعلنها الدواعش عاصمة ما يسمى “بدولة الخلافة” على مدى ثلاث سنوات.

ومع قرب أجواء العيد تزداد العائلات حرقة على ذويها الذين لم تعرف مصيرهم إلى اليوم، فالدواعش غادروا لكن زوج شيماء لم يعد بعد.

تقول شيماء (38 عاما) التي ترتدي حجابا أسود ورداء طويلا من ذات اللون وهي متجهة إلى ساحة المنصة، لقد “اعتقل زوجي (…) واحتجز مع آخرين واستخدموا كدروع بشرية خلال المعارك في غرب الموصل”.

وتضيف فيما اغرورقت عيناها بالدموع بقناعة كاملة ان “قوات الأمن اعتقلته لأنه لم يكن يحمل أي وثائق وكانت لحيته طويلة بسبب اعتقاله لفترة طويلة لدى داعش”.

لم يصل شيماء أي تبليغ رسمي حول مصير زوجها، لكنها أكدت أنها “حصلت على معلومات تشير إلى أنه معتقل في مطار المثنى” في بغداد حيث يعتقل عدد كبير من المشتبه بتورطهم بـ”الإرهاب”.

وأكدت مصادر أمنية عدم صحة هذه المعلومات وبأنهم أبلغوا جميع عائلات معتقلي الموصل. ويجتمع أهالي المفقودين يوم الجمعة من كل أسبوع في ساحة المنصة مطالبين الحكومة بمعرفة مصير ذويهم، ولم يفقدوا الأمل رغم التصريحات الرسمية بأن لا دليل يثبت أن من المفقودين يمكن أن يكون على قيد الحياة.

يقول القاضي عبدالستار بيرقدار المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى في بيان “إن مضت سنتان على الفقدان في حوادث الأعمال الإرهابية ولم يعرف مصير المفقود خلالهما يعد ذلك سببا كافيا للحكم بوفاة المفقود”.

ويقول سامي فيصل مسؤول منظمة لحقوق الإنسان في محافظة نينوى إن “عددا كبيرا من المفقودين أعدمهم داعش ورمى بجثثهم في حفرة الخسفة” الواقعة إلى الجنوب من الموصل.

ويرجح أن يكون موقع حفرة “الخسفة” سيء الصيت عبارة عن منخفض كبير ناجم عن إحدى الظواهر الطبيعية ويعتقد الناس بأنه حدث جراء سقوط نيزك في ذلك المكان الذي يعد إحدى أكبر المقابر الجماعية في العراق واستخدمه الدواعش لتنفيذ الإعدامات.

ويضيف فيصل أنه وفقا لمعلومات قدمتها عائلات، هناك “1820 شخصا مفقودا، من كلا الجنسين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية من عسكريين وموظفين وصحافيين وناشطين وغيرهم”، مشيرا إلى أنه من المستحيل معرفة عدد الذين ما زالوا على قيد الحياة .

وقال إنه بالإضافة إلى هؤلاء “هناك ثلاثة آلاف و111 إيزيديا مفقودا، نساء ورجالا”، فيما عاد بعضهم إلى عائلاتهم بعد سنوات من العبودية وسوء المعاملة.

بدورها، تعيش أم عبدالله خوفا متواصلا مما قد يحدث لابنها إذا كان على قيد الحياة، لأن الجهاديين أجبروه وسجناء آخرين من عناصر الأمن على إعلان الولاء لتنظيم داعش الذي يعتبر تنظيما “إرهابيا” في العراق.

ترى أم عبدالله (80 عاما) أن ما يحدث للمفقودين عقاب، قائلة “اليوم، وبدلا من إطلاق سراحهم وتعويضهم عما لحق بهم يستمر حبسهم، وربما ستلفق لهم تهم الانتماء للإرهاب ويعاقبون عليها”.

الكثير من المفقودين كانوا عناصر في قوات الأمن أو موظفين حكوميين ويعتبرهم الجهاديون في كلا الحالتين موالين لحكومة “كفر” كونهم ينتمون لحكومة شيعية. والتقى أولياء هؤلاء المفقودين مع الكثير من المسؤولين المحليين، كما ناشد نواب في البرلمان الجهات الحكومية التدخل لمعرفة مصير هؤلاء، حسبما ذكر أبولؤي.

وأكد هذا الرجل العاطل عن العمل (56 عاما) أنه يقضي كل وقته تقريبا في البحث عن ولديه اللذين اختطفا في الرابع من أكتوبر 2016، من داخل منزلهم على يد جهاديين مع “14 رجلا من نفس العائلة”.

ولم يعرف أبولؤي منذ ذلك اليوم مصير ولديه لؤي وقصي، وبات الآن مسؤولا عن تربية طفليهما، أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة والآخر يرفض الكلام منذ رؤية مشهد اختطاف والده.

وذكر هذا الرجل أنه بعد أشهر طويلة من البحث والتحقق “تأكدنا أنهما حيان ومعتقلان لدى القوات الأمنية” وتابع “لا أدري حتى لماذا اعتقلا؟”.

وتعيش أم لؤي (52 عاما) وسط حزن ودموع لا تنقطع وهي ترتدي عباءة سوداء مفترشة أرض منزلها الصغير في حي النبي يونس التاريخي وسط الموصل، بانتظار أي أخبار عن ابنيها اللذين لم يحتفلا معها بعيد منذ سنوات، ولم يبق منهما سوى صور وذكريات.

العرب