هل يستطيع مقتدى الصدر أن يفي بوعد “العراق أولاً”؟

هل يستطيع مقتدى الصدر أن يفي بوعد “العراق أولاً”؟

تقوم المحاولات الدعائية لإعادة ابتكار صورة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في أعقاب فوز ائتلافه من الأحزاب الشيوعية-الإسلامية في الانتخابات بإعادة تشكيل تاريخ العراق بشكل انتقائي فقط. وكان التناقض في مواقف الصدر، وتغييره التحالفات، واللجوء إلى العنف والعلاقات العدائية مع الفاعلين السياسيين من غير الشيعية، سمات مهمة في عمله، والتي لم تلق سوى القليل من الإشارة في تقييم مقاربته التي اتخذت عنوان “العراق أولاً”.

نظراً لكونه أميا سياسيا، وأخرق، وانتحاريا، والذي وتر النخبة الجديدة في العراق بعد العام 2003، لم يكن الصدر أبدا المايسترو السياسي المفضل للولايات المتحدة أو حليفا جذابا لها. وقد ورث واستغل قاعدة أبيه ورؤيته الشعبوية لتحقيق الشهرة.

بالقدر الذي يتعلق بإعادة إحياء الحركة الصدرية، جاء الدين في المرتبة الثانية بعد العنف –وفي بعض الحالات، تم التغاضي عنه أيضا لضمان احتفاظ الصدر بقاعدة دعمه. وكان هذا هو واقع الحال بالنسبة لأعضاء التيار الصدري الذين شاركوا في النهب، والذين تم التغاضي عنهم في مقابل دفع ضريبة الخمس -ما يعادل خمس قيمة غنائم الحرب المفروضة على المسلمين الشيعة.

كانت شعبية الصدر المتصاعدة تسبب الخوف لقوى الاحتلال والمرشح الشيعي المفضل لدى واشنطن، ليس بسبب ما يستطيع الصدر تحقيقه، وإنما بسبب ما كان قادراً على تدميره. وبالاستنجاد بعملائه من الشيعة، رد الصدر على استبعاده من النظام السياسي الطائفي الجديد في العراق باستخدام العنف الذي لم تستطع الولايات المتحدة إخماده. كما أكسبه ذلك العنف نقاطاً في صفوف حركة المقاومة العراقية، لكن الصدر وضع العراق في المرتبة الثانية بعد طموحاته الخاصة.

قاتلت الميليشيا التي شكلها، والتي يبلغ قوامها 60 ألف جندي، من دون أي تحفظ ضد القوات الأجنبية التي تحتل البلاد، بينما كانت تناور في الوقت نفسه لتحقيق مكانة القوة العظمى في البلد من خلال الانقضاض على المنافسين من الشيعة الآخرين.

جاء رفض الصدر القبول بمنصب صغير في السياسة العراقية بتكلفة. وتطلب منه الحصول على مقعد في السلطة أن يفصل نفسه عن المقاومة العراقية، واضعا العراق في المرتبة الثانية خلف أهواء صانعي القرار الأميركيين. وأعيد إحياء العنف والخطاب المناهض للولايات المتحدة، اللذين يُزعم أنه خفض وتيرتهما، في السنوات اللاحقة. ولم يتم إعطاء المكونات السنية لحركة المقاومة العراقية التي عمل الصدر معها لطرد القوات الغازية سببا كافيا للثقة بزعيم هذه الحركة بعد دخوله العملية السياسية التي تديرها نفس القوى الخارجية التي تعهد هو نفسه بتدميرها.

بعد انتهاء المعركة الدامية في مدينة الصدر، وجد الصدر نفسه في مواجهة أحزاب وشخصيات قوية أسستها إيران –وأحزاب وشخصيات ممولة من إيران، والتي لم تكن تثق منذ وقت طويل بجمهور الصدر المحلي الذي نشأ في العراق. وقد امتدت المنافسات إلى مرحلة ما قبل “الدولة الإسلامية” وما بعدها، في حين استمر استخدام العنف كاستراتيجية لخدمة المصالح الذاتية.

بعد عشر سنوات، بقيت علاقات الصدر مع بغداد وواشنطن وطهران مشحونة. وربما يؤدي عدم القدرة على مصارعة أكبر الائتلافات المدعومة من إيران -الفتح وحزب نوري المالكي، دولة القانون- إلى إجبار الصدر على تغيير استراتيجيته.

شهدت تحالفات المصلحة الجديدة، مثل التحالف الصدري-الشيوعي الأخير، وصول الصدر إلى مجتمعات خارج قاعدته التقليدية. وقد انحل البعض من هذه التحالفات، بينما لم تواجه أخريات اختبار المجال السياسي المضطرب في العراق بعد.

سوف تكون مسابقة صناديق الاقتراع التي توجت كتلة “سائرون” فائزة في انتخابات العام 2018 مختلفة تماماً عن مصارعة الجوجستو السياسية التي يجب أن نتوقعها خلال مرحلة تشكيل الحكومة. وسوف يشكل مصير الحزب الشيوعي العراقي والمقاعد المخصصة له في البرلمان الجديد الاختبار الحقيقي لولاء الصدر.

ولا تقل أهمية عن ذلك إرادة الصدر القوية لتحدي قرارات السياسة التي تريد الولايات المتحدة وإيران ممارستها على حساب الاستقرار المستقبلي للبلاد.

ربما ساعدت الانتهازية السياسية والسياسات الرجعية في ضمان حصول حصول ائتلاف “سائرون” الذي شكله الصدر على أغلبية المقاعد في التصويت البرلماني هذا العام، لكن الجهات الفاعلة المدعومة من إيران قد تستثني البرلمانيين الصدريين أو تضمهم ليكونوا مجرد واجهة للعرض.

بقدر ما هو من المغري أن يُنظر إلى الصدر على أنه المحارب القادر على الدفاع عن العراق أمام طموحات الولايات المتحدة وإيران إلى الهيمنة، فإن الماضي يقدم نصاً مثيراً للاهتمام للتعلم منه. فمنذ فترة طويلة تمت إعاقة الصدريين عن تحقيق المكاسب السياسية الناضجة عندما يتم عرض فرص جديدة. والآن، تطفو الخلافات القديمة مرة أخرى بين المجموعات التي انبثقت عن المجلس الإسلامي الأعلى في العراق الذي أسسته إيران، بما في ذلك فيلق بدر، وحزب عمار الحكيم الوليد، حركة الحكمة.

ليس لدى الصدر سوى القليل من التنازلات التي يمكن أن يقدمها، وقد واجه –تاريخيا- ضغوطا من القوى الأجنبية والمنافسة. وسوف تعتمد قدرته على التخلي عن موقف الغموض السياسي الذي يتخذه والوفاء بتعهده “العراق أولاً” على قدرته على التحلي بالرصانة والاتساق السياسي والتصرف بشكل مس تقل عن المستشارين، بما في ذلك ابن أخيه أحمد الصدر، وأن يخدم فوق وأبعد من دائرته الانتخابية، وطهران، وواشنطن والرياض.

نازلي ترزي

الغد