الانتخابات التركية: لماذا أصبح إردوغان وحزبه عُرضة للخطر فجأة؟

الانتخابات التركية: لماذا أصبح إردوغان وحزبه عُرضة للخطر فجأة؟

ربما يكون من المحتم أن يفقد حتى الرجل القوي الأكثر شعبية جاذبيته أخيراً. وقد اختار الرئيس إردوغان إجراء انتخابات مبكرة، لكن الأتراك يشرعون في الإشارة إلى أنهم ضاقوا ذرعاً بحكم الرجل الواحد.
*   *   *
إسطنبول – كانر غونيش، صاحب اللحية السوداء القصيرة، والوشوم القومية، وسروال الجينز الأزرق، هو عضو في الجناح الشبابي لحزب المعارضة الرئيسي في تركيا. وهو يساعد العاملين في الخيمية الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري، التي تبث الموسيقى والخطب السياسية عند محطة للعبارات في كاديكوي، على الجانب الآسيوي من إسطنبول.
يقول السيد غونيش: “لقد تغير المناخ الآن حقاً. في حيِّنا، كانوا يلقون الحجارة علينا عندما نخرج هناك. الآن أصبح يصافحوننا ويقولون: ‘أصواتُنا لكم’”.
ولكن، لم تشهد كل محافظة في تركيا مثل هذا التغير الجذري في العاطفة والميل. وفي الحي الذي يتحدث عنه، يفسر غونيش هذا التحول بتعامل الحكومة الأخرق مع السكان الذين هُدِمت منازلهم من أجل إفساح المجال أمام مشروع لبناء مبنى هائل الكلفة، والذي تديره شركة مرتبطة بحزب العدالة والتنمية الحاكم.
لكن أحزاب المعارضة التركية تتحدى يوماً بعد يوم موجة الحر اللافح في البلد لتوزيع المنشورات والدعاية الانتخابية، يدفعها -فيما لم يحدث أبداً من قبل- اعتقاد بأن الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية ربما أصبحا -بعد نصف جيل في السلطة- مكشوفَين وضعيفين نسبياً في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستعقد في 24 حزيران (يونيو).
من المؤكد أن السيد إردوغان هو أكثر الساسة شعبية في تركيا، والذي تقوم بتلميع صورته تغطية تلفزيونية من الجدار إلى الجدار لكل كلمة يقولها -نتيجة جهود حزب العدالة والتنمية الناجحة والمنهجية للسيطرة على مفاصل الإعلام الرئيسية في تركيا- وكذلك حملة انتخابية استخدمت موارد الدولة تغمر البلاد كلها بصورته وعبارة “القائد القوي”.
لكن أسلوب إردوغان القائم على مبدأ “نحن مقابل هُم” استقطب تركيا، وحلمه بالإيذان ببدء نظام رئاسي جديد بقوى فائقة، ربما أصبحا تحت خطر الآن، بينما طرحت أحزاب المعارضة مرشحين أقوى من المتوقع، وتوحدت للمرة الأولى، واستشعرت الفرصة.
سوف يبدأ التحول إلى النظام الرئاسي الجديد بالصلاحيات الهائلة، الذي صودق عليه بهامش ضيق في استفتاء عقد العام الماضي، بهذا التصويت المرتقب. وقد دعا إردوغان إلى إجراء هذه الانتخابات المبكرة قبل 18 شهراً من موعدها المقرر، متوقعاً تحقيق انتصار آخر من خلال التفوق على معارضة منبعثة من جديد، وانكماش اقتصادي يضرب البلاد. وقد هبطت قيمة العملة التركية بنحو 20 في المائة في الأشهر الأخيرة، مع المزيد من المتاعب المتوقعة في المستقبل، بينما استمرت الأسعار في التحليق، وأصبح الأتراك يكشفون أكثر وأكثر عن إشارات على أعراض استنفاد حقبة إردوغان.
تقول السيدة آسلي أيديناتشاباش، محللة الشأن التركي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “للمرة الأولى في 16 عاماً تقريباً من حكم حزب العدالة والتنمية، أصبح الناس يستطيعون تخيل وضع لن يكون فيه إردوغان هو الفائز النهائي. وهذا مسار طبيعي للأحداث. ليس هناك شخص واحد في أي مكان في العالم يبقى في السلطة لمدة 16 عاماً، ولا تشرع شعبيته في الانحدار”.
وتضيف السيدة أيديناتشاباش: “ربما ينتهي به المطاف إلى الفوز مع ذلك، لكن الحقيقة هي أنه لم يعد يبدو داخل تركيا ذلك الرجل الذي لا يُقهر -بل العكس تماماً”. وتلاحظ أن إردوغان اضطر إلى عقد تحالفات جديدة، وتوزيع هبات حكومية كبيرة، واستخدام قدرة حزب العدالة والتنمية على التعبئة من أجل تسجيل فوز بنسبة 51 في المائة في التصويت الرئاسي بحيث يمكنه تجنب جولة إعادة.
وتقول أيضاً: “أنفق إردوغان الكثير من الوقت في خلق نظام حكم الرجل الواحد، لكن المطاف ينتهي بك، في نظام الرجل الواحد، إلى إلقاء اللوم عن كل المشاكل التي تواجهها في حياتك -سواء كانت في الاقتصاد أو السياسة- على ذلك الرجل الواحد”.
وتضيف: “إنه ما يزال الشخص الأكثر شعبية في الشارع التركي، لكن البلد أصبح منقسماً بشدة أيضاً. أصبح المعسكر المناهض لإردوغان يضم الآن نصف السكان تقريباً، ولذلك يشكل الاستمرار في كسب الانتخابات تحدياً كبيراً، إذا كانت لديك نسبة 50 في المائة من السكان العازمين الذين لا يحبونك”.
اتحاد في المعارضة
من أجل تعظيم فرصها إلى الحد الأقصى، انضمت أربعة من الأحزاب التركية المنقسمة عادة معاً في عرض غير مسبوق للوحدة من أجل خوض الانتخابات البرلمانية. ولم تتراجع هذه الأحزاب في انتقاداتها -ولم يفعل الرئيس كذلك في المقابل- بينما يجوب قادتها كل أنحاء تركيا ويتحدثون إلى تجمعات حاشدة متنوعة كل يوم.
في الأسبوع الماضي، قال محرم إنجيه، مرشح حزب الشعب الجمهوري، مدرس الفيزياء السابق الذي تعهد باستعادة الديمقراطية وحكم القانون في البلد، مخاطباً الحشود، إن إردوغان أصبح “متعباً كثيراً” بحيث لن يتمكن من حل “المشكلات الكبيرة” في تركيا.
وقال، مخاطباً إردوغان، إنه سوف يهدم القصر الرئاسي المكون من 1.000 غرفة الذي بناه في العاصمة أنقرة “على رأسك”. وتعهد بتقويض ثقافة الرئيس “القمعية”، ووعد بأن وجهه لن يظهر -كما يفعل إردوغان دائماً- في كل مرة يدير فيها الأتراك التلفاز. وقال السيد إنجيه  في تجمع آخر: “سوف نغير الرجل الذي ظل يصرخ في وجهنا طوال 16 عاماً”.
ومع ذلك، يشكل مسار الحملة المكان الطبيعي لعمل أسلوب إردوغان الكارزمي والمقاتل. ويتهم إردوغان إنجيه بـ”دعم الإرهاب” عن طريق الالتقاء بمرشح كردي للرئاسة، صلاح الدين دميرتش من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، الموجود الآن في السجن؛ وبـ”التلاعب بالناخبين”؛ وبأنه يريد “العودة إلى تركيا القديمة” بتدمير ما بناه حزب العدالة والتنمية.
وقال إردوغان مخاطباً إنجيه في أحد التجمعات الانتخابية بين هتافات الحشود: “إنك حتى لن تنال أبداً للقدوم إلى القصر”.
سجل مختلط
منذ العام 2002، قام حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية بتحويل اقتصاد تركيا وتحديثه، رافعاً مستويات المعيشة عبر كامل أنحاء الطيف، حتى بينما تجني الشخصيات الرفيعة -وبارونات الإنشاءات المرتبطين بالحزب الحاكم- أرباحاً هائلة.
لكن تعريف إردوغان للديمقراطية هو أنها حكم الأغلبية فقط، من دون التواصل مع الأطراف الأخرى ومد اليد إليها، وقد أثار أسلوبه السلطوي احتجاجات واسعة النطاق في العام 2013، والتي نددت به ونعتته بـ”الدكتاتور”.
شُنّت حملة قمع شرسة على المعارضين الذين يصفهم إردوغان بشكل روتيني بأنهم “إرهابيون” في العام 2013، وتكثفت الحملة بعد محاولة انقلاب فاشلة في تموز (يوليو) من العام 2016. وما يزال العشرات من الصحفيين الأتراك يقبعون في السجون؛ حيث احتلت تركيا أعلى مرتبة في العالم للصحفيين المسجونين في العام 2017، للسنة الثانية على التوالي، وتم تطهير نحو 150.000 شخص من مؤسسات الدولة.
الآن، يقول كل زعيم في المعارضة إنه سيقوم على الفور بإنهاء حالة الطوارئ التي بدأت بعد محاولة الانقلاب، وكان من المفترض أن تستمر لثلاثة أشهر فقط. وقد حذا إردوغان حذوهم أخيراً، فبذل الوعد نفسه بإنهاء حالة الطوارئ يوم الأربعاء قبل الماضي.
يقول يعقوب فارول، فني الطائرات المتطوع في خيمة حزب العدالة والتنمية عند محطة العبارة، بينما يقوم بطي سلسلة من قماش الأعلام البرتقالية والزرقاء في نهاية اليوم: “رجب طيب إردوغان بشر، ونحن كلنا نرتكب الأخطاء، ولكن لم يفعل أحد من أجل البلد بقدر ما فعل”.
ويضيف السيد فارول: “في كل نظام، هناك شخص واحد تكون له الكلمة النهائية. وليس الأمر مختلفاً هنا. في هذه الانتخابات، تبدو المعارضة عدوانية للغاية. الآن تركيا بلد جميل جداً، ولكن إذا فازت المعارضة، فإن هذا كله سوف يذهب”.
لكن هذه النتيجة للانتخابات مستحيلة، كما يقول مسؤولو حزب العدالة والتنمية الموجودون في كشك متنقل للحزب في منطقة أوسكودار، حيث يوزعون أزهار القرنفل الأحمر ودعاية الحزب. ومعظم المتطوعين هناك من النساء اللواتي يرتدين غطاء الرأس.
يقول إبراهيم يورور، رئيس الرابطة المحلية لحزب العدالة والتنمية في الحي، عن حلم إردوغان الذي يحمله منذ وقت طويل، والذي سيبدأ بالتحقق لدى الفوز بولاية رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات: “إن احتمالات خسارته هي صفر. في كل انتخابات قمنا بزيادة مستوى الدعم وعدد الأصوات، وسوف يكون النظام الرئاسي الجديد -بإذن الله- هو التتويج لإنجازاتنا”.
“لا شعارات جيدة”
ولكن، ليس كل ناشطي الحزب الحاكم مقتنعين تماماً بدعايتهم الخاصة. وقال أحد مسؤولي حزب العدالة والتنمية لصحيفة “فايننشال تايمز”: “الناس ليسوا متحمسين هذه المرة -لا نحن ولا ناخبونا. إننا نقول فقط الأشياء نفسها التي كنا نقولها في السابق: بنينا جسراً جديداً، ونبني مطاراً جديداً. ليست هناك شعارات جيدة، لا شعارات جيدة”.
بدلاً من ذلك، زود إردوغان المعارضة، عن غير قصد، بشعارات مفيدة. فعندما قال في تجمع انتخابي إنه سيغادر عندما يقول الشعب التركي “كفى”، انتشرت الكلمة التركية “تمام” مثل الفيروس وأصبحت جزءاً من مفردات معجم المعارضة.
تواجه تركيا الآن مجموعة من المشاكل. فقد انتقد إردوغان بعض القادة الأوروبيين ووصفهم بأنهم نازيون، مفاقماً بذلك الانهيار في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وحلف الناتو. كما أنه تورط بعمق في الحرب الأهلية السورية التي جلبت أكثر من 3 ملايين لاجئ إلى بلده.
في الأسبوع الماضي، شنت تركيا هجمات ضد مقرات حزب العمال الكردستاني المتشدد في شمال العراق -في حركة بقصد نيل الشعبية، والتي وصفها المنتقدون بأنها خدعة انتخابية- كما انخرط الجيش في عمليات عسكرية متعددة عبر الحدود في سورية.
يقول حسين يالينتاس، صاحب محل الأرضيات الذي يدير خيمة انتخابية لحزب “الخير” القومي التركي، الذي تتزعمه السياسية المخضرمة ميرال أكسينر: “إننا نتواجد في الخارج هنا ونذهب إلى الأسواق والبازارات، ونقابل ما بين 1.500 و2.000 شخص يومياً. ومن تعابير وجوههم ولغة أجسادهم، فإنهم يقولون لنا إنهم سئموا”.
ويضيف: “ثم يقولون لنا فعلياً: ‘يجب أن تنقذونا من هؤلاء الناس. إنهم يأخذوننا بعيداً عن الديمقراطية وإلى نظام الرجل الواحد. هناك موجة كبيرة من الناس الذين هم ضحايا للحكومة، ونحن صوت هؤلاء الناس”.
الوحدة في صندوق “شوكولاته”
يتضخم هذا الصوت الآن بوحدة لم يسبق لها مثيل للمعارضة في تركيا. وتؤكد هوليا ميموغلو، الناشطة المحلية من حزب الشعب الجمهوري في الخيمة الانتخابية عند محطة العبارات: “لم نكن نريده منذ البداية، لكن إردوغان نفَّر خلال 16 عاماً من الحكم حتى أنصاره أنفسهم”.
وتقول يلدز ديكين، قائدة الجناح النسائي في حزب الشعب الجمهوري في كاديكوي، وهي تهز رأسها موافِقة: “إنه لم يمتلك دعم كل تركيا قط، لكنه أخذ نصفها واستمر في الدفع”.
يصل صندوق من الشوكولاته من كشك حزب الشعوب الديمقراطي المجاور، وتشرع حباته في الذوبان في الحرارة القائظة، حتى بينما يدار على الموجودين في المكان.
وتقول السيدة ديكين، المعجبة والمتأثرة بالهدية بوضوح: “هذه شوكولاته حزب الشعوب الديمقراطي، هذه هي الوحدة! معاً سنقوم بإسقاط هؤلاء الناس (حزب العدالة والتنمية)”.

سكوت باترسون

الغد