انتخابات 2015 : ديفيد كاميرون بين التحديات الداخلية والخارجية

انتخابات 2015 : ديفيد كاميرون بين التحديات الداخلية والخارجية

iimages_ap_cameron_speech_010
فاز حزب المحافظين البريطاني بزعامة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بالانتخابات العامة التي جرت في 7/6/2015 بعد حصوله على أغلبية غير متوقعة في مقاعد مجلس العموم البريطاني. ليكون الرئيس الثالث عشر للحكومة البريطانية منذ تولي المملكة اليزابيث الثانية العرش البريطاني.
وتعد هذه الانتخابات الأكثر تنافسية منذ أربعين عاما، إذ تشير التقارير إلى أن نسبة الإقبال على التصويت بلغت نحو 66 % وهي أعلى نسبة منذ انتخابات عام 1997. وكان حزب المحافظين قد فاز في الانتخابات التي شهدتها البلاد في العام 2010، بـ307 مقاعد، في حين حصل حينها حزب العمال على 258 مقعدا.
وفي خطاب الفوز الذي القاه بمقره في داوننج ستريت، قال كاميرون إنه التقى الملكة إليزابيث الثانية، وسيعمل منذ الآن على تشكيل حكومة أغلبية محافظة. واعتبر أن حكومة الأغلبية ستكون مسؤولة بقدر أكبر، وستعمل لصالح جميع المواطنين.
وتابع: “بإمكاننا أن نجعل بريطانيا مكانا تكون الحياة الطيبة فيه من نصيب جميع الناس المستعدين للعمل”، متعهدا بالعمل على رفع مستوى المعيشة في البلاد وتحسين ظروف العمل، وتوفير فرص عمل جديدة، وجعل الاقتصاد أكثر اتزانا.
وتناول أيضا النجاحات التي حققتها حكومته خلال السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك تجاوز الأزمة الاقتصادية. مؤكدا تمسكه باحترام إرادة كل مكونات المجتمع البريطاني.
وجدد وعده بتوسيع صلاحيات حكومات اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية، معلنا تمسكه بوعده الانتخابي المتعلق بإجراء استفتاء شعبي حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في عام 2017.
ومن المقرر أن يعلن رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون خلال اليومين المقبلين أسماء حكومته وحقائبها الوزارية الـ 24 ، وبدا أنه سيحتفظ بعدد من وزرائه الأقوياء في الحكومة الائتلافية السابقة، كما سيعين وزراء جددا، بدل وزراء حزب الليبراليين الديموقراطيين الذين شغرت حقائبهم بخروجهم من الائتلاف الحكومي.
وقال مكتب رئيس الوزراء، إن كاميرون سيحتفظ بوزراء الخزانة جورج أوزبورن والخارجية فيليب هاموند والدفاع مايكل فالون والداخلية تيريز ماي. وأضاف أن كاميرون سمى “سلفاً” وزير الخزانة أوزبورن “سكرتيراً أول للحكومة، وهو أعلى منصب وزاري بعد رئيس الحكومة. ليعطي المجال لوزير الخزانة للمضي في حملة التقشف التي كانت محور برنامج حزب المحافظين الانتخابي. وعلى الارجح فان الاحتفاظ بالوزراء الأربعة الكبار يعني تأكيد سعي المملكة المتحدة لإصلاح علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وإعادة التفاوض على مكانة بريطانيا في أوروبا قبل الاستفتاء الذي سيجري العام 2017 حول عضوية أوروبا في الاتحاد.
ديفيد كاميرون ..الخبرة والتجربة
يعد كاميرون اصغر رئيس وزراء بريطاني، درس العلوم السياسية والاقتصاد والفلسفة. وعمل بعد تخرجه لسنوات في قسم البحث في حزب المحافظين، ومستشارا لوزير الخزانة، ليترك بعدها العمل السياسي عام 1994 ويعمل في شركة كارلتون للاتصالات. وعام 2001، استقال كاميرون من منصبه ليعود إلى السياسة عبر عضوية البرلمان البريطاني، عندما احتل المحافظون فيه مقعد المعارضة.
اما نقطة التحول في حياة كاميرون السياسية، فكانت عند انتخابه زعيما لحزب المحافظين عام 2005، حيث عمل لتحديث برنامج الحزب وآليات عمله، واحداث ثورة كبيرة فيه الامر الذي قاده إلى الفوز بأكثرية مقاعد البرلمان في انتخابات عام 2010، إثر فوزه بـ36% من أصوات الناخبين، واختير كاميرون إثر ذلك رئيسا للوزراء، وشكل حكومة بالتحالف مع حزب الليبراليين الديمقراطيين.
وخلال ولايته الأولى، واجه كاميرون تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في عام 2008، وطبق برنامج تقشف صارم لتجاوزها امتد 5 سنوات، فضلا عن قيادته دفة سياسة بلاده في عالم مضطرب، شهد تنامى قضايا الإرهاب والهجرة غير الشرعية. بالإضافة إلى ذلك، نجح كاميرون، وعبر حملة نشطة، في اقناع الاسكتلنديين بالبقاء تحت لواء بريطانيا، حيث صوت 55% من شعب اسكتلندا لصالح الوحدة مع بريطانيا في استفتاء أجرى سبتمبر /ايلول الماضي.
طبيعة النظام الانتخابي في بريطانيا
كما هو معروف تجري الانتخابات العامة في بريطانيا مرة كل خمس سنوات على الأقل (مدة الدورة البرلمانية)، وتقسم المملكة المتحدة إلى 650 دائرة، حيث كل دائرة تنتخب نائبا واحدا لشغل مقعد في مجلس العموم، وينتخب أعضاء البرلمان من خلال نظام الأغلبية البسيطة، عندما يصوت كل شخص لمرشح ما في دائرة بعينها، وفي حال حصول المرشح، حزبيا أو مستقلا، على معظم الأصوات يصبح نائبا عن تلك الدائرة الانتخابية.
وتتحقق الأغلبية المطلقة بالحصول على 326 مقعدا، ما يمكن الحزب الفائز بالحكم منفردا. وفي حالة عدم تحقيق الأغلبية يوجد خياران؛ الأول تشكيل تحالف مع حزب آخر على الأقلّ، أو السعي لتشكيل حكومة أقلية مدعومة من حزب أو من عدّة أحزاب صغيرة، فخلال الانتخابات التشريعية لعام 2010، لم يحصل حزب المحافظين حزب الوزير الأوّل المنتهية ولايته، ديفيد كاميرون على الأغلبية؛ فاضطرّ للتحالف لمدّة خمس سنوات مع الليبراليين الديمقراطيين بقيادة نيك كليغ، نائب الوزير الأوّل المنتهية ولايته. وكثيرا ما شكل تقليد الثنائية الحزبية المتمثلة في حزب المحافظين من جهة و حزب العمال من جهة أخرى ارثا تاريخيا انكلوساكسوني.
على ان المشهد السياسي اليوم يحفل بظهور احزاب سياسية أصغر يرجعها بعضهم لانعدام الثقة باداء الحزبين الكبيرين في الحياة السياسية بالبلاد. وهنا ينبغي تأكيد أن الثنائية الحزبية التي تشهدها بريطانيا لا تعني وجود حزبين في الحياة السياسية فقط ، وإنما تعني وجود حزبين كبيرين لهما ثقل سياسي وتأثير كبير على الناخبين ما يحصر المنافسة السياسية بينهما، وبالتالي نظام الثنائية الحزبية لا يمنع وجود أحزاب أخرى غير أنها تظل أحزابا صغيرة ليس لها تأثير.
حصل المحافظون على 331 مقعدا من بين 650 عدد مقاعد مجلس العموم (البرلمان)، وبزيادة مقدارها 24 مقعدا عن انتخابات عام 2010، بينما حلّ حزب العمال ثانيا بحصوله على 232 مقعدا وبانخفاض 26 مقعدا عن الانتخابات الماضية، ما دفع زعيمه إد ميليباند لإعلان استقالته. كما حصل الحزب الوطني الاسكتلندي على 56 مقعدا بزيادة مقدارها 50 مقعدا ليكون في المركز الثالث، بينما جاء حزب الديمقراطيين الأحرار بزعامة، نيك كليغ في المركز الرابع بحصوله على 8 مقاعد بعد أن خسر حزبه عشرات المقاعد، حيث فقد 49 مقعدا، من 57 مقعدا حصل عليها في انتخابات 2010 مكنته من المشاركة في الحكومة الائتلافية السابقة بزعامة كاميرون.
كما حصل الحزب الاتحادي الديمقراطي في ايرلندا الشمالية على 8 مقاعد، وحصلت الأحزاب الصغيرة الأخرى على 15 مقعدا منها حزب الخضر، الذي احتفظ بمقعده الوحيد في البرلمان، وحصل حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض للاتحاد الأوروبي على مقعد برلماني واحد، في حين خسر زعيم الحزب، نايجل فاراج في الانتخابات ولم يتمكن من تأمين مقعد له.
وبذلك، نال المحافظون 37% من التصويت الوطني، والعمال 31%، وحصل حزب الاستقلال على 13%، والليبراليون الديمقراطيون 8%، والحزب القومي الاسكتلندي 5%، والخضر 4%. اما الخسارة المدوية فأصابت الليبراليين الديمقراطيين، الذين تراجع عدد مقاعدهم من 57 مقعدا فازوا بها في انتخابات 2010 إلى 8 مقاعد في هذه الانتخابات.

تحديات امام حكومة كاميرون الجديدة؟
يركز السياسيون في معظم الانتخابات البريطانية على القضايا الداخلية. ونادراً ما يضع الناخبون السياسة الخارجية على رأس قائمة أولوياتهم، فالقضايا الداخلية وعلى رأسها الاقتصاد، وإصلاح نظام الرعاية الصحية، والعلاقة مع الاتحاد الاوروبي تحتل سلم الاولويات. أما السياسة الخارجية وقضايا الشرق الأوسط فغابت عن اهتمامات الناخب، وإن لم يمنع هذا سياسيين من الأحزاب الأساسية من إجراء مناظرة حول مواقفهم من قضايا السياسة الخارجية الأكثر إلحاحا. فليس هناك اختلاف كبير بين الأحزاب البريطانية حول الأولويات أو طرق التعامل مع الأزمات الحالية كي تتصاعد الحملة الانتخابية وتتصدر قضايا السياسة الخارجية المشهد الانتخابي.
وهو ما اكده روبن نبلت، مدير مؤسسة “شاثاوم هاوس” للدراسات في لندن ” بانه من الصعب الحكم على السياسة الخارجية لدولة ما خلال الانتخابات، فالشأن المحلي سيغلب لا شك، إلا إذا كان هناك تهديد خارجي واضح وهذا غير موجود. وأظن ان البريطانيين يريدون ان يكونوا في الصف الثاني وليس الأول فيما يتعلق بالسياسة العالمية الآن، فهناك ارهاق وإعياء من التدخل البريطاني في العراق وافغانستان وليبيا. ومع ذلك لا أعتقد ان وقت الانتخابات هو الافضل للحكم على السياسة الخارجية البريطانية.”
ويواجه رئيس الوزراء وزعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون الكثير من الاتهامات بصدد سياساته، التي أدت إلى تدهور مكانة بريطانيا وتقلص نفوذها الدولي بسبب تدخلها السريع في ليبيا، فالمزاج العام في بريطانيا ضد التدخل العسكري في أي ازمة، وما تزال اثار حرب العراق وافغانستان وليبيا شاخصة امام البريطانيين.
وما يقلق السياسيون في لندن على المدى الطويل أن هناك تراجعا لا يمكن إنكاره في مكانة بريطانيا الاستراتيجية، في داخل اوروبا. وبسبب الخلافات الدائمة حول إصلاح الاتحاد الاوروبي، لم تمارس لندن دورا محوريا مثلا في الازمة الاوكرانية التي لعبت فيها المانيا وفرنسا الادوار الاهم. وفي اليونان حملت المانيا العبء الأكبر في المفاوضات. وتقف بريطانيا اليوم في مفترق طرق حقيقي، فموازين القوى داخل اوروبا ليست لصالحها، بل لصالح المانيا. وهي من ناحية اخرى ما زالت تحاول إيجاد تلك الصيغة المثالية بين سياسة خارجية تعتمد على القوة العسكرية من ناحية، وعلى قوة الحوار والتوسط لحل النزاعات والمساعدات الانسانية والتنمية من ناحية اخرى.
والتحدي الاكبر الذي يواجه المحافظين هو انقسامهم حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ففي الوقت الذي يتبنى فيه ديفيد كاميرون، موقفاً وسطياً، يتلخص في إصراره على “إعادة التفاوض” مع الاتحاد الأوروبي لمراجعة سياسات الاتحاد في مجالي الحدود والهجرة، واستعداده لعرض مسألة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أو خروجها منه على الاستفتاء الشعبي في عام 2017 في حال فاز الحزب في الانتخابات العامة المقبلة وفشلت المفاوضات مع الاتحاد، إلا أن صقور الحزب المناهضين للاتحاد الأوروبي يطالبون كاميرون بموقف أكثر وضوحاً لجهة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي واستعادة السيادة البريطانية التي باتت منقوصة لصالح بروكسل، على حد تعبيرهم. بل ويرى المنشقون عن الحزب الذين التحقوا بحزب “الاستقلال” ان كاميرون خذلهم لأنه عاجز عن اتخاذ موقف جريء وحاسم من الاتحاد الاوروبي.
وتبدو التحديات الخارجية أمام الحكومة المقبلة كبيرة، بسبب الأزمات المفتوحة في سوريا والعراق وليبيا. فضلا عن ازمات لا يمكن التنبؤ بها وتحديدا ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران. وما قد يترتب عليه من نفوذ إيراني غير مسبوق في منطقة الشرق الاوسط.
وبذات السياق فان امكانية حكومة كاميرون اليوم على المحك، لجهة طمأنة الدول القلقة والحليفة في المنطقة من التصرفات الايرانية حيالها، ووضع الأسس لسياسة شرق أوسطية جديدة ترتكز على ارث العلاقات الجيدة بالدول العربية من جهة وعلى دور إيران من جهة اخرى في حل قضايا عالقة تكلفتها الانسانية هائلة مثل الأزمة السورية. ومن هنا ترى لندن أن الخروج من الأزمة السورية يتطلب حلا سياسيا يتمحور حول العودة إلى التفاوض. على ان لا يكون للأسد دور في المرحلة الانتقالية وما بعدها، فهو ليس جزءا من الحل بالرغم من أنه جزء أساسي من النظام السوري.
وما يعرف عن حزب المحافظين، دعمه الثابت لإسرائيل ففي عام 1917، قدم آرثر جيمس بلفور المحافظ التزامًا رسميًا لليهود، باعتباره وزير الخارجية البريطاني حينها، وسمي هذا الالتزام تاريخيًا فيما بعد باسم وعد بلفور، ويتعرض للمسألة الفلسطينية عبر تأكيد الموقف التقليدي للحزب المتمثل في: “دعم حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والدفاع بقوة عن حق إسرائيل في حماية أمنها، مع الاستمرار بإدانة الاستيطان غير الشرعي، الذي يقوّض فرص السلام”. ولعل تعيين كاميرون من جديد فليب هاموند في منصب وزير الخارجية، يشير إلى أنه المضي بنفس السياسة التي انتهجها في الحكومة المنتهية ولايتها. وهذا يعني أن المواقف الرسمية البريطانية من قضايا دولية من قبيل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لن تشهد تغييرا جوهريا.
فالمؤسسة الحاكمة في بريطانيا ظلت منذ عقود تردد مقولة :”إيجاد حل عادل وشامل ودائم” لقضية الشرق الأوسط، وأن ذلك الحل لن يتحقق إلا عبر المفاوضات.
وعلى الارجح فان التغيرات التي حدثت في العالم العربي غيرت وقلبت الأولويات، فلم يعد الصراع العربي ــ الإسرائيلي أولوية في السياسات الخارجية، بل بات قضية من القضايا الأخرى الأكثر أهمية كملفات الهجرة والنزوح، وقضايا أخرى كالأوضاع في العراق والإرهاب وغيرها.
ويبدو ان كاميرون استخلص الكثير من الدروس من حروب بلير الخارجية، فمنذ توليه رئاسة الحكومة في عام 2010، تراجعت المساهمة البريطانية على صعيد التدخلات العسكرية في الخارج، جراء الثمن الفادح الذي دفعوه نتيجة حربين على بلدين مسلمين، أفغانستان والعراق. بينما تظل المشاركة البريطانية ضمن حملة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الجوية ضد قوات العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في عام 2011 أكبر مساهمة للندن في العمليات العسكرية بالخارج. ولا يأتي بعدها من حيث الأهمية سواء مشاركتها ضمن الحملة المستمرة على مواقع تنظيم الدولة في العراق وسوريا. لكن لا يتوقع أن تتعدى سياسات التدخل البريطاني هذا الشكل من المساهمة في “الحرب على الإرهاب”.
وعليه فإن حكومة كاميرون الجديدة ستركز أكثر على لملمة الوضع الاقتصادي والاجتماعي لشعبه، والتصدي لكل المحاولات التي ترمي إلى تغيير شكل خريطة وحدود المملكة المتحدة. والتساؤل الذي يبرز هنا حول مدى امكانية كاميرون في تحقيق تعهده بجعل بريطانيا العظمى “أعظم مما هي عليه”؟ ما إذا كانت المملكة المتحدة ستبقى متحدة وحدودها بعيدة عن الخطر.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية