مناطق عراقية مدمرة تنتظر وعود الإعمار بعد عام من النصر على داعش

مناطق عراقية مدمرة تنتظر وعود الإعمار بعد عام من النصر على داعش

الأزمات السياسية في العراق تعطل تنفيذ خطط إعادة إعمار المناطق المدمرة بفعل الحرب على تنظيم داعش، فيما تخشى الدول المانحة أن يؤدي ضخ الأموال في بلد منقسم سياسيا إلى تغذية شبكات الفساد المالي التي يديرها ساسة ومسؤولون.

الرمادي (العراق) – بعد نحو عام كامل من إعلان العراق النصر العسكري على تنظيم داعش، إثر استعادة معظم أراضيه من التنظيم، لم يتحقق في المناطق المستعادة ذات الأغلبية السنية، شيء من الوعود سواء التي صدرت من داخل البلاد أو من خارجها، فيما يتراجع مستوى الثقة الدولي بالوضع السياسي العراقي، وتتزايد الشكوك بشأن قدرة البلاد على الامتثال لنمط من الديمقراطية يضمن التداول السلمي للسلطة، ويكفل الاستقرار ويسهم في محاربة الفساد المالي المتفشي على نطاق واسع في أجهزة الدولة، وهي مسألة حيوية لإعادة إعمار تلك المناطق وتحريك عجلة التنمية شبه المتوقّفة فيها.

وشن تنظيم داعش حملة تدمير منظمة لمرافق ومعالم المدن والمناطق التي احتلّها بدءا من صيف سنة 2014، ثم ضاعفت الحرب التي دارت ضدّه في تلك المناطق على مدى نحو 3 سنوات، وشارك فيها تحالف دولي واسع بقيادة الولايات المتحدة، من حجم الدّمار، على غرار ما لحق بمدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار كبرى محافظات العراق، ومدينة الموصل مركز محافظة نينوى.

ووعدت الحكومة العراقية ودول عديدة في التحالف المناهض لداعش، بتقديم العون للمناطق المدمرة بفعل الحرب. ولكن عاما كاملا على نهاية الحرب مرّ من دون حصول هذه المناطق على مساعدة تذكر، بينما لا يزال الكثير من سكانها مشرّدين في مخيّمات النزوح ينتظرون إعادة تأهيل مناطقهم لتغدو صالحة للعيش فيها. ولا تزال آثار الحرب ماثلة في مركزي نينوى والأنبار، وهما أكبر معقلين للسنّة في العراق، ويمكن مشاهدتها في مئات المباني العامة المدمرة وآلاف المنازل السكنية التي سُوّي معظمها بالأرض.

ويقول مسؤولون محلّيون بالمحافظتين إن الحكومة العراقية لم تف بوعودها المتعلقة بتخصيص أموال كافية لإعمار المباني والطرق والجسور والمنازل المدمرة، وإن الأموال التي تأتي من العاصمة بغداد لا تزيد عن سدّ الاحتياجات اليومية، فيما تحاول الوزارات معالجة بعض الأضرار التي تعرضت لها المنشآت التابعة لها في هذه المناطق بجهود ذاتية.

وحتى التخصيصات الحكومية الموجهة إلى هذه المناطق، كانت تستغل سياسيا من قبل أحزاب سنيّة متنفذة. ويوجه سكان هذه المناطق اتهامات لمسؤولين محليين بتجيير التخصيصات المالية المركزية لخدمة أهدافهم السياسية كما جرى في الانتخابات العامة الأخيرة حيث تحوّل المال الحكومي إلى ورقة ابتزاز في بعض المناطق من قبل أحزاب تسعى إلى الهيمنة على السلطة.

ومنذ إعلان النصر على داعش، من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في العاشر من يوليو 2017، نادرا ما استجابت الحكومة المركزية، الغارقة في الأزمات، لطلبات صادرة من المناطق المدمرة، تتعلق بالإعمار.

وعلى المستوى الدولي، لم يصل شيء من الأموال التي وعد بها المانحون خلال المؤتمرات التي عقدت لهذا الغرض في عدد من دول العالم. واقتصرت المساعدات الدولية على مبادرات تقوم بها مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وهي مساعدات بسيطة، ولا تجاري الاحتياجات الملحة في هذه المناطق للماء والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.

سوء أوضاع المناطق المدمرة يهيئ الأرضية لعودة التنظيمات المتشددة التي سبق لها أن نشأت على أرضيات مشابهة

ويحذر مراقبون من مخاطر أن يؤدي هذا الإهمال إلى تغذية نزعة عنفية جديدة في هذه المناطق على غرار ما حدث في العام 2005 من صعود لتنظيم القاعدة، ثم في العام 2013 حيث قويت شوكة تنظيم داعش على أرضية الأوضاع الاجتماعية الصعبة وشعور السكان المحليين بالإهمال والتهميش.

ويقول مراقبون إن تدوير الأزمات السياسية في العراق، وانتشار الفساد والمحسوبية في المؤسسات الحكومية، يعطلان تنفيذ الخطط المركزية لإعمار المناطق المدمرة بفعل الحرب على تنظيم داعش، فيما تخشى الدول المانحة والمستثمرون الأجانب أن يؤدي ضخ الأموال في بلد منقسم سياسيا، وتعاني حكومته من ترهل وظيفي كبير، إلى تغذية شبكات الفساد المالي، التي يديرها ساسة ومسؤولون.

ويعوّل سكان المناطق المدمرة على الحكومة الجديدة، التي يفترض أن تتشكل بعدما أجريت الانتخابات العامة في مايو الماضي لتطلق تخصيصات إضافية وتقنع المجتمع الدولي بأن الأموال التي سينفقها على العراق لن تذهب إلى جيوب الفاسدين. لكن المؤشرات حتى الآن تبدو سلبية إذ يعجز العراق عن الخروج من دائرة التشكيك في نتائج الانتخابات التي مازالت نتائجها معلقة بانتظار حسم القضاء للطعون التي قدّمت حولها.

ويقول مراقبون إن الانتخابات العامة، التي كان يعتقد أنها ستكون بوابة العراق نحو تقديم نفسه إلى العالم بشكل جديد بعد إعلان النصر على داعش، تحولت إلى مشكلة جديدة تزيد من الشكوك الخارجية في نزاهة العملية السياسية، وتقلص مستويات الثقة بالمؤسسات المنبثقة عنها ولا سيما البرلمان والحكومة.

ويتوقع ساسة عراقيون أن تستمرّ دائرة الجدل بشأن نزاهة الانتخابات ومن ثم حسم نتائجها وإعلانها بشكل نهائي حتى شهر سبتمبر المقبل الذي يمكن أن يشهد أول جلسة للبرلمان الجديد لتبدأ بعد ذلك مفاوضات طويلة ومعقّدة لتشكيل الحكومة.

ويقول مراقبون إن هذا الواقع السياسي المضطرب يعني أن على المناطق المدمرة بفعل الحرب على داعش أن تنتظر وقتا أطول حتى تنجلي صورة المشهد السياسي في البلد وتنبثق سلطة قادرة على العمل داخليا والتواصل خارجيا.

العرب