أهالي الموصل بعد سنة من طرد داعش: إلى ماذا عدنا

أهالي الموصل بعد سنة من طرد داعش: إلى ماذا عدنا

الموصل (العراق) – “إلى ماذا عدنا؟ بيوت مهدّمة وخدمات معدومة”، بهذه العبارة ردّ أبناء الموصل على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وهو يستحضر الذكرى الأولى لـ“الملحمة الخالدة”، واستعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية. كان واضحا التناقض بين الخطاب الرسمي، ممثلا في حديث العبادي عن خطط لإعادة الإعمار، وخطاب الموصليين وهم ينظرون إلى مدينتهم وقد اختفت معالمها وآثار الدمار في كل ركن فيها بعد سنة من استعادتها، فيما تُضاعف الأخبار القادمة من نينوى عن التدهور الأمني هناك من حالة الإحباط والخوف.

ويطالب سكان الموصل بوجوب الإسراع في إعادة الإعمار، ومن بينهم كثيرون ممن اتّهموا حكومة بغداد بالتلكؤ وعدم الجدية في الدفع نحو إحياء الموصل من جديد بإعمارها وتجنيبها كارثة إنسانية جديدة.

وبعد مضي عام على تحرير الموصل، عادت الحياة إلى طبيعتها في الجزء الشرقي من المدينة، إلا أن الدمار لا يزال شاخصا في غربها. وأشار المجلس النرويجي للاجئين في بيان “لا يزال هناك أكثر من 380 ألف شخص من سكان المدينة بلا منازل، وأحياؤهم عبارة عما يصل إلى 8 ملايين طن من الحطام”، مضيفا أن “حوالي 90 بالمئة من الجانب الغربي من مدينة الموصل مدمّر”. ولفت المجلس إلى أن الموصل تحتاج إلى 874 مليون دولار أميركي لإصلاح البنية التحتية الأساسية.

وتقول أم محمد، التي عادت قبل فترة وجيزة إلى ما تبقى من منزلها قرب جامع النوري الكبير الذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي، “إلى ماذا عدنا؟ بيوت مهدمة وخدمات معدومة”.

ويقول أبوغصون (44 عاما) العاطل عن العمل والذي استأجر بيتا في شرق المدينة بعد خسارة منزله في غربها، إن “التخريب والتدمير الكبيرين للساحل الأيمن (غرب) أفرغا التحرير من محتواه”.

سكان الموصل يوجهون أصابع الاتهام لحكومة بغداد بالتلكؤ وعدم الجدية في التعاطي مع ملف إعادة إعمار المدينة

وبنفس لهجة الإحباط تقول غدير إبراهيم فتاح (35 عاما) “كنا نتوقع الإعمار مباشرة لكنّ شيئا لم يتحقق. هذا ترك إحباطا وغصة في نفوس الأهالي المنكوبين”.

واليأس منتشر بين غالبية السكان، وخصوصا لدى العائلات التي لا تزال تبحث عن مفقودين، على غرار أم قصي (40 عاما)، التي تسكن في منطقة النبي يونس في الشطر الشرقي من الموصل والتي تشتكي من غياب أي متابعة رسمية لهذا الملف، قائلة “لماذا لا ترد علينا الحكومة؟”.

وكل يوم جمعة، تتحول ساحة المنصة في الموصل إلى موقع تجمع لسيّدات يبحثن عن مصير مفقودين من عائلاتهن. نساء يرتدين ملابس سوداء ويرافقهن أطفالهن وبعض الرجال، ويحملن صور “مفقودين”، في مشهد يذكر بـ”أمهات ميدان مايو” اللواتي فقدن أطفالهن في عهد الدكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1983-1976). والكل يشير بإصبع الاتهام إلى تلكؤ الحكومة، التي لم تقدم على أي خطوة إعمارية حتى اليوم.

ويقول عضو مجلس محافظة نينوى غانم حميد، إن “الحكومة المركزية متلكئة ومقصرة بشكل كبير تجاه المحافظة. لم تقدم شيئا يذكر”. ويضيف “قبل معركة التحرير عقد مؤتمر باريس، وبعد التحرير عقد مؤتمر الكويت لإعادة الإعمار. كل ذلك حبر على ورق”.

وفقدت المدينة عقب سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية لمدة ثلاث سنوات عليها العديد من معالمها التاريخية، الكثير من معالمها، حيث اختفت منارة الحدباء، كما هُدّمت المساجد والمواقع الأخرى والمنازل وبات الكثير منها ركاما.

ولم يشهد إحياء الذكرى الأولى لتحرير الموصل من سطوة داعش أيّ احتفالات في شوارع المدينة الشمالية التي كانت تعد مفترق طرق تجارية قبل أن يحولها مقاتلو التنظيم خلال ثلاث سنوات إلى عاصمة “دولة الخلافة”.

ولا تزال الأنقاض في كل أحياء مدينة الموصل متراكمة، علاوة على غياب أبسط مقومات الحياة كالكهرباء أو المياه التي لا يتمتع بها سكان المدنية سوى فترات محدودة خلال اليوم.

ويعاني سكان الموصل، وخاصة بمركز محافظة نينوى، من روائح كريهة تصدر من بعض أحيائها بسبب الجثث المتحلّلة، ما دفع منظمات عراقية الشهر الماضي إلى التحذير من “كارثة صحية مرعبة” تهدّد مليون شخص جراء الغازات المنبعثة من نحو ألفين و500 جثة متحللة لا تزال تحت أنقاض المباني التي دمرتها الحرب.

وخلال عمليات الانتشال، يظهر إلى جانب بعض جثث مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، عتادهم وأسلحتهم بالكامل تحت أنقاض المنازل والمواقع التي كانوا يتحصّنون داخلها. وقال رئيس بلدية الموصل عبدالستار الحبو في تصريحات إعلامية، إنه تم انتشال ألفين و860 جثة مدني حتى الآن من تحت الأنقاض، فيما بلغ عدد جثث مسلحي داعش التي تم انتشالها 920 جثة، مبيّنا أن هناك ألفي جثة لازالت تحت الأنقاض بانتظار انتشالها.

وسط كل ذلك، تحذر أصوات في المدينة من إمكانية التدهور الأمني في محافظة نينوى التي أعلن العراق فرض كامل سيطرته عليها في نهاية أغسطس الماضي. ولفت عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى أحمد الجربا إلى أنه في “ليلة الجمعة، عبرت عجلات رباعية الدفع لعناصر داعش، الحدود السورية باتجاه الأراضي العراقية من قضاء البعاج” في غرب نينوى.

يصور الأميركي بريان مكرتي فظائع الحرب.. لكن بعين طفل. فهو لا يصور بقع الدم أو أشلاء جثث بل دمى وردية مستوحاة من ألعاب الفيديو. ونفذ مكرتي أعماله في الموصل حيث يتوقع أن يعاني الأطفال الذين شهدوا العنف من الصدمة لسنوات.
يصور الأميركي بريان مكرتي فظائع الحرب.. لكن بعين طفل. فهو لا يصور بقع الدم أو أشلاء جثث بل دمى وردية مستوحاة من ألعاب الفيديو. ونفذ مكرتي أعماله في الموصل حيث يتوقع أن يعاني الأطفال الذين شهدوا العنف من الصدمة لسنوات.
ورغم إعلان بغداد في ديسمبر الماضي انتهاء الحرب ضد التنظيم المتطرف عقب استعادة آخر مدينة مأهولة كان يحتلها، فإن الخبراء يشيرون إلى أن مسلحين إسلاميين متطرفين مازالوا كامنين على طول الحدود المعرضة للاختراق بين العراق وسوريا وفي مخابئ داخل مناطق واسعة من الصحراء العراقية.

وتشهد المناطق الواقعة في محيط كركوك وديالى شمالا تدهورا أمنيا، حيث لا يزال الجهاديون قادرين على نصب حواجز وخطف عابرين، ما اضطر الحكومة مؤخرا إلى إطلاق عملية عسكرية واسعة ضد خلايا الجهاديين في تلك المناطق.

ويطالب الكثيرون الحكومة بسرعة اتخاذ اللازم ومسك الشريط الحدودي مع سوريا منعا لتكرار سيناريو العام 2014. ويوضح المحلل السياسي عامر البك أن نينوى اليوم “تشهد تعددا للقوات الأمنية من جيش وشرطة وحشد شعبي وعشائر وغيرها. ومع ذلك هناك انفلات أمني”. ويضيف “الصورة اليوم تهدد بعودة داعش، لكن بصورة مختلفة هذه المرة”.

وأكّد مدير صحة نينوى أنه رغم الصعوبات الكبيرة إلا أن المستشفيات بدأت تستعيد عافيتها إلى حد ما، مقرا بأن الجانب الأيسر من الموصل يضم حاليًا 19 مركزًا صحيًا رئيسيًا وأربعة فرعية، أما الجانب الأيمن فضم 13 مركزًا صحيًا، وكلها فعالة، حسب قوله.

أما التعليم في الموصل فيكاد يكون منعدما، حيث يقر المدرسون بأنه رغم انقطاع الطلاب عن الدراسة لثلاث سنوات ورغم تضرر أعداد كبيرة من المدارس، إلا أنهم يجدون صعوبة في إعادة الطلاب إلى مقاعد الدراسة من جديد.

وبالإضافة إلى انعدام المرافق الأساسية كالصحة والتعليم، ترك حكم تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل آثاراً اجتماعية سلبية جديدة على المدينة، وعلى رأسها ظاهرة تسول أطفال أيتام فقدوا أهاليهم خلال سنوات ما قبل التحرير.

ولا يوجد إلى اليوم أي برنامج واضح لإيجاد حلول، خصوصاً لما يقارب ثلاثة آلاف طالب حرموا من التعليم في المدينة، ما يزيد من ظاهرة هؤلاء الأطفال.

 

العرب