الساعة السورية على توقيت الجاسوس الإسرائيلي كوهين!

الساعة السورية على توقيت الجاسوس الإسرائيلي كوهين!

فتحت الحكاية التي أعلنتها أجهزة المخابرات الإسرائيلية حول استعادتها ساعة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين من سوريا الباب لتحليلات سياسية بسبب المفارقات التي تحملها والمعاني الكامنة وراءها، وربطت بعض التحليلات بين توقيت العملية الاستخباراتية وما يجري حاليا على الساحات العربية، وبالخصوص في سوريا وفلسطين، والعلاقة الممكنة لهذه العملية الرمزية بالصفقات والتفاهمات والمعارك العسكرية والسياسية الإقليمية والعالمية.
تساءل كاتب في «القدس العربي»، على سبيل المثال، عن الأهمية التي توليها إسرائيل لساعة قديمة «لا تقدم ولا تؤخر» أعدم صاحبها قبل قرابة 50 عاما، واستغرب من تعامل الموساد مع ذلك كإنجاز عسكري واستخباراتي، مقترحا أن يكون في الأمر استثمار إعلامي للتغطية على جرائم وانتهاكات إسرائيل، لكنه، من جهة أخرى، توقع أن تكون المسألة أعمق مما تبدو عليه.
فيما رأى كاتب آخر تزامنا بين خبر استعادة الساعة اعتبار جريدة «هآرتس» الإسرائيلية الرئيس السوري بشار الأسد «حليفنا الاستراتيجي في قصر المهاجرين»، مستعيدا لحظات فاصلة في الصراع السوري وضعت فيها تل أبيب كل ثقلها لإنقاذ النظام السوري، أهمها كان دورها في تثبيط إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عن ضربه بعد قصفه الغوطة بالسلاح الكيميائي عام 2013.
ذكرت التحليلات أيضا جملة مقتبسة من كتاب «وحيدا في دمشق» لشاموئيل زئيف، العميل السابق في الموساد، قال فيها إن «القصة الكاملة عن إيلي كوهين لم تكتب بعد، وستكتب فقط بعد أن يعقد السلام مع سوريا»، تفضح هذه الجملة بقدر ما توحي من إلغاز، ما راج كثيراً في أوساط السوريين على مدى عقود، من أن إعدام كوهين تم بسرعة لإنقاذ رؤوس جواسيس آخرين ولرفع الحرج عن أصدقاء مقربين له من كبار قادة الجيش السوري وحزب البعث العربي الاشتراكي، وهناك قصص عديدة يتداولها عارفون بالشأن السوري، منها قصة سجن أحد أصدقاء كوهين لسنوات ثم إطلاق سراحه وتسليمه مسؤولية اقتصادية كبرى لاحقا.
يثير تزامن احتفال الموساد بساعة كوهين والتداعيات التاريخية لهذا الحدث مع تصريح وزير «الدفاع» الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان (معطوفا على وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاليا في موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) حول عدم استبعاد تل أبيب إقامة علاقات مع الأسد، وموجة الغزل المتصاعدة في الإعلام الإسرائيلي نحو النظام السوري، يثير الكثير من الشجون، لأنه يظهر المفارقة العظيمة التي تحيط بالنظام السوري الذي بنى ترسانة بلاغية كبرى تردد أنه «قلعة العروبة» المعادية للصهيونية، ولكنه حاصر الفلسطينيين وقتلهم، مع حلفاء متعددين، في تل الزعتر ومخيم نهر البارد وصبرا وشاتيلا، وشارك في طرد قيادتهم السياسية، ممثلة بياسر عرفات، من لبنان، وشق الصف الفلسطيني بتبني المتمردين عليها، وقدم، في النهاية، مساهمته الكبرى في تحقيق «صفقة القرن» المرتقبة، بتدمير الوجود الفلسطيني في مخيمات الفلسطينيين، الذين ثاروا مع إخوانهم السوريين ضده، في اللاذقية وحلب وحمص وصولاً إلى مخيم اليرموك.
هذه الوقائع المشهودة لجرائم النظام السوري العلنية ضد الفلسطينيين (والسوريين طبعا) أهم بكثير مما ستكشفه تل أبيب (أو الزمن) لاحقا، عن خلفيات تفضيلها بقاء النظام السوري، أو مما ستعلنه، في وقت لاحق، عن عملاء كبار لها كانوا أو ما زالوا داخل النظام.

القدس  العربي